انتشرت انتقادات واسعة لقرار وزارة العدل الروسية إدراج قناة "دوجد" التلفزيونية المستقلة في قائمة "العملاء الأجانب"، فيما دافع الكرملين عن القرار.
وبعد ثلاثة أيام على إضافة قناة "دوجد" (المطر) إلى قائمة العملاء الأجانب، قال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن وزارة العدل لم تنسّق مع الكرملين، لكنه دافع عن إدراج قناة "دوجد" في قائمة "العملاء الأجانب"، وأكد أن "وزارة العدل في هذه الحالة تؤدي مهماتها"، وزاد: "كل شيء واضح تماما هنا، لا يمكن لوزارة العدل استثناء وسيلة إعلامية من تنفيذ القانون الذي يجب أن يطبق على جميع وسائل الإعلام".
وفي محاولة للتخفيف من وقع القرار الذي طاول عشرات وسائل الإعلام في السنة الأخيرة، قال بيسكوف إن "تنفيذ أحكام هذا القانون (العملاء الأجانب) لا يؤدي إلى إغلاق وسائل الإعلام، وإنما يفرض ببساطة التزامات إضافية عليها".
وتعليقاً على الانتقادات للقرار، نظرا لأن قناة "دوجد" لا تنكر حصولها على أموال من الاتحاد الأوروبي بمقتضى عقود نظامية لتمويل بعض البرامج، ليس من ضمنها برامج سياسية، قال بيسكوف: "لا يهم ما هي البرامج المحددة الممولة من الخارج، ولا يمكن تقسيم بثّ القناة التلفزيونية إلى سياسي وغير سياسي. من المستحيل القيام بذلك، ولا يوجد مثل هذا التقسيم في القانون".
ومن أجل تمويل عملها وضمان استمرار البث بعد تبني مجلس الدوما (البرلمان) في 2015 مشروع قانون يمنع عرض إعلانات ترويجية في القنوات المدفوعة الأجر بالاشتراك، وقعت إدارة القناة عقودًا مع المفوضية الأوروبية وبعض المؤسسات التابعة لترويج جزء من برامج المفوضية في روسيا تحت عنوان "روسيا هي أوروبا"، بهدف الترويج للقيم الأوروبية على اعتبار أن روسيا جزء من أوروبا.
وأمنت هذه العقود قرابة 100 ألف دولار سنوياً للقناة، حسب بياناتها الضريبية، ما سمح لها إضافة إلى التبرعات الداخلية واشتراكات المشاهدين باستمرار بثها.
وفي المقابل، نقلت وكالة "نوفوستي" الحكومية عن مصدر قالت إنه من إحدى الوزارات قوله إن قناة "دوجد" حصلت منذ عام 2016 على تمويل خارجي سنوي لا يقل عن 3.7 ملايين روبل روسي.
وأضافت وزارة العدل الروسية، يوم الجمعة الماضي، كلا من قناة "دوجد" التلفزيونية والمنصة الإلكترونية الاستقصائية "فاجنيي إستوري" (القصص المهمة)، كما قررت الوزراة إطلاق صفة "عميل أجنبي" على 7 صحافيين من المؤسستين، وكذلك على مدير المنظمة الاجتماعية "ياقوتيا-وجهة نظرنا".
واعتقلت الشرطة الروسية، السبت الماضي، عدة صحافيين نظموا اعتصامات فردية خارج المقر الرئيسي لجهاز الأمن الفيدرالي، بساحة لوبيانكا في وسط موسكو، احتجاجا على قرار السلطات. وحمل الصحافيون لافتات تحمل عبارات "الصحافة ليست جريمة"، و"أنتم (السلطات) تخافون من الحقيقة"، و"لن نتخلى عن كوننا صحافيين".
وتعليقا على القرار، قال رئيس تحرير قناة "دوجد" تيخون دزيادكو إن "موقفنا واضح، وهو أن قناة دوجد ليست عميلا أجنبياً... وطوال 11 عاما من عمرها، التزمت القناة بشكل كامل بالقوانين الروسية، وجميع مصادر تمويلنا معروفة". وأكد دزيادكو رفض القناة التصنيف الجديد، وقال: "سنطعن بالقرار باعتباره قرارا يتعارض مع القانون والمنطق السليم، وسنواصل البث كالمعتاد".
ومن جانبها، أكدت "فاجنيي إستوري" أنها ستواصل عملها كالمعتاد، وسوف تنشر تحقيقا جديدا الأسبوع الحالي.
ومعلوم أن الكرملين أوقف التعامل مع قناة "دوجد" الروسية، وقرر استبعاد مراسليها عن مواكبة نشاطات الرئيس فلاديمير بوتين وديوان الرئاسة، أو المشاركة في المؤتمرات الصحافية اليومية للناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، الذي أكد في منتصف يونيو/حزيران الماضي أن "الكرملين قرر عدم التعامل مع القناة بعد تقديمها دعما مباشرا للتظاهرات غير القانونية"، وربط القرار بتغطية القناة تظاهرات غير مرخص لها في الأشهر الأخيرة.
وأطلقت "دوجد" بثّها في إبريل/ نيسان 2010. وأعلن القائمون عليها، حينها، أنها ستكون قناة مستقلة لنقل الأحداث في روسيا بطريقة مختلفة ومستقلة لا تتبع للسلطة أو للمعارضة، ورفعت شعار "الأمل".
وتعرض القناة على مدار الساعة نشرات إخبارية وبرامج حوارية وحفلات موسيقية وأفلاما وثائقية، حظيت بمتابعة كبيرة نظرا لتطرقها لمواضيع حساسة وجدلية. واستقطبت القناة كثيرا من الصحافيين الذين غادروا عملهم من وسائل الإعلام الحكومية لأسباب سياسية أو مهنية.
