لطالما طرح محبو "سوبرمان"، وحتى أولئك الذين يعرفونه بالاسم فقط، السؤال التالي: لمَ لا يقوم الأخير بتوظيف قواه الخارقة من أجل إنقاذ كل الناس في كل مكان، وإنهاء كل الحروب وتدمير كل الأسلحة، فيخلق عالماً مثالياً خالياً من وسائل القتل؟ هذا الاحتمال واستحالته في الحكايات التقليدية لـ "سوبرمان" يتحقق في مسلسل "حرّاس العدالة" (The Guardians of Justice) الذي تبثه شبكة "نتفليكس"؛ إذ أنهى "الرجل الرائع" (Marvelous man)، الكائن الفضائي الذي وصل إلى الأرض، الحرب العالميّة الثالثة التي كانت توشك على الوقوع عام 1947، ثم دمّر كل الأسلحة التي يمتلكها البشر.
السلام الذي حققه الرجل الرائع، كان بعد صناعة البشر سايبورغ لهتلر، وإشعال حرب جديدة تبيد الجميع. لكن الكائن الفضائي شديد القوة، تمكن من إنهاء الأمر وإنقاذ البشريّة. إلا أنه بعد 40 عاماً، أي في 1987، في النسخة المتخيلة من الكون الذي يقدمه لنا مسلسل "حراس العدالة"، ينتحر الرجل الرائع مباشرة على التلفاز أمام أعين الجميع، ليعود السباق النووي بين الدول، وتنتشر نظريات المؤامرة حول مصيره، فهل فعلاً انتحر؟ أم قتله فريقه؟ أم أن هناك من هو أقوى منه، وقضى عليه لإيهامنا بأنه انتحر؟
لا يمكن بسهولة وصف مسلسل "حراس العدالة"، فنحن أمام رحلة "سيكاديليك" بصرية، يتداخل فيها العنف المفرط مع الـ"ساتير" والاحتفاء برموز الثقافة الشعبية الأميركيّة، ضمن عالم نراه عبر الرسوم المتحركة، والـStop motion، والتمثيل الحقيقي، وكأن إعادة تمثيل التاريخ، بصورة فنيّة، شأن مُنفتح على كل الأشكال المتخيلة، فكل ما تعرضه الشاشة حقيقي، لكن، وهذا ما يحاول المسلسل أن يشير إليه، حتى الانتحار العلني أمام الكاميرا من الممكن أن يكون ملفقاً. بالتالي، ليس كل ما نراه قابلاً للتصديق.
لن نخوض في تحليل الرموز والعلامات والحكايات في المسلسل، لأن ذلك شبه مستحيل. نحن أمام عالم يحاكي ما نعرفه من أبطال خارقين وسياسة عنصرية وعنف عسكري وحكومات ظل، بصورة لا يمكن ضبطها أو تحديد صفاتها البصرية بسهولة. لكن، ما يمكن قوله إننا أمام نموذج لأبطال خارقين تقليديين، يدخلون في "حرب أهلية" بسبب انتحار قائدهم، والعالم موشك على الانهيار، وإنقاذه معلق بين حقيقة لا يصدقها أحد، ومستقبل "ديستوبي" قائم على تطابق الجميع، لأن الاختلاف، حسب "صقر الليل"، خليفة "الرجل الرائع"، يعني الفناء، ولا بد من جيش عالميّ يحكمه فرد واحد فقط، لضبط البشر وتصرفاتهم والحفاظ على السلام العالمي، كون الحكومات والناس سواسية، هم أقل قدرة على أن يحافظوا على حياتهم من الفناء النووي.
ما يخيب الأمل أن المسلسل يغرق في نوستالجيا التسعينيات وما قبلها، مع أنه يقدم لنا جماليات الماضي بصورة "ساتيرية" ومضحكة، لكن ما نراه يبدو "مألوفاً" ومشوهاً عن أصله بصورة "فنيّة"، ولا يوجد ما هو "جديد"؛ فمشاهدة الحلقات تباعاً في جلسة واحدة أشبه برحلة مضطربة في الزمن، هتلر يتحول إلى سايبورغ، رئيس الولايات المتحدة الأسود شديد العنصريّة، روسيا مسالمة وأميركا هي العدوانيّة... كل هذه العلامات تتدفق بسرعة شديدة على الشاشة، وكأننا في رحلة اقتباسية أصلها غير مضبوط، تنهب مما مضى وترميه بوجهنا كي "نلمح" فقط ما يحصل، لننتقل إلى ما سيأتي لاحقاً بسرعة.
يمكن القول إن المسلسل يحاول كسر الصورة النمطية التي يُقدم فيها الأبطال الخارقون، لكن العودة إلى الماضي تكشف أن العالم الآن لا يمكن إنقاذه، أبطاله الخارقون إما انتحروا أمام أصوات المظلومين الذين لا يستطيعون إنقاذهم، أو قرروا المغادرة إلى الفضاء، تاركين الكوكب لخرابه، ناهيك عن أن المسلسل يحوي الكثير من الإحالات الهوياتية المثليّة التي تتحكم بشكل الحبكة، لنكتشف في النهاية أنها مصدر كل المشكلات، ما يجعل المسلسل أقرب إلى رحلة اكتشاف للذات، النموذج الذي لم يعد جذاباً ولا يعكس سوى صراع شخصي ماض لم يعد موجوداً في عالمنا الآن بالشكل الذي كان عليه في الألفية الماضية.