عمل الممثل الهندي راهول بهات مع أنوراج كاشياب، المخرج المتفرّد في السينما الهندية، في 3 أفلام، آخرها "كينيدي" (2023)، المعروض أخيراً في برنامج "الاختيار الرسمي ـ خارج المسابقة"، في الدورة الـ6 (14 ـ 21 ديسمبر/كانون الأول 2023) لـ"مهرجان الجونة السينمائي".
عُرف كاشياب دوليّاً بفيلمه المذهل "عصابات واسيبور" (2012)، المعروض في الدورة الـ65 (16 ـ 27 مايو/أيار 2012) لمهرجان "كانّ"، المكوّن من جزئين، يكشفان في 5 ساعات صراع 3 أجيال من رجال العصابات في مدينة واسيبور. هذا الفيلم وضع مخرجه على حدة، في سينما بلده، كمؤلّف سينمائي. أفلامٌ له معروضة أيضاً في دورات سابقة لـ"كانّ"، في أقسامٍ مختلفة.
في أفلامه، لا يخرج كاشياب كثيراً عن سينما النوع، سينما الفيلم الأسود، عن عالم العصابات والشرطة والإجرام، وإنْ بأساليب مجدِّدة. استعان بالممثل الشاب راهول بهات في "بشع" (2013) و"دوبارة" (2022)، قبل "كينيدي"، والعنوان لقبٌ عُرف به قاتلٌ مأجور، شرطيٌّ سابق اعتُبِر ميتاً لأسباب غامضة، لكنّه يواصل العمل بإدارة روؤساء له، سابقين وفاسدين، مُستغلاً مهامّه لإشباع عطشه الشخصي للانتقام. يُستعان به لتصفية حسابات مع شخصيات سياسية واقتصادية وإجرامية في مومباي، الخاضعة للفساد والرشاوى.
زمن الفيلم فترة الحجر في كورونا: عديّ، أو كينيدي، لا يتردّد في تنفيذ المهام المُكلّف بها، من دون أدنى شعور بندم أو رحمة. في سرد مُعقّد، يتنقّل الفيلم من دون تمهيد بين ماضي الشخصية الرئيسية وحاضرها، مع ارتكاب جرائم بدمّ بارد. من خلالها، يُكشَف عن عالمٍ رهيب في وحشيته وفساده، عالم الليل والجريمة والسلطة الفاسدة، المواضيع المفضّلة لكاشياب.
أدّى بهات الشخصية بإتقانٍ لافت للانتباه، وأثار الفضول بخصوص تحضيره الدور المُعقّد هذا، وكيفية عمله مع كاشياب، فكان لقاءٌ معه في "مهرجان الجونة".
(*) لفتَّ الأنظار في "كينيدي" بتأديتك الدور الرئيسي، أي دور قاتل مأجور. هل تُقدّم نفسك إلى القرّاء العرب؟ كيف أتيت إلى السينما؟
أنا من كشمير، في شمال الهند، حيث المشاكل (ضاحكاً). عام 2023، مثّلت في "صُنع في كشمير" لسانجيل كول، وأصوِّر حالياً مسلسلاً. يمكن القول إنّي مهاجر في بلدي. تركت كشمير في فترة الهجرة والإرهاب، عام 1991. نريد العودة إلى أرضنا، وأتمنّى السلام للجميع.
عرفتُ أنّ لـ"مهرجان الجونة" شعار "سينما من أجل الإنسانية". لا شيء، ولا دين أهمّ من الإنسانية. دوافعي كفنان إنسانية، ولو لم تكن هكذا، لا يُمكنني أنْ أتفهّم المشاعر. ليكون المرء ممثلاً جيداً، عليه أن يكون إنساناً قبل كلّ شيء. هذا ما أطالب به في العالم. للمهرجانات دورها. هنا مثلاً، في الجونة، نلتقي صنّاع سينما وفنانين من كلّ أنحاء العالم، ونتبادل الآراء، ونحاول تفهّم ثقافات مختلفة. هذا يدفعنا إلى الآخر، وإلى أن نكون أكثر إنسانية وتفاعلاً وتقبّلاً وحبّاً. الصبر مع الآخرين، والانفتاح والتسامح، ومنحهم الفرصة، تخلٍّ عن الأنانية. هذا مهم، خاصة في هذه المنطقة. أصلّي للعرب كي يحلّ السلام في هذه المنطقة.
