دونالد ترامب رجل أعمال يُتقن لعبة الكاميرا

24 نوفمبر 2024
نجمة ترامب في درب المشاهير (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- منذ اختراع الكاميرا السينمائية، أصبحت الكاريزما أداة لصنع الشخصيات العامة، حيث ساهمت في خلق قادة رأي مؤثرين مثل دونالد ترامب الذي استخدم التلفزيون لتعزيز صورته الأيقونية في الثقافة الأمريكية.

- أظهر ترامب مهارات تمثيلية على الشاشات، مما أضفى قيمة عاطفية على تصرفاته، وأثار انتقادات من نجوم هوليوود، مما يعكس أهمية السينما في خطته التواصلية.

- شهدت علاقة ترامب بهوليوود توترًا بعد تحطيم نجمة ترامب، حيث تلعب السينما المستقلة دورًا في مواجهة تأثيره، بينما تبقى هوليوود في موقف وسط بين الترامبية واليسار الليبرالي.

منذ اختراع الكاميرا السينمائية، لم تعد الكاريزما سرّاً من أسرار الشخصية العامة، إذْ باستطاعتها صنع هذه الكاريزما. ليس ضرورياً أنْ يكون بطلها كارزمياً، إلاّ بقدر معرفته وظيفتها، ونتائج استخدامها. وكذلك تقدير دور السينما في صنع الشخصيات الأيقونية، كقادة رأي يستطيعون إدارة الرأي العام لصالحهم، عبر استغلال الكاريزما صفةً إيجابية للشخصية.

ربما عرف دونالد ترامب هذه الميزة في الكاميرا السينمائية ـ التلفزيونية، وعرف مفهوم التمثيل، بمعنى القدرة على التعامل مع العدسة، ليصنع كاريزماه الشخصية. لطالما شاهدناه وهو يرسم على وجهه ردود أفعال تتشابه كثيراً مع ردود أفعال ممثّلي السينما، ما يضفي قيمة عاطفية شعبية على تصرّفاته، التي يُمكنها أنْ تكون إيجابية أو سلبية على الشعب الأميركي، والشعوب التي تتحكّم أميركا بمصائرها، صداقة أو عداء. هذا كلامٌ عن شخصية سينمائية مكتوبة خصيصاً لترامب. شخصية تعتبر نفسها رئيساً للولايات المتحدة، بغض النظر عن وجودها في البيت الأبيض أم لا. على هذا، يمكن تلمّس علاقة وثيقة بين ترامب الكاريزمي والسينما مُشكّلاً أساسياً في الثقافة الأميركية، يتلوها التلفزيون، ثم شاشات الكمبيوتر والهواتف المحمولة، كموصلات إعلامية عبر الترفيه.

حضور مكثّف

حضور ترامب على الشاشات ليس مختصراً، بل زاخر بحركات جسدية وإيماءات، وتلاعب بالصوت كشخصٍ تدرّب على هذه المهنة، إلى الماكياج والملابس، واختيار كلمات وجمل مدروسة بعنايةٍ لإثارة الجمهور المُخاطَب عبر الكاميرا والشاشة. هنا، لا تُنسى طريقة أدائه عند توقيع قرار إلغاء الاتفاق النووي مع إيران (ومثله الكثير)، إذْ وقف بعنجهية وتفاخر أمام الكاميرات، كأنّه يقول: "نعم، أنا أجرؤ وأغامر"، مُستعرضاً عناصر القوّة عبر تعابير وجهه وجسده، كممثّل يعرف تفاصيل المهنة، وكعارف بتأثّر مشاهديه الأميركيين بطريقة أدائه.

لا يُعرف الكثير عن مساهماته السينمائية. ظهر كومبارساً ناطقاً في "وحيداً في المنزل" (1990) لكريس كولومبوس، وشخصيةً كرتونية في مسلسل "عائلة سيمبسون" عام 2000. هناك أيضاً "المتدرّب" (2024) لعلي عباسي، الذي لم ينل إعجاب ترامب، بل ذمّه ذمّاً شديداً، مؤكّداً مرة أخرى أهمية السينما بالنسبة إليه.

