"جيل ماتريكس"... الانصياع لعالم الصورة الفائقة

31 اغسطس 2024
صدر الفيلم عام 1999 (رونالد زيمونيت/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تحول فيلم "ذا ماتريكس" إلى أداة لليمين المتطرف**: كان الفيلم رمزاً للثورة ضد الأنظمة القمعية، لكنه أصبح أداة لليمين المتطرف والذكوريين مثل أندرو تيت، الذين يستخدمونه لتقديم خطاب معادٍ للأقليات والهجرة واللقاحات.

- **وثائقي "جيل ماتريكس" والانقسام الثقافي**: يناقش الوثائقي الأثر الثقافي والفلسفي للفيلم، ويكشف عن تحول مفهوم المنظومة إلى وسيلة للقمع، مع استسلام الناس لانتهاك بياناتهم، وتجلى ذلك في أنصار دونالد ترامب.

- **الحب كقوة دافعة ضد النظام**: رغم التحولات، يبقى الحب المحرك الدائم للانتصار على المصفوفة، كما يظهر في الجزء الرابع، حيث يدعو الفيلم إلى حب الآخر دون حكم على لونه أو دينه أو عرقه.

25 عاماً مرت على صدور الجزء الأول من فيلم "ذا ماتريكس" The Matrix، للأخوين واتشاوسكي. حينها، أي عام 1999، كان العالم على أبواب الألفية الثالثة، ولم تكن التكنولوجيا مُهيمنة بعد. والتشبيك الفائق بين البشر كان شكلاً ديستوبياً. لكن كيف تحول الفيلم ومقولاته إلى سلاح بيد اليمين المتطرف والذكوريين، كأندرو تيت الذي يرى أن "ماتريكس" (المصفوفة) تحاول الحد من حريته؟

السؤال السابق يطرح في وثائقي "جيل ماتريكس" الذي بثته قناة Arte الألمانيّة، وفيه يناقش الأثر الثقافي والفلسفي للفيلم بأجزائه الأربعة، ولعبة الفيديو وفيلم الأنيميشن. لن نخوض في المديح والتحليل، كون الفيلم فتح باباً أمام أشكال عدة من الخيال العلمي التي بلغت أوجها في مسلسل "المرآة السوداء". لكن، ما يهمنا هو انتقال الفيلم من محرك لقوى اليسار والتحول إلى سلاح بيد اليمين. اليمين ذاته الذي يقف في وجه حقوق العابرين جنسياً التي ينتمي إليها الأخوان واتشاوسكي، بعدما أصبحا الأختان واتشاوسكي. هذا الانقلاب بعد 25 عاماً من صدور الفيلم، يتجلى في تبني أصحاب نظرية المؤامرة مقولات الفيلم، ليتحولوا أنفسهم إلى ناشطين ضد "النظام"، ليس بوصفهم باحثين عن الحب أو عن التحرر، بل عبر تقديم خطاب معاد للأقليات والهجرة واللقاحات ويسخر من النساء، أي كل ما حاول "ذا ماتريكس" الوقوف بوجهه.

إن كان الفيلم يدعو إلى تكوين ذكاء عالمي ضد المنظومة القائمة، من أجل زحزحتها والعودة بالمنفعة على الجميع، خلق الفيلم غباء عالمياً، ورفضاً للنظام القائم للعودة إلى الخلف لا التقدم. هذه المفارقة تتضح ليس فقط في أندرو تيت، بل في أنصار دونالد ترامب أيضاً الذين يرونه مخلصاً كنيو الذي يؤدي شخصيته كيانو ريفز، بوصفه قائد حركة نزع الغشاوة عن الأعين.

يكشف وثائقي "جيل ماتريكس" عن الانقسام الذي شهده العالم، وكيف تحول مفهوم المنظومة بسبب البنية الاتصالية الجديدة إلى وسيلة للقمع لا للثورة. والمقصود هنا استسلامنا التام إلى انتهاك بياناتنا وتبادلها والانصياع لعالم الصور الفائقة، عوضاً عن الانتفاض ضده أو "محاربة أوهام المصفوفة"، حسب ما يتنباه في "ذا ماتريكس". لكن يبدو أن "النضال" ضد "المصفوفة" يشمل الذكوريين أيضاً، والعنصريين والمتعصبين، الذين لم يجدوا في المصفوفة خطراً سوى أنها تهدد ممارستهم للعنف اللفظي والجسدي ضد الآخرين.

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

لا تكفي مقالة أو كتاب فقط للحديث عن أثر الفيلم على الثقافة العالمية، وتقنيات السينما، والحركات الثورية، لكن كما نشاهد في الوثائقي، المحرك الدائم للانتصار على المصفوفة، حسب الأختين واتشاوكسي، هو الحبّ، بشكله الصرف، حب الآخر مهما كان وكيفما كان، من دون حكم على لونه أو دينه أو عرقه.

تحرك مشاهدة الوثائقي في جيل الألفية نوعاً من الحنين وعدم التصديق بأنه مضى على "ذا ماتريكس" ربع قرن. خلالها، تعمق دور التكنولوجيا في حياتنا، ليس فقط على المستوى اليومي، بل أيضاً على صعيد الحرب واستخدام الذكاء الاصطناعي والتلصص للقتل والإبادة في قطاع غزة، التي تدينها الأختان بشدة. في حين كان الرد الإسرائيلي، على لسان أحد أعضاء حزب الليكود، الذي ادعى أن الفيلم الشهير كتبه طلاب من مدرسة دينيّة متشددة، في محاولة شديدة الوقاحة لسلب أصحاب الفيلم حقهم المعنوي، وسذاجة لا يمكن وصفها، بل يمكن الاكتفاء بالضحك.

"النظام" الذي يدعونا "ذا ماتريكس" للوقوف بوجهه، ازداد وحشية، بل وهيمنة على مخيلتنا، وهذا ما نراه في الجزء الرابع الصادر عام 2021، الذي كشف لنا أن النظام شديد القوة، إلى حد تحويل أحلامنا ورغباتنا إلى سلاح موجه ضدنا، أي تحويل الثورة في الأفلام الثلاثة الأولى إلى لعبة فيديو، لا جديّة فيها. مصممها، نيو نفسه، الذي تحول إلى مدمن أدوية نفسّية وأحد أشهر أوجه وادي السليكون، ليكون الخلاص نهاية من المصفوفة/ النظام في مشهد شاعري: بعد معركة حامية، يقفز نيو وترينتني نحو المجهول، إذ تحملهم قوة الحبّ، ربما، نحو مستقبل أفضل.

المساهمون