أخيراً، أعلن وزير البيئة والتحضر وتغير المناخ التركي، مراد كوروم، عن تحويل منطقة مطار أتاتورك إلى واحدة من أكبر المتنزهات في العالم، معلناً اقتراب بدء التنفيذ، عبر زراعة الأشجار لتصل إلى 132 ألفاً و500 شجرة، على مساحة خمسة ملايين متر مربع، تحضيراً لبلوغ "حديقة الأمة"؛ أكبر المتنزهات في العالم، لتساعد تركيا في خوض معركتها ضد آثار تغير المناخ، ولتغدو الحديقة منطقة تجمع كبرى، تقي كثيرين في حال وقوع زلزال إسطنبول الكبير.
لكن هذا الإعلان أثار حفيظة المعارضة التركية بجميع أطيافها. رأي المعارضة حيال هذا الأمر يتمحور حول نقطتين، الأولى أن الرئيس أردوغان وحزبه يحاولان النيل، من وجهة نظرة المعارضة، من كل ما له علاقة بمؤسس الجمهورية عام 1923، مصطفى كمال أتاتورك، وأثره على مدينة إسطنبول. يستند المعارضون إلى أن اسم أتاتورك لم يوضع على المطار الجديد، وليست ثمة إشارات على تسمية الحديقة باسمه، بل يقال "حديقة الأمة"، متهمين الحكومة بعدم العمل على حفظ أمانات أتاتورك.
وأما السبب الثاني الذي ترميه المعارضة بوجه المشروع ومنفذيه، فهو أن الرئيس التركي وحزبه سيستفيدان من ارتفاع أسعار الأراضي في المنطقة، ويمنحان "المستثمرين العرب خاصة" أراضي واستثمارات هناك، مستدلين بغلاء العقارات في المنطقة المحيطة بمطار أتاتورك المغلق، بعد أن عمل على مدى سبعين عاماً.
ولم يخف رئيس حزب الشعب المعارض، كمال كليجدار أوغلو، إعلان هذا السبب، بل أشار أخيراً أمام كتلة حزبه: "أقول للمتعهدين والمقاولين في المشروع، اسحبوا آلاتكم ولا تلمسوا مهبط المطار. وأقول أيضاً كما في مشروع قناة إسطنبول المائية، لن نسمح لهم بمواصلة الأعمال"، قبل أن يغرد، وباللغة العربية: "لا يمكن بيع أي شيء عن طريق سرقة أموال الشعب، إذا كانت هنالك جريمة ارتكبت بحق أموال الدولة، فلن نغض النظر عن أي شخص من مرتكبيها حتى لو كنتم أنتم، إذا فكرتم بالمجيء، فأعلموا هذا الأمر جيداً".
ويبقى صندوق الانتخابات أهم أسباب إثارة الموضوع برأي أتراك، سواء من الحكومة التي ستفتتح الحديقة في ذكرى تأسيس الجمهورية العام المقبل (عام الانتخابات البرلمانية والرئاسية)، أو المعارضة التي تتهم الحكومة باستغلال جغرافية إسطنبول لجني المال، سواء عبر شق قناة إسطنبول أو حديقة المطار، وبيع الأراضي لـ"أنصار أردوغان" في منطقة الخليج العربي.
وجاء رد الحكومة على كل هذا على لسان الوزير مراد كوروم بقوله إن "المشروع طرح من قبل الرئيس أردوغان ضمن رؤيته لرفع استيعاب القدرة الجوية بإنشاء مطار جديد، وتقديم خدمات أفضل، وعندها أعلن أن مهبطاً سيبقى يعمل في المطار للحالات الطارئة، وهناك مستشفى للحالات الطارئة، وسيتم تحويل 5 ملايين متر مربع إلى مساحة خضراء مفتوحة لعامة الشعب"، مشيراً إلى أن المطار الجديد قلل الازدحام بنسبة 30 إلى 40% في المنطقة، وقلل من انبعاث الغازات الكربونية من مليون طن إلى 74 ألفاً.
كما رد وزير التقانة والصناعة التركي، مصطفى وارانك، على تغريدة كمال كليجدار أوغلو، بالإشارة إلى أنه في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة لتحويل تركيا إلى مركز جذب اقتصادي، تؤثر المسائل السياسية على هذا الأمر، كما يحصل في مطار أتاتورك والمناقشات حوله، معقباً حول تغريدة كليجدار أوغلو باللغة العربية، ووعيده المستثمرين العرب، بأن أكثر دولة تستثمر في تركيا هي هولندا، وتليها ألمانيا، ولا يجرى الحديث عنهما أو إطلاق تغريدات بالهولندية أو الألمانية، ولكن عندما يتعلق الأمر باستثمارات من الشرق الأوسط، مثل السعودية والإمارات وقطر، يتساءلون عن سبب ذلك، الحكومة لا تفرق بين المستثمرين ودولهم.
ودعا أردوغان المعارضة، خلال كلمة ألقاها في الحديقة، إلى المنافسة على فعل الخير وتقديم الخدمات للشعب، وإزالة المعوقات والمشاكل التي تواجه الشعب التركي: "لنتنافس في وضع الرؤى للشعب. نحن في تحالف الشعب مستعدون لكل هذا، ولكن لا نريد لهذه المنافسة أن تكون عمياء وباعثة للعداوة وللافتراءات والكذب".
ويرى المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو أن "حجج المعارضة واهية"، بدليل أن رئيس حزب الشعب، كمال كليجدار أوغلو، طرح نفس الموضوع قبل سنوات، وأيد فكرة تشييد الحديقة. والأهم برأي كاتب أوغلو، في حديثه إلى "العربي الجديد"، هو: "كيف تعترض الأحزاب المعارضة على زرع ملايين الأشجار، والتأسيس لأكبر متنزه في العالم، وهي ذاتها، من ثارت عام 2013 منعاً لقطع عدد من الأشجار في حديقة غزي بارك في منطقة تقسيم، وكيف تبرر رفضها؟".
وحول غلاء الأراضي وتهافت المستثمرين، يعقب المحلل التركي بأن تركيا تفتح الباب لجميع المستثمرين، وليست هناك وصاية أو خصوصية لأحد أو لدولة، كما أن الأموال والاستثمارات التي تأتي إلى البلاد تصب في صالح تركيا وتحسين مستوى المعيشة والتطور، ولن يأخذها الحزب الحاكم لخزائنه.
ويختم: "على الأرجح أن تبقى الملاحة الجوية، لأن مشروع حديقة الأمة هو جزء من المساحة الكلية البالغة 8.5 ملايين متر مربع، ومن المُخطط أن يُستخدم ما نسبته 30% لأغراض الملاحة الجويّة و9% منها سيكون عبارة عن مناطق تُستخدم لأغراض عسكرية، وباقي أرض المشروع المقدرة بنحو 5 ملايين متر مربع ستكون مناطق ترفيهية ومركزاً للشباب ومتحفاً ومدينة معارض ومنطقة إقامة زوار، إلى جانب توفير مركز اجتماعي وساحة للاجتماع في حالات الحوادث ومُلحقات عدة أخرى".