أثار "لا تخبروا أنجيلينا"، للعراقي ذو الفقار المطيري، ردود فعل إيجابية، جماهيرياً ونقدياً، عند عرضه. فيلمه الأخير "قارئ البريد"، الذي عُرض في جلسةٍ خاصة للنقّاد والصحافيين، يتناول موضوعاً جريئاً: حبّ فتى مراهق لامرأة أكبر منه سنّاً. إنّه أول تجربة إثنوغرافية في الأفلام القصيرة العراقية، كما يقول المطيري، الذي تخرّج من "كلّية الفنون الجميلة"، وواصل دراسته للحصول على "ماجستير" في الإعلام من جامعة بغداد. له أفلام وثائقية وقصيرة، نال عن بعضها جوائز عدّة من مهرجانات سينمائية. التقته "العربي الجديد" في حوار عن "قارئ البريد" والسينما العراقية، وعن تجربته في الإخراج.
ماذا عن جديدك، الروائي القصير "قارئ البريد": ما فكرته؟ ما الأسلوب الذي اعتمدته؟
تدور أحداث "قارئ البريد" في قرية نائية، تسمّى "سبياو"، في قضاء "رانية" في محافظة السليمانية، كردستان، التي يجهل معظم أهلها القراءة والكتابة. المُراهق زيرت يقرأ الرسائل التي تصل إلى أبناء البلدة، ومنها رسالة إلى سيّدة أرسلها زوجها الغائب منذ أشهر في العاصمة، بحثاً عن عمل. تبدأ الحكاية من هنا، وتتصاعد الحبكة، إلى أنْ تنتهي بشكل لطيف وغير متوقّع.
ما الرسائل التي تريد إيصالها؟
الزمن القصير في معالجة ظاهرة شائعة جداً، أو أقلّه تسليط الضوء عليها: وقوع مُراهقين في حبّ نساء أكبر منهم سنّاً بأعوامٍ كثيرة، حتى لو أنهنّ متزوّجات، ولا يُظهرن أي اهتمام بهم.
الفيلم أول تجربة إثنوغرافية في الأفلام القصيرة العراقية، من ناحية استخدام قصّة حقيقية حدثت في هذه القرية. المكان طبيعي، شهد الأحداث نفسها. الممثّلون غير محترفين، يقفون أمام الكاميرا للمرّة الأولى. الفيلم باللغة الكردية، ومُترجم إلى العربية. الموسيقى أصوات عامة حيّة لحيواناتٍ، وأصوات المطر والرياح والجداول. مع استخدام قليل للإضاءة، واعتمادٍ على الجو العام. كلّ شيء طبيعي في هذه التجربة.
لاحظنا أنّ تصويره وأجواءه في كردستان. ما سبب ذلك؟
سبب اختيار المكان يعود إلى غرائبيته، فالقرية تقع على الحدود العراقية الإيرانية التركية، وتبعد أكثر من 100 كليومتر عن قضاء "رانية"، التابع لمحافظة السليمانية. ما يُميّز المكان البدائية التي وجدناها هناك. لا تطوّر حضاريا أو تقنيا، ولا وجود للإنترنت، ولا اتصالات هاتفية. إنّهم يحافظون على تراثهم وعاداتهم وتقاليدهم، ويستخدمون الأساليب البدائية في الطعام والسكن.
باختصار، هذه بيئة صالحة لتنفيذ فكرة الفيلم، المبنية على الإثنوغرافيا في وصف العادات والتقاليد.
تخرّجت من "كلّية الفنون الجميلة"، لكنّ دراستك العليا (ماجستير) متخصّصةٌ بالإعلام. ما السبب؟
تخرّجت من "قسم الفنون المسرحية ـ فرع السمعي والمرئي"، ونلت المرتبة الأولى. لكنّي لم أستطع إكمال دراستي في الماجستير، بسبب العنوان الذي في وثيقة التخرّج: "الفنون المسرحية، فرع السمعي والمرئي". لا يحقّ لي إكمال الدراسة في المسرح والسينما، فقرّرت تغيير الاختصاص، لأكمل مسيرتي العلمية، وكان الإعلام، باعتباره الأقرب إلى السينما، والسينما وسيلة من وسائل الإعلام.