(*) كيف استطعت شقّ الطريق في مومباي بعد قدومك من كشمير؟
وصلت إلى مومباي عام 1991، وبدأت العمل "موديل"، ثمّ أصبحت "سوبر موديل". لكنّ التمثيل كان دائماً من آمالي، إلى أنْ جاءتني الفرصة في التلفزيون للعمل في مسلسل اجتماعي عن المسلمين، فبات "رقم واحد" في الهند، لـ5 أعوام. استمرّيت في العمل في التلفزيون مؤدّياً أدواراً أولى. كنتُ، في الوقت نفسه، أشاهد الأفلام بكثرة. ثم عرض عليّ أنوراج كاشياب العمل في "بشع"، الفائز بجائزة أفضل فيلم في "مهرجان بوسان"، في العام نفسه. تابعت في أفلامٍ أخرى، منها "دوبارة" لكاشياب أيضاً.
(*) حين دخلتُ ردهة الفندق، لم أتعرّف على عديّ. تبدو مختلفاً جداً في الواقع، قلباً وقالباً، لولا نظرة العين. كيف تحضّرت لهذا الدور الصعب؟
عملتُ على زيادة وزني 20 كيلوغراماً. أتذكرين المشهد الذي أقشّر فيه التفاحة، بداية الفيلم؟ (القشرة تبقى متّصلة من البداية حتى النهاية ـ المحرّرة). تمرّنت على هذا بتقشير 500 تفاحة، في 6 أشهر. لم أقشّر في حياتي تفاحة قطّ. كنتُ ألتهمها كما هي. أيضاً، كنتُ أرقد والسلاح تحت سريري، لأشعر بمشاعر قاتل مأجور يحيق به الخطر في كلّ لحظة، كما في الفيلم. شخصية كينيدي مُعقّدة. إنّه مُعلّم في القتل، ومفاجئ في أساليبه وتوقيته ووسائله. إنّه شخصية آلية لا مشاعر لها. كان عليّ، بكل بساطة، أنْ أكون آلة.
(*) أيضاً، يتحرّك عديّ ـ كينيدي بأسلوبٍ مُعيّن، ويحكي بصوتٍ خشن، ويتميّز بنظراتٍ حادّة، لا سيما حين يضع الكمامة، ولا تظهر إلاّ عيناه. أبهَرْتَ بأدائك. ما كان تأثير الدور على حياتك؟
عملتُ كثيراً على لغة الجسد والعيون. النظرة كلُّ شيءٍ في التمثيل، لا سيما هنا، فأحداث الفيلم تجري في فترة كورونا، أيّ مع الكمامة أحياناً. كان عليّ التعبير بعينيّ فقط في مشاهد عدّة. كاشياب طلب منّي التدرّب يومياً على الشخصية بمفردي، إلى أنْ أرسلتُ له، ذات ليلة، صورة أبدو فيها مُتقمّصاً شخصية كينيدي. ردّ علي في منتصف الليل: أنتَ كينيدي الذي أريد.
