يواصل أغلب الصحافيين الفلسطينيين في قطاع غزة تغطيتهم الميدانية وسط ظروف مهنية وإنسانية ومعيشية مأساوية، نتيجة عوامل كثيرة أبرزها التهجير من مناطق سكنهم وسط وجنوب القطاع.
ودفعت حالة التهجير التي فرضها الاحتلال الإسرائيلي على سُكان مُحافظتي غزة والشمال الصحافيين إلى إقامة خيام قماشية وبلاستيكية، للمبيت ومواصلة العمل، في ظل ظروف قاسية.
وتفتقر الخيام القماشية التي يقضي فيها الصحافيون أيامهم ولياليهم إلى أدنى المُقومات والمُتطلبات المهنية والمعيشية، خصوصاً في ظل المُنخفضات الجوية والأمطار التي تزيد من صعوبة الوضع، إلى جانب التحديات التي تفرِضها تبِعات العدوان الإسرائيلي المُتواصل على القطاع مُنذ السابع من شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وتتفاقم الأزمات المتلاحقة التي تواجِه الكوادِر الإعلامية العاملة في قطاع غزة تحت وطأة الحرب، بدءاً بحالة الاستهداف المُباشر للصحافيين، وتهديد حياتهم، وحياة عائلاتهم، وتدمير مكاتبهم ومقار عملهم، مروراً بالتأثير على لوجستيات عملهم، من كهرباء وإنترنت، ووقود، وصولاً إلى التحدي الأكبر، المُتمثل في البُعد عن الأهل، والمبيت في خيام لا تكاد تحمي أجسادهم من البرد القارس.
وتتركز الخيام الخاصة بالصحافيين ومؤسساتهم الإعلامية في المُستشفيات الرئيسية، ما يمكّنهم من الحصول على خدمات الإنترنت، والكهرباء البديلة في حال توفرها، كذلك توثيق لحظات وصول الشهداء والجرحى، خصوصاً في ظلّ عدم قُدرتهم على الحركة الميدانية، بفعل نفاد الوقود اللازم لسيّاراتهم، إلى جانب الاستهداف الإسرائيلي لهم.
ويقول مُراسل قناة روسيا اليوم مصطفى البايض إن الصحافيين يُعانون كبقية الناس، خصوصاً في ما يتعلق بقضية التهجير القسري، والنزوح من مكان إلى آخر، ما يضعهم في دائرة الخطر والإرهاق الشديدين، خاصة في ظل حالة التشتت التي ترافقهم بفعل نزوح عائلاتهم، وسط أوضاع إنسانية مُتردية، تنعدم فيها مقومات الحياة، والأمان، والسلامة كافة.
ويلفت البايض في حديثه مع "العربي الجديد" إلى أنه بدأ تغطيته الصحافية للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة من داخل مُجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة، إلا أنه اضطر إلى إيقاف عمله والنزوح بعد قذيفة إسرائيلية أصابت أحد الصحافيين داخل المُجمع، ومواصلة التغطية من مُجمع ناصر الطبي في مدينة خانيونس، جنوبي قطاع غزة، وصولاً إلى التغطية من داخل خيمة، أمام المستشفى الكويتي، في مدينة رفح.
ويوضح أن التهجير المتواصل والقلق الدائم على العائلة وتوفير مُتطلباتها اليومية، إلى جانب العمل من داخل خيمة تفتقر إلى أدنى المعايير، تُصيبه ومن معه من الكوادر الإعلامية بحالة من الارهاق، خاصة في ظل صعوبة العمل داخل دائرة الاستهداف الإسرائيلي، واستشهاد عشرات الصحافيين، خلال تغطيتهم أو وجودهم داخل منازلهم، بهدف وقف تصدير الصوت والصورة اللذين يفضحان المُمارسات الإسرائيلية بحق المدنيين.
ويصِف البايض العيش أو العمل داخل الخيام بالأمر الصعب، خصوصاً مع استحالة توفير احتياجات الأسرة من الناحية العائلية، أو من خلال غياب وعدم توفر الامكانيات اللازمة للعمل من الناحية المهنية، ويقول: "عليك أن تتوقف حينما تهطل الأمطار ونحن في رسالة على الهواء، إذ نُصاب بحالة من التشتت التي قد تضطرنا لإيقاف الرسالة، لقلقنا على أسرنا، وأطفالنا، ومعداتنا داخل الخيام القماشية".
ويوافقه على الواقع ذاته المُراسل الصحافي أيمن أبو شنب، الذي يواصل تغطيته من داخل إحدى الخيام، بعد تنقله إلى أكثر من محطة نزوح من مدينة غزة، وصولاً إلى مدينة رفح، بفعل التهديدات الإسرائيلية المتواصلة تارة، وحالة الاستهداف للمدنيين والطواقم الإعلامية تارة أخرى.
ويُبين أبو شنب لـ"العربي الجديد" أنه إلى جانب المُعاناة الشديدة التي يمُر فيها الصحافيون جراء انقطاع الإنترنت والكهرباء، والاستهداف المتواصل لهم ولمقار عملهم، فإنهم يُعانون بفعل حالة النزوح، والمبيت، ومواصلة العمل من داخل خيام تُفقدهم القدرة على التغطية بشكل طبيعي.
وتتضاعف مأساة النزوح والعيش في خيام عند الصحافيات الفلسطينيات، نظراً لغياب الخصوصية، والإرهاق الشديد الذي يُصيبهن. وتقول المُصورة الصحافية مريم أبو دقة، وهي من مدينة خانيونس، إنها نزحت أكثر من مرة، كانت الأولى باتجاه مدينة غزة، وبعدها إلى خانيونس، ومن ثُم إلى مدينة رفح.
وتلفت لـ"العربي الجديد" إلى أن كل نزوح أقسى من الذي سبقه، خصوصاً أنها تضطر إلى ترك ابنها مع عائلتها داخل خيمة المبيت، والتوجه إلى خيمة العمل، وتقول: "نُحاول على مدار الوقت التأقلم مع الواقع، إلا أننا نفشل في كل مرة".
بسبب طول أمد الحرب، وقساوتها الشديدة على المدنيين، والطواقم الصحافية".
وتوضح أبو دقة أن العيش في خيمة، سواء كمواطنة أو كصحافية صعب للغاية، إذ يُرافقها بشكل دائم شعور عدم الراحة، وعدم الاستقرار.