أصبح التسويق العشوائي من خلال المكالمات الترويجية مشكلة تؤرق ملايين المواطنين في مصر الذين يعبرون عن استيائهم من هذه المكالمات التي تتسلل إلى حياتهم اليومية بشكل مزعج ومتكرر، دفعت الكثيرين إلى المطالبة بضرورة وجود تشريع للحد من الظاهرة التي أصبحت في تزايد مطرد. وتتجلى الأزمة التي انتشرت في الآونة الأخيرة في ظل الاتهامات بوجود ممارسات غير قانونية من قبل شركات التسويق تتمثل في بيع أرقام هواتف المواطنين من دون علمهم أو سند قانوني، ما دفع أيضاً جهات كثيرة إلى المطالبة بفرض رقابة صارمة على هذه الشركات التي تنتهك خصوصيات المواطنين. وأصدر الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في مصر بياناً يندد بهذه الظاهرة، بعد أن رصد خلال الفترة الماضية تزايداً ملحوظاً في حجم شكاوى المستخدمين من استقبال مثل هذه المكالمات. وأكد أنه يتخذ إجراءات قانونية صارمة ضد الشركات المخالفة التي تستخدم أرقام هواتف المواطنين من دون إذن مسبق لإجراء مكالمات ترويجية. وشدد على ضرورة احترام الخصوصية واتخاذ إجراءات لحماية خصوصية مستخدمي خدمات الاتصالات والقضاء على ظاهرة المكالمات المزعجة التي تصلهم عبر الاتصال المباشر بالهاتف الشخصي من قبل شركات التسويق.
وأعرب العديد من المواطنين عن استيائهم من استقبال مكالمات بصورة مستمرة لتقديم عروض وإعلانات لترويج منتجات أو مشاريع خلال أوقات الراحة أو في أثناء العمل، ما يثير تساؤلات حول كيفية حصول هذه الشركات على أرقام هواتفهم من دون علمهم. إيمان عادل ربة منزل، وتقول إن مثل هذه المكالمات تزعجها كثيراً، خصوصاً أنها ترد إليها على هاتفها من دون موافقتها، ما يشكل انتهاكاً لخصوصيتها وخصوصية أسرتها. وتتفق معها سارة مصطفى، وهي طالبة جامعية، إذ ترى أن المكالمات الترويجية أصبحت عبئاً على الجميع، وتضيف: "أفكر في تغيير رقم هاتفي بسبب كثرة المكالمات المزعجة، وأشعر أن هذه الشركات لا تحترم رغبات الناس، وأنهم فقط يهتمون بزيادة أرباحهم بغض النظر عن تأثير ذلك على حياتنا اليومية". يعبر كارم محمود (صاحب شركة خاصة) أيضاً عن انزعاجه، ويقول: "أصبحت المكالمات الترويجية مصدر إزعاج كبير لي، إذ تصلني بشكل مستمر، لعرض منتجات ومشروعات مستفزه لعقارات وأراضٍ وغيرها. أشعر أن حياتي لم تعد خاصة، وأن أرقامي متاحة أو تُباع بسهولة، وأعتقد أنه يجب تشديد العقوبات على هذه الشركات؛ لأن ما تفعله انتهاك لخصوصيتنا". ويشير إلى أن المكالمات غير المرغوب فيها قد تؤدي إلى آثار نفسية سلبية، حيث يشعر البعض بالقلق أو الإزعاج، خاصة إذا كانت هذه المكالمات تتكرر يومياً وخلال أوقات غير مناسبة.
في هذا السياق، يوضح خبير تكنولوجيا المعلومات المهندس أحمد عليوة، لـ"العربي الجديد"، أن بيع أرقام الهواتف والمعلومات الشخصية وانتهاك خصوصية المواطنين أصبح تجارة غير أخلاقية تؤثر سلباً على حياة المصريين اليومية، إذ يتعرض العديد من المواطنين لضغوط نفسية؛ بسبب المكالمات غير المرغوب فيها التي تقتحم حياتهم في أي وقت. ويشير إلى أن مثل هذه الانتهاكات تؤدي إلى تآكل الثقة بين المواطنين والشركات، وكذلك بين المواطنين والمؤسسات الحكومية التي من المفترض أن تحمي بياناتهم الشخصية. ويؤكد أن بيع أرقام الهواتف بات سوقاً غير شرعي يدرّ أرباحاً ضخمة على أصحاب الشركات الذين يتاجرون بهذه البيانات، إذ إن العوائد المالية لهذا السوق تأتي من شركات الإعلانات التي تبحث عن طرق للوصول إلى الجمهور المستهدف بسهولة، ولكن هذا الأسلوب يعرض سمعة الشركات للخطر، ويقوض ثقة المواطن في التعامل معها.