وأثار القرار انتقاد بعض الناشطين في مجال الحقوق والحريات. وقال عضو المجلس الرئاسي لحقوق الإنسان نيكولاي سفانيدزه، في تصريح لوكالة "إنترفاكس" الروسية، إن إدراج قناة "دوجد" في سجل "عميل أجنبي" يعتبر عملا سياسيا، وسوف يعقد عملها "معنويا وماديا".
ومع إشارته إلى أن القناة "تتمتع بسمعة طيبة وطروحات ليبرالية"، خلص إلى أن "القرار سياسي بحت وأمر سيئ للغاية بالنسبة لبلدنا... هذا القانون يعيدنا إلى أعماق العصور الوسطى".
ومن جانبها، حذرت عضو المجلس الرئاسي لحقوق الإنسان سفيتلانا ماكوفيتسكايا من أن القانون يُستخدم لترهيب المجتمع، وقالت لوكالة "إنترفاكس" إن "هناك نوعا من التطرف في ما يخص تصنيف العملاء الأجانب". وخلصت إلى أن "الأمر خطير، ومع الوقت يزداد الغموض حول ما يجب أن تفعله مجموعة من الأشخاص أو وسائل الإعلام بالضبط حتى لا يتم تصنيفهم كعملاء أجانب... يمكن إصدار أي قوانين، لكن لا يجوز أن تؤدي هذه القوانين إلى ترهيب الجميع".
ودان رئيس اتحاد صحافيي موسكو بافل غوسيف، ورئيس اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان في مجال الإعلام لدى المجلس الرئاسي لحقوق الإنسان، إدراج قناة "دوجد" على قائمة "عميل أجنبي"، ورأى أن "السلطات تغالي في اتخاذ احتياطات قبل الانتخابات". وينسجم رأي غوسيف من تقدير فريق واسع من الخبراء أن الحكومة تشن حربا على وسائل الإعلام قبل الانتخابات البرلمانية المقررة في الشهر المقبل.
وعجت وسائل التواصل الاجتماعي بتعليقات تنتقد الخطوة، وحمل بعضها طابعا ساخرا. وتعليقا على إدراج "دوجد" وعدد من الصحافيين في قائمة "العملاء الأجانب"، قالت هيئة تحرير القناة في صفحتها على "تيليغرام" ساخرة إن "وزارة العدل أدرجت المطر، والثلج، وقوس قزح، وخطوة القط، ومسار القمر، والضوء اللؤلؤي، والرياح في الصفصاف، والسيف في الحجر، والمشتري في القوس، والإبرة في البيضة، والبيضة في البطة، والبطة في الأرنب، في سجل العملاء الأجانب".
أما أولغا رومانوفا، المديرة في مركز "حقوقي الروسية" والمصنفة مع مركزها في قائمة العملاء الأجانب، فكتبت على صفحتها في "فيسبوك": "نظرا لكوني عميلا أجنبيا متمرسا، أرحب بكم بحرارة في نادينا... وهكذا فقد تمت إضافة دوجد، وفاجنيي إستوري، هل هذا متوقع؟ بالتأكيد. وهل يعقد هذا الحياة؟ بكل تأكيد... هل سيستمرون في الضغط علينا؟ لا شك في ذلك. هل انتهى كل شيء عند هذا الحد؟ لا".
وفي نهاية العام الماضي، وقع الرئيس فلاديمير بوتين على تعديلات لقانون "العميل الأجنبي". وحسب القانون الذي أقره البرلمان الروسي، يمكن اعتبار أي روسي يقود نشاطا سياسيا ويتلقى أموالا أو مساعدة تنظيمية ومنهجية من الخارج عميلا أجنبيا.
ويلزم القانون وسائل الإعلام بوضع علامات عند ذكر جميع العملاء الأجانب، وينطبق الأمر على الكيانات القانونية والجمعيات العامة، وحتى الأفراد المعترف بهم كوكلاء أجانب.
ويجب على الصحافيين ووسائل الإعلام الروسية التحقق من أن الخبير أو الصحافي ينطبق عليه قانون "العملاء الأجانب"، والإشارة إلى ذلك في النصوص المكتوبة في حال قررت الحصول على تعليق للأخبار أو المقالات.
ويساوي القانون الجديد بين المنظمات الإرهابية والوكلاء الأجانب عمليا، فوسائل الإعلام الروسية ملزمة بإضافة لازمة "إرهابية محظورة في روسيا"، والآن باتت ملزمة بمرافقة أي ذكر لصندوق مكافحة الفساد أو حتى مركز "ليفادا" لاستطلاعات الرأي بملاحظة أن هذه المنظمات "معترف بها كعملاء أجانب". وفي حال عدم الامتثال لهذا المطلب، تواجه وسائل الإعلام غرامة تراوح بين 4 و5 آلاف روبل للأفراد، وبين 40 و50 ألف روبل للكيانات القانونية.
ووضع القانون المذكور وسائل الإعلام الروسية أمام خيارات صعبة، وخاصة عند رغبتها بالاستشهاد بصحافيين وخبراء روس يعملون لمؤسسات مدرجة ضمن "العملاء الأجانب"، أو صحافيين أجانب معتمدين في روسيا، فمعظم المعلقين لا يفضلون إضافة "عميل أجنبي" مع أسمائهم لما ينطوي عليه الأمر من تقليل في مصداقيتهم، خاصة في ظل ضخ "الماكينة" الإعلامية والدبلوماسية في روسيا أن الغرب والكثير من دول العالم يعملون على منع تطور روسيا وإلصاق تهم باطلة بقيادتها، والتشكيك بما حققته من إنجازات. وفي المقابل، فإن وسائل الإعلام لا تريد التعرض لغرامات وإمكانية إغلاق مواقعها.