في العدد الأخير (يناير/كانون الثاني 2024) من "دفاتر السينما" (مجلة سينمائية شهرية فرنسية)، 14 صفحة فقط تُعنى بالحاصل في فلسطين المحتلّة، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 (طوفان الأقصى)، عبر السينما. محاولة مهنية تمزج الثقافي والفني بالتحليل والتأمّل، وبصُور فوتوغرافية، وبما يُشبه الاختبار الذاتي في صراع/حروبٍ، مندلعة منذ الإعلان الرسمي لإنشاء كيانٍ إسرائيلي على أرض فلسطين وفي تاريخها (14 مايو/أيار 1948).
الصفحات، قليلة العدد قياساً إلى ضخامة الإنتاج السينمائي وتنوّعه وأسئلته، تريد، كما يبدو، تكثيفاً لا ثرثرة، مع أنّ الكمّ الهائل من الإنتاج السينمائي، الفلسطيني والإسرائيلي أساساً، والعربي والغربي أيضاً، قابلٌ لنقاشٍ إضافيّ، فالواقع الآنيّ محرِّض على نقاشٍ، يُفترض به أنْ يتجدّد ويُجدِّد، وعلى حوارٍ مفتوح يعاين راهناً بالتأكيد، لكنّه يتوجّه بالضرورة إلى ماضٍ ومستقبل. أمّا الاكتفاء بحوارين مع شخصيتين، إحداهما سينمائية بحتة، والأخرى سياسية وأكاديمية تعمل في مجال الصورة السينمائية، تنظيراً واشتغالاً، فغير كافٍ، رغم أهميّة ما فيهما من قراءة وتفكيك واستعادة ذاك الماضي، بلغة هادئة تغلِّف شيئاً من غضبٍ وقهرٍ، وبأسلوب فيه مصداقية عارفٍ بالواقع وتفاصيله، وبالتاريخ والجغرافيا وأهوالهما وحقائقهما، وبمعنى الصورة، مع أنّ ألماً يدفع إلى طرح سؤال المغزى من الاستمرار في صُنع أفلامٍ، يُشاهدها من يتّفق وصانعها في آراء والتزاماتٍ.
مع الفلسطيني الياس صنبر (كاتب ومؤرّخ وسفير سابق لفلسطين في "الأونيسكو". حيفا ـ 1947) والإسرائيلي آفي مغربي (مخرج وممثل إسرائيلي. تل أبيب ـ 1956)، يُمكن للقارئ معاينة أحوالٍ في الثقافة والفن السابع و"فلسطين/إسرائيل"، بكلام نقدي يطمح إلى مزيدٍ من نقاشٍ، رغم أنّ آفي مُغربي - الذي يُسجن لرفضه المشاركة في الحرب الإسرائيلية على لبنان، عام 1982 ـ يبدو متشائماً نوعاً ما إزاء معنى إنجاز الأفلام، ومدى تمكّنها من إحداثِ فعلٍ مؤثّر في المشهد العام.
اختيارات إدارة تحرير المجلة لأفلامٍ، تعتبرها الأهمّ وتحثّ على مشاهدتها، تتضمّن عناوين مهمّة، في مستويي المضمون والاشتغال السينمائي، لكنّها أقلّ بكثير من إنتاجاتٍ، فيها عناوين مهمّة أيضاً، وجديرة بالمُشاهدة في لحظة "طوفان الأقصى"، كما في اللاحق عليها من حرب إبادة تشنّها إسرائيل على الفلسطينيين والفلسطينيات.
لائحة اختيارات "دفاتر السينما" تُعنونها إدارة تحريرها بالآتي: "9 أفلام لرؤية أفضل"، وفيها: "المخدوعون" (1972) لتوفيق صالح، و"شجرة الزيتون" (1976) وثائقي من إخراج مجموعة Cinema Vincennes، و"خربة خزعة" (1978) لرام لوفي، و"منزل" (1980) لعاموس غيتاي، و"عرس الجليل" (1987) لميشال خليفي، و"سجل اختفاء" (1996) لإيليا سليمان، و"جدار" (2004) لسيمون بيتون، و"5 كاميرات محطّمة" لعماد برناط وغي دفيدي، و"الـ54 سنة الأولى، دليل مختصر للاحتلال العسكري" (2021) لآفي مغربي، الذي يعرضه مجاناً عبر صفحته الفيسبوكية.
هناك أيضاً مقالة "مشهدٌ بعد المعركة" (أرييل شفايتزر)، الذي يتناول واقع السينما الإسرائيلية حالياً، مقدِّماً مشاريع، روائية ووثائقية، تُنجز حالياً. أمّا المقدّمة، التي يكتبها ماركوس أوزال (رئيس تحرير "دفاتر السينما")، فتستعيد عنوان العدد الثاني من cinemaction، الصادر عام 1978، بإدارة غي هنيبال، مع تعديل بسيط. فالعنوان الأصلي يسأل ضمناً: "ما الذي تستطيعه السينما؟"، بينما التعديل الطفيف يسأل: "ما الذي تستطيعه السينما مجدّداً؟".