ومن الجانب القانوني، يلفت المحامي محمد علي والمتخصص في قضايا المعلومات وجرائم الإنترنت أن القانون المصري يحتوي على عدد من المواد التي تحظر بيع البيانات الشخصية أو استخدامها من دون إذن، إلا أن التطبيق العملي لهذه القوانين لا تزال تعتريه ثغرات. ويؤكد أن التطورات التكنولوجية الحديثة ساهمت في زيادة التحديات التي تواجه الحق في حماية الحياة الخاصة للأفراد، مشيراً إلى أن الشركات التي تنتهك هذه الضوابط القانونية تستغل بعض الثغرات لبيع الأرقام من دون خوف من المحاسبة، مما يجعل من الضروري تشديد العقوبات لتصبح رادعة بشكل أكبر للشركات المخالفة ومحاسبة المسؤولين عن تسريب بيانات العملاء. ويوضح قائلاً إن "المواطن المتضرر لديه حق تقديم شكاوى للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، ولكنّ كثيرين يشعرون بعدم جدوى الشكوى بسبب قلة الإجراءات الصارمة المتخذة بحق الشركات المخالفة"، لافتاً إلى أهمية نشر توعية المواطنين بحقوقهم وحثهم على اتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة هذه الانتهاكات.
ويعلق خبير التسويق الإلكتروني، هشام كمال، بالقول إن التسويق باستخدام الأرقام الهاتفية يجب أن يتم وفق ضوابط واضحة تحترم خصوصية العملاء، مؤكداً أن المسؤولية تقع على عاتق الشركات في تقديم خدماتها بطريقة قانونية وأخلاقية. ويرى أن استخدام الأرقام الهاتفية بطرق عشوائية ظاهرة سلبية وليست له عوائد إيجابية على الشركات ولا تضمن إبرام أي تعاقدات، بل يمكن أن يسهم في نفور العملاء وفقدانهم، الأمر الذي دفع الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات للتعاطي مع شكاوى العديد من المواطنين باتخاذ عدة إجراءات للتصدي لهذه الظاهرة، بما في ذلك تفعيل قوانين حماية البيانات الشخصية. ويضيف: "على الرغم من أن هذه القوانين تهدف إلى حماية خصوصية المواطنين، فإن بعض الشركات تستغل ثغرات قانونية وتنفذ عملياتها من دون قيود واضحة، مما يدفع المواطنين إلى المطالبة بالتصدي لها بتعزيز الرقابة وتطوير آليات أكثر فعالية لحماية بياناتهم". ويشرح عن الطرق "الملتوية" التي تستخدمها الشركات للحصول على أرقام المواطنين، سواء من خلال شراء قواعد بيانات غير مشروعة أو عبر جمع المعلومات الشخصية من خلال تطبيقات ومواقع إلكترونية لا تلتزم بالمعايير الأمنية، موضحاً أن بعض الشركات تعتمد على وسائل للتحايل على الضوابط التنظيمية التي وضعها الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، ومؤكداً ضرورة تطبيق العقوبات بصرامة على المخالفين.
بدوره أصدر الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات القواعد التنظيمية الخاصة باستخدام خطوط المحمول في إجراء المكالمات الترويجية والتجارية، بعد أن رصد تزايداً ملحوظاً في حجم شكاوى المستخدمين من استقبال مثل هذه المكالمات. وقال رئيس قطاع التفاعل المجتمعي في الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات محمد إبراهيم، بشأن التعامل مع شكاوى المواطنين بخصوص مكالمات التسويق العقاري المزعجة: "رصدنا تزايداً ملحوظاً في المكالمات الترويجية المزعجة للمواطنين، وقمنا بتوجيه هذه الشركات بتغيير أرقامها في شركات المحمول حتى تظهر للمواطن أنها مكالمة ترويجية، وأرسلنا تنبيهات لكافة شركات التسويق العقاري بهذا الأمر، ونصوص قانون العقوبات ستكون في انتظار شركات التسويق المخالفة". وأضاف إبراهيم، في تصريحات لمواقع إخبارية محلية: "سنلزم شركات التسويق العقاري بتنبيه مسبق وكلمة مكالمة ترويجية أعلى الاتصال الوارد، وطلبنا من شركات المحمول القيام بالتحديثات الفنية المطلوبة لتنظيم المكالمة، وأعطينا هذه الشركات مهلة للقيام بهذه التغييرات وإلا فسيقوم الجهاز باتخاذ الإجراءات القانونية تجاه هذا الرقم".