أتكون تواريخُ، متعلّقة به، نتاجَ صُدفٍ، أم أنّ للقدر دوراً في ذلك؟ مولودٌ بعد 4 أشهر على ولادة جان ـ لوك غودار (1930 ـ 2022)، وقبل 10 أشهر على ولادة فرنسوا تروفو (1932 ـ 1984)، يُغادر الفرنسي ميشال دوفيل الحياة في 16 فبراير/شباط 2023، قبل شهرين و3 أيام على تاريخ ولادته، في 13 إبريل/نيسان 1931. السؤال غير مُدّع تنظيراً، أو تذاكياً في الكتابة. التزامن الحاصل في تواريخ ولادة غودار ودوفيل وتروفو، الذين سيلتقون، في لحظةٍ ما، في خضم انقلاباتٍ وتغييرات في السينما والاجتماع والعلاقات والكتابة، هذا التزامن أقرب إلى أنْ يكون "قدراً" في سِيَرهم، وبعض ما في تلك السِيَر متشابهٌ، أكثر من كونه مجرّد صدفةٍ عابرة.
أما الإعلان عن وفاته، قبل وقتٍ قليل على الذكرى الـ92 لولادته، ورحيل سينمائيين/سينمائيات في أوقات قريبة من ذكرى الولادة مُكرّرٌ مراراً، فيكاد يكون تحدّياً لعمرٍ ومسار، يتمثّل (التحدّي) في معاندة "القدر"، بمغادرةٍ هادئة، قبيل ذكرى كهذه. لكنْ، إنْ تكن تواريخ الولادة قدراً، أكثر من كونها صدفة، فإنّ المغادرة في موعدٍ كذاك الحاصل مع ميشال دوفيل، قابلةٌ لأنْ تكون صدفة أو عبثاً أو احتيالاً، مع رغبةٍ في عدم اكتمال "رقمٍ"، سيكون حياةً وصخباً واشتغالات وابتكارات وأهواء ومخاوف.
غير أنّ ميشال دوفيل غير منخرطٍ في "الموجة الجديدة"، التي تُشكِّل منعطفاً في التاريخ الحديث للسينما الفرنسية، مُفضّلاً، بدلاً من ذلك، "الإبحار بمواربةٍ"، يُتيحان (الإبحار والمواربة معاً) له صُنع طريقة خاصة به، ماثلةٍ في 30 فيلماً طويلاً، يُخرجها بين عامي 1958 و2005، إذْ "يتقاعد" (من المهنة) بعد Un Fil A La Patte، المستند إلى مسرحية بالعنوان نفسه (1894) لجورج فِدو، كما في مقالةٍ للناقد الفرنسي توماس سوتينال، منشورة في "لو موند"، في 13 مايو/أيار 2019، بمناسبة أول تكريمٍ له تُنظّمه الـ"سينماتيك" في باريس.
"صائغ ألعاب حبّ وصدفٍ" (جان ـ لوك دْوان، "لو موند"، 20 فبراير/شباط 2023)، يُعاصر ميشال دوفيل "الموجة الجديدة"، من دون انخراطٍ فيها. أفلامه كمخرج (سيناريوهات بعضها له) مُصنّفةٌ في أكثر من نوع: كوميديا، بوليسي، اجتماعي، وHuis Clos. ابن صانع فخاريات خاصة بالحدائق، يدرس دوفيل، الذي سيُمثّل منذ صغره، الآداب في "جامعة السوربون"، ويرغب في الفن السابع (هناك وصفٌ يعتمده نقّاد وصحافيون سينمائيون، يقول بأنّه "يحلم بالتدخّل في فنّ غير عارفٍ به أبداً"، حينها على الأقلّ). تروي حكايةٌ أنّ هذا حاصل في لحظةٍ محدّدة، فالسينمائي الفرنسي هنري دوكوان (1890 ـ 1969)، الكاتب والسيناريست أيضاً، يشتري إناءً فخارياً من محلّ والده. تُكمل الحكاية، المنشورة في مقالة دْوان نفسه، أنّ دوفيل سيغتنم تلك الفرصة، ويعمل "متدرّبا"، ثم مساعداً، في 12 فيلماً لمخرج "الحقيقة بخصوص الطفل دونج" (1951) وRazzia Sur La Chnouf بعده بـ4 أعوام.
جيل رونو، في مقالته المنشورة في "ليبراسيون" (20 فبراير/شباط 2023)، يصفه بالتالي: "الحريص على مفاجأة عالمه"، الذي (الحريص) تتجاهله "الموجة الجديدة". هذا يستدعي تساؤلاً: هو يرفض تلك "الموجة"، أم أنّ "الموجة الجديدة" تُغلق أبوابها أمامه؟ الأهمّ كامنٌ في اشتغالاته الخاصة، وبعضها مرتبطٌ بتلك الكوميديا "اللامعة والمليئة بالفانتازيا" ("آلو سيني"، 21 فبراير/شباط 2023)، التي (الكوميديا) ستكون تنويعاتٍ كثيرة في تصوير المشاعر، وكشف خفاياها وغليانها ومساراتها، تماماً كتصويره "الشهوة الجنسية" عند الشباب، خاصة في "كاذِبة رائعة" (1962)، و"بسبب، بسبب امرأة" (1963)، أو في رائعته المنجزة عام 1968، بعنوان Benjamin Ou Les Mémoires D’Un Puceau.
رحيل ميشال دوفيل حاصل في 16 فبراير/شباط الجاري. الإعلان عنه يتأخّر 4 أيام، ما يدفع البعض إلى التعليق التالي: "يمرّ وقتٌ طويلٌ، يجعلنا غير منتبهين البتّة إلى أنّه لا يزال حيّاً. وفاته تُذكّرنا بذلك. هذا قاسٍ".