تراكم الفنانة الفلسطينية دلال أبو آمنة في منجزها الإبداعي الفني الخاص بتوثيق الغناء الفلسطيني، إذ تضيف إليه بعداً جديداً هذه الأيام من خلال تصوير برنامج "مشوار ستي" تمهيداً لعرضه على شاشة "التلفزيون العربي" لاحقاً.
وترتكز فكرة البرنامج على مشروع "يا ستي" الغنائي الذي قدمته أبو آمنة في دول عديدة عبر أكثر من مائة عرض موسيقي، استحضرت فيه مع سيدات معمرات هوية الغناء الفلسطيني منذ الأزل، مروراً بالغناء الذي شكل هوية الأرض، والمراحل التي سبقت "النكبة" و"النكسة"، في مسعى لترسيخ هذا التراث واستحضاره للجيل الجديد.
وتعاونت أبو آمنة في مشروعها مع سيدات فلسطينيات "علّمنها هذا الغناء" بحسب تعبيرها، وتضيف: "لم أقصد في مشروع (يا ستي) أن أظهر قدراتي الصوتية كمطربة، بل كان هناك نوع من الترفع عن الأنا الفنية وعدم إعطاء المشروع أبعاداً فنية أكاديمية، لرغبتي في الوصول إلى جميع شرائح المجتمع، إذْ كنت أستعين بسيدات يعرفن هذا الغناء على بساطته، وكنا نقدمه على المسارح أو في الأماكن التراثية، ونحن جالسات في دائرة نتسامر ونغني تراثنا، وصارت لنا صديقات في مختلف دول الاغتراب، يغنين معنا حين نسافر إلى الجاليات الفلسطينية والعربية هناك".
"مشوار ستي"
تكشف أبو آمنة أن فكرة وجود برنامج تلفزيوني لمشروعها التوثيقي أغرتها، بهدف الوصول إلى أكبر شريحة من الجمهور، وتشرح: "تقوم فكرة (مشوار ستي) على الذهاب في كل حلقة إلى إحدى القرى الفلسطينية في رحلة سياحية ترفيهية فيها الغناء والمعلومات العامة والتعرف إلى تاريخ هذه القرية بشكل مبسط. وسأكون مع مجموعة سيدات فلسطينيات في كل حلقات البرنامج الثلاث عشرة، وسنتنقل في باص معاً وسيكون قريباً من شكل تلفزيون الواقع". وتشير دلال إلى أن فكرة امتداد البرنامج إلى عدة مواسم مطروحة للتطبيق، موضحة: "المواسم اللاحقة ستكون توثيق رحلة سيدة فلسطينية كل مرة إلى بلد عربي، وهناك يتم الحديث عن جماليات الطبيعة ومقدار التشابه والاختلاف وعمارة المنازل والغناء".
إحياء الموروث
في جعبة دلال أبو آمنة مشاريع كثيرة ترغب من خلالها في توثيق الغناء الفلسطيني، معتبرة أن "مشروع يا ستي" هو أم كل الأفكار المنبثقة عنه، وتضيف: "في ذهني تقديم مشروع آخر هو (عرس ستي) الذي يهدف إلى إحياء تاريخ الأماكن التي جاءت منها أغنيات الأعراس، فمثلاً في كل مرة نذهب إلى قرية نحيي فيها زفة وطنية على شكل الزفة القديمة، وتكون القرية هي العروس التي نغني لها أغنيات الزفاف. أرغب وأتمنى بأن يعتز كل فلسطيني بأرضه وقريته وتراثه وأن يساهم في إحياء الموروث الفلسطيني".
