"حنظلة" بيلولوكا... التمثال يتشكّل كلّ يوم من كلّ طين

04 ديسمبر 2024
كانت أول محطة لمشروع حنظلة في صيف عام 2024 (موقع الفنانة)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بيلولوكا تعود لاستخدام الطين لاستكشاف التناقضات الثقافية والسياسية والبيئية، من خلال مشروع "حنظلة" الذي يعزز الحوار حول النضال الإنساني والعدالة الاجتماعية، مستلهمة من شخصية حنظلة الفلسطينية.

- تواجه بيلولوكا تحدي تحويل حنظلة إلى تمثال طيني ثلاثي الأبعاد، مع الحفاظ على رمزيته دون الكشف عن وجهه، مستخدمة الطين المحلي لربط الهوية بالأرض ومعاناة المجتمعات المحرومة، مع رسالة بيئية للحفاظ على الموارد الطبيعية.

- بدأ المشروع في بينالي "فالو فريمز" بنيويورك، وسيواصل رحلته إلى مدن أخرى مثل مكسيكو سيتي، بهدف تعزيز الحوار الثقافي العالمي حول العدالة الاجتماعية.

كونها فنانة ذات جذور هندية وأيرلندية ومكسيكية وأميركية، عاشت بيلولوكا (Peloloca) حياة مليئة بالمفارقات الثقافية. وبعد مسيرة إبداعية امتدت عبر وسائل متنوعة، مثل التصميم والفوتوغرافيا والأزياء وصناعة الأفلام، عادت أخيراً إلى مادة الطين. من خلال هذه المادة الطبيعية المرتبطة بالأرض، تستكشف بيلولوكا التناقضات والتوترات التي تُخيم على الواقع السياسي والثقافي والبيئي المعاصر. بفضل جذورها الثقافية المتنوعة، اكتسبت الفنانة فهماً عميقاً للتحديات الثقافية والبيئية المعاصرة.

خلال مسيرتها الفنية، كانت بيلولوكا تبحث دائماً عن طرق لدمج العناصر الثقافية المختلفة في أعمالها. وهي تتعامل مع الطين، كما تقول، بما هي مادة تعبر عن الأبعاد الحسية والمعنوية للتجربة الإنسانية، وتصفه بأنه المكان الذي "تُدفن فيه الأسرار".

قدمت الفنانة أخيراً أحدث مشاريعها المنفذة بالطين تحت عنوان "حنظلة"، بوصفه عملاً فنياً يحمل رؤية عميقة تهدف، كما تقول، إلى تعزيز الحوار حول قضايا النضال الإنساني والعدالة الاجتماعية من منظور عالمي. يتجلى المشروع في سلسلة من التماثيل الطينية التي تجسد شخصية حنظلة، الرمز الفلسطيني الشهير الذي أبدعه رسام الكاريكاتير ناجي العلي (1938 - 1987). يجمع المشروع بين القيم الفنية والرمزية السياسية، ويهدف إلى تسليط الضوء على قضايا النزوح والاحتلال، مع الدعوة إلى التضامن مع القضية الفلسطينية.

خلال التظاهرات والاحتجاجات التي شهدتها مدن كثيرة حول العالم للمطالبة بوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كانت صورة حنظلة أشبه بصوت عالمي للمقاومة. ظهر حنظلة لأول مرة في رسوم ناجي العلي طفلاً فلسطينياً في العاشرة من عمره، إذ توقف عند هذه السنّ بعد تهجيره القسري من قريته خلال النكبة عام 1948. أصبح هذا الطفل مع مرور الوقت رمزاً معبراً عن القضية الفلسطينية، إذ يمثل اليوم الملايين من اللاجئين والمشردين حول العالم. يتميز حنظلة بملامحه الفريدة: رأسه المشابه لثمرة الحنظل، وثيابه البسيطة وقدماه الحافيتان. يدير حنظلة ظهره للعالم في إعلان صامت عن رفضه للتصالح مع الظلم، مع وعد بأنه لن يُظهر وجهه حتى تتحقق عودته إلى وطنه.

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

A post shared by Peloloca (@pe1o1oca)

استوحت بيلولوكا مشروعها من هذه الشخصية الفريدة، وقرّرت ترجمتها إلى عمل ثلاثي الأبعاد. واجهت الفنانة تحدياً كبيراً في تحويل أيقونة كاريكاتيرية بسيطة إلى تمثال طيني يلتزم برمزية حنظلة من دون مُخالفة وصية ناجي العلي بعدم الكشف عن وجهه. هذا التحدي لم يكن عائقاً، بل فتح المجال للفنانة لاستكشاف طرق جديدة لسرد القصة. منذ تبنيها لهذا المشروع قبل ستة أشهر، استخدمت بيلولوكا جسد التمثال لوحة تحكي قصص المقاومة والنضال الفلسطينية، وغيرها من قصص النضال ضد الاحتلال في أماكن مختلفة من العالم.

يلعب الطين دوراً محورياً في هذا المشروع، إذ جُمع من الأرض المحلية في كل منطقة يُقام فيها التمثال. هذا الخيار ليس مجرد قرار فني، بل يحمل دلالات عميقة على ارتباط الهوية بالأرض. باستخدام الطين المحلي، ترمز بيلولوكا إلى العلاقة بين الإنسان وأرضه، وإلى معاناة المجتمعات التي حُرمت من حقها في الأرض. تعكس عملية جمع الطين وتحويله إلى عمل فني أيضاً رسالة بيئية، إذ تبرز أهمية الحفاظ على الموارد الطبيعية والارتباط بالأرض في جزء من النضال الإنساني.

كانت أول محطة لمشروع حنظلة في صيف عام 2024 خلال بينالي "فالو فريمز" في حي كوينز في مدينة نيويورك. ظهر التمثال على زاوية أحد الشوارع كدعوة مفتوحة للجمهور للتفاعل معه. بلغ ارتفاع التمثال قدمين فقط، لكنه جذب المارة الذين توقفوا للتأمل والحديث عنه. إلى جانب التمثال، ثُبّت نص للكاتب اللبناني آلان علم الدين؛ وهو نص مكتوب على لسان حنظلة يعرف فيه عن نفسه. كان تفاعل الجمهور مع التمثال لافتاً، فعبّر الكثيرون عن إعجابهم بقدرة هذا العمل البسيط على تحفيز التفكير والنقاش. أثبتت هذه التجربة أن الفن يمكن أن يكون أداة قوية لكسر الحواجز والتعبير عن الأزمات والصراعات.

سيواصل مشروع حنظلة رحلته بين مدن العالم، وستكون محطته المقبلة في مكسيكو سيتي في عام 2025. ستُنشئ الفنانة التمثال باستخدام الطين المحلي المكسيكي، مع إدماج عناصر ثقافية تعكس الهوية المكسيكية وروح المقاومة التي تربط بين الشعوب المضطهدة.

تأمل بيلولوكا أن يكون هذا العمل بداية لحوار ثقافي أوسع، يشجع الناس على التفكير في قضايا العدالة الاجتماعية من منظور عالمي. تسعى بيلولوكا، كما تقول، إلى تحويل هذا الرمز الفلسطيني إلى منصة تحكي قصص الشعوب التي تعرضت للاضطهاد والتشريد، من فلسطين إلى كل بقاع الأرض. باستخدام الطين وسيلة ورمز حنظلة كأيقونة، تقدم بيلولوكا رؤيتها لعالم أكثر عدلاً وتضامناً، وهي ترى أن "حنظلة" ليس مجرد تمثال، بل صرخة صامتة تدعو الجميع إلى التأمل والعمل من أجل مستقبل أفضل.

المساهمون