استمع إلى الملخص
- يعكس الفيلم التغيرات الزمنية في حياة المهاجرين، مسلطًا الضوء على المخاطر اليومية مثل نقص الطعام والظروف الجوية القاسية، مع الأمل في الوصول إلى أوروبا.
- يعكس الفيلم الوضع الاجتماعي والسياسي في المغرب، حيث تُعتبر الهجرة وسيلة لتنفيس الاحتقان الاجتماعي، مما يؤثر على العلاقات مع الدول الأوروبية ويثير قلقًا في إسبانيا وألمانيا.
مهاجرون في ظروف مميتة، ينتظرون فرصة الإبحار تسلّلاً. يحكون قصصهم. يُفسّرون سبب مغامرتهم. هذا في "حراقة (Harraga)" للألماني بنجامن روست، الفائز بجائزة الإخراج في الدورة الـ15 (11 ـ 15 سبتمبر/أيلول 2024) لـ"مهرجان إسني ن ورغ الدولي للفيلم الأمازيغي" (أكادير المغربية).
ترصد الكاميرا الواقع. تُسجّل ظواهره، وتربط بعضها بالبعض الآخر لتوليد المعنى. إنّه إخراج على حافَة الخطر. السلامة البدنية مُهدّدة. تتبّع روست أبطاله وقتاً طويلاً. الدليل: تغيّر أعمارهم. بُنِي المونتاج من عشرات ساعات تصوير، ما جعل الزمن يمرّ، ويظهر التحوّل في حياة الحراقة، في وثائقي/سيرة ذاتية.
هذا عمل ذو نَفَسٍ طويل، عن مهاجر محتمل، يتربّص على بوابة أوروبا، منتظراً فرصة مؤاتية بعزيمة صلبة تتحدّى الزمن. هكذا يتحقق السويرتي (الحظ بالأمازيغية): سويرتي الوصول أو الموت.
حراقة مغاربة يختبئون في شمال المغرب زمناً، ثم يصلون إلى شواطئ إسبانيا. يعيشون في براريك مرقّعة ويختفون، بانتظار التسلّل إلى دولة أوروبية شمالية. شبّانٌ يتواصلون مع أمهاتهم فقط.
الأم هي الحافز. الرقم السرّي لهاتف الحراق: "ماما". علاقة المُراهق المغربي بأبيه متدهورة ومنقطعة. يردّد المراهق في وحدته: "امسحي دموعك يا أمي".
وثائقي عن المهاجرين السرّيين المغاربة بكاميرا ألمانية. وثيقة صادقة تُخبر ما جرى، والشهود أحياء. وثيقة تستبق ما يجري الآن. الفنّ يمدّ العقل بشيءٍ من الحاضر الحارق. تفصل 14 كلم بين المغرب وإسبانيا. مسافة يقطعها المحظوظون، أصحاب محرّكات بقوة 100 حصان، في زورق يصعب ضبطه بالرادار ليلاً، في جوّ عاصف أو ممطر، بينما يغامر الفقراء الذين لا يملكون ما يدفعونه للوسطاء بالتسلّل أو السباحة، والموت.
يُقدِّم "حراقة" صورة عن الواقع، والتقاط الراهنيّة. الحراق، بطله، شخص يعيش حياة حقيقية، ويرفع شعاراً يكشف وضعه وأفقه وحوافزه: "خاطِرْ لتعيش" في ألمانيا، دولة الحق والقانون، حيث يحصل المواطن على احترام البوليس. في انتظار ذلك، تحمّل زمن الانتظار الطويل بتأمّل البحر، والغناء بكلمات تجسّد الحلم الموعود. تحمّل الزمن الميت والطقس المميت. يقصف النوارس بالحجر. يعيش نزاعات شراء الطعام. يتأمّل السياج الخطر. يغرق في الصمت، و يتأمّل السفن العابرة بشوق يشحذ عزيمةً تحمل الزمن الميت. شوقٌ تُغذّيه فيديوهات تحكي تجارب السابقين.