لكنّ هذا الدور حطّمني نفسياً، وأصابني بالاكتئاب. أصدقائي نصحوني بالتخلّص من الشخصية، وإخراجها من داخلي. اكتأبوا لمعاناتي. إنّها شخصية صعبة للغاية. معها، عليّ الدفاع عن نفسي، وعن ذاتي الحقيقية، لكنّي لم أستطع ذلك. إنّها شخصية مجنونة، تقتل من أجل لا شيء. إنّها لا تشبهني إطلاقاً. كينيدي شخص آخر لا أعرفه، ولا أريد أنْ أعرفه. استعنت باستشارات نفسية لبلوغ الحالة، وتدرّبت على التعبير بنظرتي، وعلى تغيير نبرة صوتي. عملتُ على تعلّم فَكّ الأسلحة وتركيبها وأنا مُغمض العينيين. بعد الانتهاء من الدور، كنتُ أودّ رمي كينيدي خارج جسدي، لكنّه كان يقاوم. بل إنّي كنتُ أصوّر فيلماً بعده، وقال لي مخرج الفيلم سوديف مجهرا: "اطردْ كينيدي منك".
(*) تعاملت مع مخرج مشهور، أنوراج كاشياب، في 3 أفلام. كيف كان العمل معه؟
إنّه مُعلّم لامع، وشخص غريزيّ. مُعجبٌ به، وإن كان الشغل معه صعب. لكنّي أعتبر أنّي ممثل تابع لمخرج. بمعنى أنّي أعمل لمخرج، وليس للجمهور. هذا مبدئي. ما يهمّني التأثير في مخرجي، وليس في أي أحد آخر. أن يكون راضياً عنّي مائة بالمائة. أنا "جوكر" له، وليس لشخصٍ آخر. لا أقول للآخرين: "انظروا إليّ، أنا هنا". أعمل من أجل نظراته هو فقط، وأحاول أنْ أفهم ما يريد من الشخصية. أضطلع بمسؤوليتي، وكممثل، أخذ الدور على عاتقي بالكامل، وأقوم بكل أنواع الأدوار.
(*) هل تعمل في السينما المستقلّة فقط؟ ما علاقتك بسينما بوليوود؟
(ابتسامة أكبر) أحبّ العمل في سينما بوليوود أيضاً. إذا قرّروا يوماً أنْ يستيقظوا من أجلي، فأنا جاهز. لكنّهم يغمضون عيونهم. نعم. لديهم عالم أحلام لهم، يغصّ بالسحرة والعظماء الذي يدرّون عليهم أموالاً كثيرة. حين ينتبهون إلى وجودي، سأرغب في العمل مع الجميع.
اليوم، التقيتُ فيليب (المخرج البلجيكي فيليب فان ليو ـ المحرّرة) في "الجونة". تحدّث معي عن فيلمٍ. أيضاً ألفتُ أنظار مخرجين عالميين. شكلي يساعدني، ويُمكن لي أن أكون مكسيكياً أو إيطالياً قريباً من المافيا. (أخذ يُريني صُوراً تُبديه ممثلاً إيطالياً). كوني كشميري، يعني أنّي خليط من مختلف الأعراق. يمكنني أن أغيّر في صوتي وجسدي، وأن أغيّر كلّ شيء، وأن أكون عربياً أيضاً.
(*) هل تعتبر نفسك مشهوراً في الهند؟
حين أؤدّي دوراً بشكلٍ سيئ، أصبح بالتأكيد أشهر (يضحك). لكنّ الهند تتغير. هناك اليوم نوع آخر من المخرجين، الذين يأتون من مدنٍ صغيرة، وهم يغيّرون كلّ شيءٍ، ويصنعون أفلاماً من نوع آخر. أنا أبلغ عمراً يسمح لي بتأدية كلّ الأدوار.
(*) في أدوارك، خاصة آخرها، هل تأثّرت بأحد؟
مُتأثّرٌ أنا بكلّ شيء. آخذ الكثير من عظماء السينما، لكنّي أصنعها بطريقتي، وأبديها بأسلوبي. لا أضيّع شخصيتي أو أصلي. أحبّ أصغر فرهادي مثلاً، وتعجبني أدوار ممثلين عديدين. في الحقيقة، أُعجَبُ بالفيلم والشخصية، لا بالشخص.