استمع إلى الملخص
- المقال، من تأليف طالب دكتوراه فلسطيني بجامعة هارفارد، دعا لإطار قانوني جديد لفلسطين ونشر رغم الجدل، ما يبرز الانقسامات حول حرية التعبير الأكاديمي والقضية الفلسطينية.
- رداً على الحجب، نشر المحررون المقال على الإنترنت، ما أدى لانتشاره واسعاً وزيادة الاهتمام بالحرية الأكاديمية والقضية الفلسطينية، في سياق عالمي من الاحتجاجات ضد العدوان الإسرائيلي.
حجب مجلس إدارة "كولومبيا لو ريفيو"، مساء الاثنين، موقع المجلة البحثية الحقوقية بعد أن رفض محرّروها الطلاب حذف مقال أكاديمي لمحامٍ حقوقي فلسطيني يتهم دولة الاحتلال بارتكاب إبادة جماعية في غزة ودعم نظام الفصل العنصري، بحسب موقع ذا إنترسبت الأميركي.
ومع حلول يوم الأربعاء بقي موقع المجلة مغلقاً بالكامل من قبل مجلس الإدارة، المكون من أعضاء هيئة التدريس وخريجي كلية الحقوق في جامعة كولومبيا، واختفت منشورات المجلة بالكامل ليحلّ مكانها عبارة تقول إنّ "الموقع يخضع للصيانة".
استفزّ هذا القرار محرّري المجلة من طلاب كلية الحقوق في "كولومبيا"، والذين وجدوا في قرار مجلس الإدارة انتهاكاً غير مسبوق لاستقلاليتهم، خاصةً أنّه يكتفي عادةً بالإشراف على الشؤون المالية للمجلة من دون التدخل في محتوى منشوراتها.
وعزّزت هذه القضية الانقسام الذي تشهده الجامعات الأميركية عموماً وجامعة كولومبيا خصوصاً، منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل الماضي.
وفي مقاله "النكبة كمفهوم قانوني" اتهم طالب الدكتوراه الفلسطيني في جامعة هارفارد، ربيع إغبارية، دولة الاحتلال بارتكاب سلسلة من "الجرائم ضد الإنسانية"، ودعا إلى وضع إطار قانوني جديد "يصوّر البنية المستمرة للاستعباد في فلسطين، ويساعد في استنباط صياغة قانونية للوضع الفلسطيني".
وحصلت وكالة أسوشييتد برس على رسالة بعثها مجلس الإدارة، الثلاثاء، إلى محرري المجلة، عبّر فيها عن "قلقه" من أنّ المقال الذي يحمل عنوان "النكبة كمفهوم قانوني"، لم يمر "بالعمليات المعتادة للمراجعة واختيار المقالات"، كما أنّ عدداً من "المحررين الطلاب لم يعلموا بوجوده". كذلك برّر المجلس تعليق الموقع بالقول إنّه يهدف إلى "الحفاظ على الوضع الراهن ومنح المحررين الفرصة لمراجعة المقال، فضلاً عن توفير الوقت للمجلة لتحديد كيفية المضي قدماً".
ورأى إغبارية في رسالة أنّه من الواجب النظر إلى تعليق موقع "كولومبيا لو ريفيو" على الإنترنت باعتباره "نموذجاً مصغراً لقمع استبدادي أوسع نطاقاً يحدث في جميع الجامعات في الولايات المتحدة".
"كولومبيا" بين الإدارة والطلاب
قال محررون في المجلة إنهم صوتوا بأغلبية ساحقة في ديسمبر/ كانون الأول على تكليف باحث بإعداد مقال عن القضايا القانونية الفلسطينية، ثم شكلوا لجنة أصغر وافقت على نشر مقال إغبارية، الذي سبق أن رفضت مجلة هارفارد لو ريفيو نشره، بعد أن تسبب بانقسام بين العاملين فيها.
في البداية تجنبت لجنة المحررين التي عملت على المقال تحميله على خادم متاح لمجموعة واسعة من الأعضاء ومجلس الإدارة نتيجة تخوفهم من جدل مماثل للذي حدث في "هارفارد" ولخشيتهم من تسريب المقال. ثمّ قامت الأحد بمشاركته مع كامل طاقم المجلة في إجراء أكّد المحرّون أنّه شائع. قال المحرر في المجلة، سوهوم بال: "لم نقم في السابق بتوزيع أي مقال قبل نشره"، مضيفاً: "لذا فإن ادعاء مجلس الإدارة بتجاوزنا مراحل معينة كذب تام".
بدوره، قال ربيع إغبارية في حديث مع "ذا إنترسبت"، إنه تعاون طوال أكثر من خمسة أشهر مع محرري "كولومبيا لو ريفيو"، على تحرير النص الذي يزيد عن 100 صفحة، واعتبر أن "محاولات إسكات البحث القانوني حول النكبة، من خلال إخضاعه لعملية غير عادية وتمييزية، لا تعكس فقط المعاملة الاستثنائية للفلسطينيين في المجال الأكاديمي، بل هو دليلٌ على ثقافة إنكار النكبة".
من جانبه رأى مجلس الإدارة في رسالة إلى الطلاب إنه يجب منح المحررين الذين لم يعملوا على المقال الفرصة لقراءته، مضيفاً: "مهما كانت آراؤكم حول المقال، فمن الواضح أنه سيكون مثيراً للجدل، وقد يكون له تأثير على كل من يرتبط بالمجلة". كذلك، اقترح المجلس إلحاق بيان بالمقال يفيد بأنه لم يخضع لعملية مراجعة قياسية أو لم يتم إتاحته لجميع المحررين الطلاب لقراءته بشكل مسبق.
لكنّ ذلك استفزّ عدداً كبيراً من محرّري المجلة، وقالت المحررة إيريكا لوبيز إن العديد من الطلاب رفضوا بشدة اقتراح مجلس الإدارة، ووجدوه فيه تنازلاً كبيراً، خاصةً أنّه "يلمح إلى أننا لم نتبع العملية القياسية". أضافت أن المحررين الطلاب تحدثوا بانتظام منذ أن بدأوا في تلقي ردود فعل سلبية من المجلس، الأحد الماضي، وحافظوا على دعمهم لنشر المقال.
لاحقاً، تحديداً صباح الاثنين، بعد أن علموا بإغلاق موقع المجلة، سارع عددٌ من المحررين إلى تحميل مقال ربيع إغبارية على موقع متاح للجمهور على الإنترنت، لينتشر بعدها بشكل واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي. أضافت لوبيز: "للمفارقة حظي المقال باهتمام أكبر من أي مقال ننشره في العادة، حتى بعد أن قاموا بتدمير الموقع الإلكتروني".
وكانت جامعة كولومبيا قد شهدت في إبريل/ نيسان الماضي اعتصاماً داخل حرمها في نيويورك رفضاً للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وطالبوا إدارتها بوقف تعاونها الأكاديمي مع الجامعات الإسرائيلية وسحب استثماراتها من شركات تدعم احتلال الأراضي الفلسطينية.
ومع تدخل الشرطة لفض الاعتصام واعتقال عشرات المحتجين توسعت الاحتجاجات إلى جامعات أخرى، وامتدت إلى دول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا، شهدت جميعها مظاهرات واعتصامات طالبت بوقف العدوان الإسرائيلي وبمقاطعة الشركات الداعمة لدولة الاحتلال.