بحث عن الذات
ترى أبو آمنة، وهي دكتورة في علوم الدماغ والأعصاب، أن رسالتها كإنسانة قبل أن تكون باحثة وطبيبة وفنانة هي البحث عن الذات، وتضيف: "خلال هذه العملية يبحث الإنسان عن السعادة، وبغض النظر عن جنسه ولونه وعرقه، فالإنسان باحث عن معنى الحياة وما هو تكليفه في هذه الدنيا، وكوني صوفية الهوى ولدي اتصال روحاني بالخالق، مكنني الله من أدوات معينة أستطيع التعبير من خلالها عن أشياء مختلفة، وهذا ما أسعى لتطبيقه حياتياً في ظل أنني نشأت في بلد قابع تحت احتلال يحارب المبدعين ويحاول طمس هويتنا الفلسطينية وسرقة تراثنا، وكوني عالمة دماغ وجدت من خلال الأبحاث التي أجريتها وطبقتها الأثر الكبير للموسيقى وذبذباتها على دماغ الإنسان، وأعرف أن هناك من يسيء استخدامها بشكل شيطاني ليوصل من خلالها أفكاره، وبدوري أجد الموسيقى أداة عظيمة يمكن استخدامها بطرق تحفيزية إيجابية. ووجدت ترابطاً بينها وبين النصوص الصوفية التي يتفق معها معظم الناس، ومن هنا انطلقت فكرة الألبوم الصوفي (نور)، لأن الدين أصبح مسيساً والطقوس الدينية صارت صورية دون عمق، وبرأيي فإن الدين الصادق هو العمق، وأنا أبحث على نفسي".
مارسيل خليفة وزاهي وهبي
بموازاة انغماسها في الطب والموروث الفلسطيني، تسعى دلال أبو آمنة لتحقيق رغبتها في تقديم الفن لأجل الفن، لذا ستطلق قريباً عملاً غنائياً بعنوان "ما أجملكم" من أشعار زاهي وهبي وألحان شحادة حنا وتوزيع موسيقي ميشال فاضل، وتقول: "هو عمل يتغنى بكل الكادحين على الأرض، وأنا أهديه لكل أبناء الحياة، عندما سيراه الناس ستصلهم الفكرة بشكل أشمل، إذ نسعى لتعزيز الأمل وحب الحياة والإصرار على التقدم رغم الصعوبات، ومن سيشاهده ويسمع موسيقاه سيتفاعل مع النص حتى لو كان من بيئة أو ثقافة غربية".
وتشيد أبو آمنة بجهد ميشيال فاضل، قائلة: "يقف معي كأخ وصديق حقيقي، وهو حريص على إبراز مكامن العمل الجمالية، ونحن دائمو النقاش لتحضير أعمال مقبلة تحمل رؤية موسيقية تعبق بالحياة". وتكشف لأول مرة، عبر "العربي الجديد"، تحضيراتها للتعاون مع الموسيقار مارسيل خليفة في ألبوم غنائي كامل سيكون من ألحانه، وتضيف: "شرف كبير أنا أحظى بهذه الفرصة وأعد الجمهور بأنه سيكون مشروع غناء حالماً". كما تنفي دلال أنها ستكون بديلة للفنانة أميمة الخليل في مشروعها الجديد، مشيرة إلى أنها ستكون في منطقة مختلفة وجديدة، مضيفة: "سنلتقي في عمان قريباً لإنجاز الاتفاق على كل التفاصيل، وما سنقدمه سيكون مبهراً".
غناء عكس التيار
تعترف أبو آمنة بأنها تسبح عكس التيار في سوق الغناء، وأنها تصاب بالإحباط أحياناً من انصراف الجمهور عن الفن الملتزم والمعبر عن القضايا الوطنية والإنسانية، وتشرح: "أنا مؤمنة بالطريق الفني الذي اخترته، وأرى أن معظم الناس يسيرون في طريق مختلف لا يتوافق مع قضيتي، أتتني عروض كثيرة من شركات إنتاج وبملايين الدولارات لإنتاج أعمال وفق رؤيتها ولإحياء حفلات خاصة، ولم أوافق لأنني من الصعب أن أخالف قناعاتي وأجد نفسي في مكان سخيف أو لا يليق، فأنا لا أغني فيما الناس يتناولون الطعام، ولا أغني أي شيء من أجل أن أكون أكثر شهرة ولتكون معي أموال لا تحصى. الله منحني هذا الصوت لأتحدث عن قناعاتي وعن القضايا التي أؤمن بها وعن وطني المحتل. أعرف أن مهمتي صعبة ولكنني أجاهد بطريقتي وقناعاتي".