دام التصوير سنوات. يجب أنْ يكون صبر المخرج أكبر من صبر الحراق، كي يلتقط الحقيقة البشرية. هذه رسالة للمخرجين الذين يصوّرون وثائقياً في 20 يوماً.
حالياً، يصوّر الحراقة أنفسهم من دون حاجة إلى مخرجين. انتشرت على مواقع التواصل، في سبتمبر/أيلول 2024، فيديوهات لشبان مغاربة يفرّون من البلد الحبيب في زوارق سريعة نحو أوروبا، وهم يردّدون شعارات الخلاص. بفضل تراكم الفيديوهات، حصل كلّ مهاجر محتمل على معرفة عميقة بتجارب الهجرة السرّية. كلّ ما يُصوَّر يصير علنياً. صارت الهجرة السرّية علنية مستمرة تُنقل بالمباشر بحكي آنيّ بالصُّور، بكاميرا قريبة من الوجوه. مع الصُّوَر، نبرةُ تحدٍّ ونصر. لذلك، يستعدّ الحالمون بالهجرة. يتدرّبون جسدياً على السباحة لوقت طويل، لتحمّل الماء البارد. يتجهّزون بما يساعدهم على التحمّل، كالحمص المبلّل، وبلاستيك حماية الهواتف من البلل. هاتفٌ للتواصل في المغرب، وآخر للتواصل عند الوصول لطمأنة الأم. يقول الحراق لأمّه: "كلّ شيء بخير"، ثم يعود إلى النزاع على الطعام.
جرى التصوير في أماكن مُعتمة، تستحيل إضاءتها. جرى في ظروف صعبة، ونقص في التجهيزات. في الفيلم، التقاطُ اللحظة الحسّاسة، وتوثيق الوضع البشري أهمّ من جمالية الصورة. هذا فيلمٌ موجع، لا يرفع شعار "الفن للفن" الشكلانيّ المكتفي بذاته كالحلزون.
حالياً، تغطّي الهجرة على الدخول المدرسي والسياسي، وعلى الإحصاء. تقول إحصاءات رسمية مغربية (مايو/أيار 2024) إنّ أكثر من أربعة ملايين شاب مغربي "لا يشتغلون، وليسوا بالمدرسة، ولا يتابعون أي تكوين". إنّهم ينتظرون في زاوية ما. بحسب إحصاء متفائل، "يحلم نصف شباب المغرب بالهجرة".
تعليقاً عليه، قال خالد العيوض (ناشط حقوقي في أكادير التي تشهد هجرة مرتفعة) إنّ الفيلم "نجح في جعلنا نلبس ثوب الحراقة، ونعيش حياتهم من دون مساحيق. لكنْ، رغم جمالية الإخراج وتفوّقه، يبقى الواقع أشدّ إيلاماً. لذلك، أخاف على وطني وعلى أبنائه. لذلك يجب أنْ نعيد النظر في أشكال تدبيرنا لهذا البيت المشترك".
في انتظار ذلك التدبير، يُقدّم "حراقة" تصويراً حيّاً يوثّق جنون المغامرة نحو الفردوس الأوروبي. على الأرض، المغرب حارس بوابة أوروبا. في خطاب وسائل الإعلام: "المغرب لا يريد أنْ يكون دركيَّ أوروبا". لكنّ الوقائع تفرض نفسها. يتجاهل الخطاب الشعبوي السائد القانون الدولي، ويردّد أنّ الحكومة المغربية "مُخيّرة بين أنْ تجد شغلاً للشباب، أو أنْ تسمح لهم بالرحيل".
للهجرة، مهما كان الثمن، معنى سياسي. إنّها رسالة إلى النخبة الحاكمة في المغرب. عملياً، تُنفّس الهجرة احتقان الشارع السياسي ـ الاجتماعي المغربي بشكل دوري. لهذا نتائج في إسبانيا. عام 2024، انتقلت الهجرة من المرتبة التاسعة إلى المرتبة الأولى في مسبّبات قلق الإسبان. نظراً إلى كثافة الهجرة، سيكون هناك لاعبون مغاربة كثيرون في البطولة الإسبانية. هذا يُحرّض اليمين المتطرّف في مدريد وبرلين.