رغم مهاجمة ترامب على شاشات تلفزيونية محلية، خاصة في برامج كوميدية شعبية جداً في أميركا، وعلى خشبات مسارح "ستاند كوميدي" المعروفة جداً، يبقى تأثير السينمائيين عليه شخصياً كبيراً ومُغضباً له بشكل عصابي، خاصة إذا أتى انتقاده من نجومٍ لهم مصداقية، كروبيرت دي نيرو، الذي وصف عائلته بالعصابة. كما أفرد هجوماً على ميريل ستريب عندما انتقدته في حفلة توزيع جوائز "غولدن غلوب" عام 2017، قائلاً إنّها أكثر الممثّلات المُبالَغ في تقديرهنّ في هوليوود. هذا الجوّ العدائي مع أكثر ممثّلي هوليوود مصداقية يؤكّد مركزية السينما والممثّلين في خطّة تواصله مع الناس، أثناء حملته الانتخابية وبعدها.

منذ تحطيم نجمة دونالد ترامب على درب المشاهير عام 2018، لم تعد علاقته مستقرّة مع هوليوود، بحسب فهمه حرية الرأي والعملية الديمقراطية الأميركية برمّتها، لتضع هوليوود يدها على رأسها تخوّفاً وتحسّباً من إجراءات انتقامية له، خاصة المشاهير الذين دعموا كامالا هاريس بأغلى ما يملكون، أي الشهرة. هنا تتقدّم قضية الاستثمار في السينما والترفيه إلى الواجهة، إذْ إنّها السلاح الأمضى في أيدي ترامب وحلفائه، في مقابل قضايا وأفكار تُحسَب على اليسار اللبيرالي الأميركي. فآليات التعطيل الأميركية في هذا المجال معروفة ومتنوّعة، بل مبتكرة، منذ المكارثية إلى الآن، وهوليوود عرفت دائماً حدودها في هذا المجال.

هل سيروّض ترامب هوليوود؟

لكنْ، تبقى أهمية خاصة للسينما المستقلّة، التي ربما تنقسم إلى أكثر من طرفين، يكون أحدها ترامبياً بطريقة أو بأخرى. مع هذا، هناك نتيجة مستقبلية لمواقف هؤلاء المشاهير، ستواجهها هوليوود بتكتيك لا يجعلها في مواجهة الريح العاتية. هل سيروّض ترامب هوليوود ومشاهيرها انتقاماً، أم سيجعل منها آلة إعلامية في خدمته، فيسوقها للقول بقضاياه الاجتماعية والسياسية؟

في كلّ الأحوال، لم تغادر هوليوود سابقاً دائرة الدعاية للقوّة الأميركية وأحلامها. في هذا، ستكون مشاركة مسبقة في أحلام ترامب ووعوده، أيّ أنّها، وبشكل اعتيادي وعمومي، في منتصف الطريق بين الترامبيّة الأيديولوجية واليسار اللبيرالي الأميركي. لكنْ، من يضمن ظهور شخصية كمايكل مور، وربما سينمائيين من السينما المستقلة، يصنعون أفلاماً كـ"فهرنهايت 11/ 9" لمور (2004)، عن الترامبية، وترامب شخصياً المُدجّج بقضايا بفضائح ومواقف اجتماعية قابلة للالتهاب في أيّ وقتٍ.

التأثير على هوليوود سيحصل لا محالة في السنوات الأربع المقبلة، ومنه ما سيبقى طويلاً، وما سيُمحى مع مغادرة ترامب الرئاسة. وهذا ليس بسبب التحكّم بالاستثمار وحده، بل لأنّ الترامبيّة بجزئها الداخلي مبنيّة على الكاميرا السينمائية وتأثيرها البصري، عند تكرار الأمثولة إلى الأقصى، لأنّها كعقلية لا تحتمل المخالفين، وإنْ كانوا أقلّ قوّة وفعالية.

المساهمون