لديك أفلام وثائقية وقصيرة عدّة. لكنّي أودّ سؤالك عن "لا تخبروا أنجيلينا" (شارك في مهرجانات عربية ومحلية مختلفة، وفائز بجوائز عدّة، منها "جائزة الإبداع العراقي" عام 2018 ـ المحرّر). هل تُحدّثنا عنه؟
تتلخّص الفكرة في تسليط الضوء على جرائم الإرهاب، وما ألحقه تنظيم "داعش" من مآسٍ بحقّ أهلنا في الموصل. يكشف محنة المدنيين الأبرياء الذين احتجزهم التنظيم، جاعلاً منهم دروعاً بشرية، ومانعاً إياهم من الفرار، فسقطوا ضحايا تحت الأنقاض.
الفيلم يحاول أنْ يقدّم إلى العالم نموذجاً عن معاناة العراق من القوى الإرهابية، وتكالبها على تجربته الديمقراطية الفتية، بتوظيف زيارة الممثلة أنجيلينا جولي للموصل، وإطلاعها على شواهد تلك الجرائم، ولقائها فتاة عراقية تحلم بالتصوير معها، لكنّها توفيت تحت الأنقاض أثناء الزيارة.
أهناك مشروع لإخراج فيلم روائي طويل؟ ماذا عن مشاريعك المقبلة؟
بالتأكيد. تمّ إعداد سيناريو لفيلم روائي طويل مأخوذ من رواية كويتية بعنوان "عندما في الأسفل" للكاتب عبد العزيز محمد عبد الله، تدور أحداثها في زمن ما بعد دخول الأميركيين إلى العراق. يعبر شابٌ كويتي (فهد) إلى العراق ليكفّر عن ذنبه بقتل جندي عراقي في الكويت عام 1990، أثناء نومه، ثم يكتشف، بفضل رسائل في جيبه، أنّه مُجنّدٌ قسراً، وهو غير راضٍ عن غزو الأشقاء وتدمير بلدهم، فيُقرّر زيارة أهله والاعتراف بذنبه، لكنّه يعجز عن ذلك أمام طيبة الأهل وحرارة ترحيبهم به، فيتظاهر بأنّه كان صديقه. يسكن في بيته، وينام في غرفته، ويصادق أصدقاءه، ويتزوّج حبيبته. بسبب مشاعر الخطأ وتأنيب النفس وجَلد الذات، يُصاب باضطرابٍ نفسي، يجعله يخلق عالماً داخلياً، يحاول فيه تصحيح أخطائه. لكنّه يفشل، فتسوء حالته، حتى يجد نفسه يركض عارياً في الأزقة، فيقتله مجهولون، لأنّه كويتي في العراق، كتحقيق للعدالة لقتله عراقياً في الكويت بلا ذنب.
ما الذي يعترض إنتاج فيلمٍ روائي طويل؟ ما مشاكل الإنتاج السينمائي في العراق؟
السينما تحتاج إلى رأس مال لإنتاج الأفلام، وأصحاب رؤوس الأموال يخافون الاستثمار في السينما، لذلك يقتصر الإنتاج على السينما المستقلّة والأفلام القصيرة.
مُشكلة السينما العراقية تكمن في قلّة الإنتاج. هذا بدوره يُلقي بظلاله على القصّة والسيناريو والإخراج والتصوير والمونتاج والتمثيل. قلّة الإنتاج، أو انعدامه، سببٌ أساسيّ. أقصد هنا إنتاج الأفلام الروائية الطويلة لا القصيرة، فالطويلة كفيلةٌ بتنشيط الصناعة السينمائية في العراق.
هل تعتقد أنّ الجيل الجديد من السينمائيين العراقيين قادر على النهوض بالسينما العراقية؟ ما عوامل نجاحه في ذلك؟
السينمائيون الحاليون مؤهّلون ليكونوا نخباً سينمائية في المستقبل. الجيل السابق شبه منتهٍ. أقصد أنّ الجيل الجديد يواكب التغييرات التقنية والفنية في السينما، الحاصلة سابقاً والتي ستحصل، عكس الجيل السابق. أعرف السينما بأنّها "صناعة وفن تخضع لحسابات السوق، ودلالة شباك التذاكر". هذا التعريف لا ينطبق على السينما العراقية، منذ تراجع شبّاك التذاكر. لا يزال السينمائيون يحلمون بصناعة سينما حقيقية.