باتت سورية البلد الأخطر في العالم على الصحافيين، حيث أصدرت المنظمات الدوليّة المعنيّة بحريّة الصحافة في تقاريرها الدوريّة لنهاية هذا العام عدة إحصاءات تنتهي إلى هذه النتيجة. وجاء ذلك بعد ما يناهز الأربع سنوات من الانتهاكات المستمرّة بحقّ الإعلاميين والصحافيين السوريين والأجانب العاملين في سورية.... حتى باتت سورية مقبرة الصحافيين.
النظام السوري: الاعتقال والاغتيال
هذه الانتهاكات، بدأها النظام السوري مع انطلاق الثورة باعتقال المواطنين الصحافيين والمدونين والناشطين وتعذيبهم والتنكيل بهم، وقد استمرت إلى اليوم من قبل قوات النظام لكن بصورة لم تقتصر على عمليات الاعتقال والخطف المستمرة. لتشمل استهداف الصحافيين الذين يعملون على جبهات القتال من خلال إطلاق النار عليهم وقصف سياراتهم بالصواريخ الحرارية، كما حصل في مدينة الشيخ مسكين بريف درعا مع مطلع الشهر الحالي حين استهدفت قوات النظام السوري سيارة طاقم تلفزيون "أورينت" بصاروخ حراري أدى إلى مقتل مراسلي التلفزيون يوسف محمود الدوس ورامي عادل العاسمي، وزميلهما المصور سالم عبد الرحمن خليل، على الفور.
وكانت انتهاكات قوات النظام السوري والرقابة الصارمة التي فرضتها أجهزة استخباراته قد دفعت معظم الصحافيين والناشطين إلى مغادرة مناطق سيطرة النظام السوري قبل أن تتمكن قوات النظام من اعتقالهم.
ويوضح الصحافي أسعد حنا، الذي اضطرّه الخوف من ملاحقة قوات النظام إلى مغادرة مدينة حمص، أنّ "التضييق الأمني والاختراق المعلوماتي عن طريق مراقبة شبكة الانترنت وحسابات الصحافيين والناشطين من قبل الجيش السوري الالكتروني، المؤلف من مجموعة من الناشطين وخبراء الاتصالات الموالين للنظام السوري، دفعت الصحافيين والناشطين إلى الهرب من مناطق سيطرة النظام السوري قبل أن يلقوا مصير من تم اعتقالهم من قبل أجهزة النظام الأمنية، الذين وجهت لهم تهم كفيلة برميهم لسنوات طويلة في السجن، من قبيل التحريض ضد الحكومة ووهن نفسية الأمة والتخابر الخارجي وغيرها".
وخلص تقرير منظمة "مراسلون بلا حدود" RSF، إلى اعتبار سورية البلد الأكثر فتكاً بالصحافيين، لتتصدر سورية قائمة الدول الأكثر خطراً على الصحافيين للعام الثاني على التوالي وفق تقارير المنظمة.
أما منظمة "حَمَلة الشارة الدولية لحماية الصحافيين" CPJ فقد أكدت في تقريرها السنوي للعام الحالي أن سورية باتت تعتبر أكثر الدول خطورة على الصحافيين الذين يعملون على تغطية الأحداث في السنوات الخمس الماضية بعد مقتل 69 من الصحافيين فيها.
"داعش"... الوحش الجديد
وكانت أوضاع الصحافيين العاملين في سورية قد تدهورت بشكل تدريجي منذ مطلع العام، فقد دخل تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" على الخط، وباتت القوات الخاصّة التابعة له تقوم بعمليات دهم وتفتيش لاعتقال الصحافيين السوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ممّن عُرفوا بمناهضتهم للتنظيم وممارساته.
وتطورت انتهاكات التنظيم بحقّ الصحافيين والاعلاميين في ما بعد... فلم تعد تقتصر على الخطف والإخفاء القسري، بل امتدّت إلى عمليات إعدام بطرق مروّعة كما حصل مع الصحافي الأميركي، جايمس فولي، والذي بثّ تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) مقطعاً مصوراً يظهر عملية ذبحه في شهر أب/أغسطس الماضي، بعد مرور ما يقارب أكثر من سنتين على اختطافه في ريف إدلب من قبل التنظيم.ولحق بفولي أيضاً الصحافي ستيفن سوتلوف، الذي قطع "داعش" رأسه أيضاً.
وكان شهر يناير/كانون الثاني من السنة الحالية قد شهد دخول "داعش" كمنافس قوي لقوات النظام السوري في الانتهاكات المرتكبة بحق الاعلاميين والصحافيين، حيث قام "داعش" إبّان اندلاع الصدام الشامل بينه وبين فصائل المعارضة السورية باعتقال جميع الاعلاميين والصحافيين السوريين المعارضين للنظام السوري والصحافيين الأجانب الذين كانوا يعملون في مناطق سيطرة المعارضة، وذلك قبل أن يبسط "داعش" سيطرته عليها، ليبقى مصير هؤلاء الذين قام "داعش" باعتقالهم مجهولاً إلى اليوم.
وقد أدت حملات الاعتقال والخطف التي قام بها "داعش" إلى إفراغ مناطق سيطرته في محافظات الرقة ودير الزور وريف حلب الشرقي من أي صحافيين أو إعلاميين مهنيين، باستثناء عدد قليل من الناشطين الذين ما زالوا يعملون في مناطق سيطرة التنظيم بشكل سري. وكان "داعش" قد عُرف باستهدافه للصحافيين بشكل خاص، ذلك أنّ قيادة التنظيم تعتبر الصحافيين الذين يقومون بنقل صور وأخبار انتهاكات التنظيم ضد السكان في المناطق التي يسيطر عليها كـ"محرّضين ضد التنظيم"، يهدفون إلى "تأليب السكان ضده" وبالتالي اسقاط مشروعه الأمر الذي دفع قيادة التنظيم إلى إصدار حكم إعدام مسبق على كل من يتجرأ ويتعامل مع الصحافة العربية أو الأجنبية بدون موافقة مسبقة من قيادة "داعش".
وأصدر "داعش" بعد سيطرته على معظم مناطق مدينة دير الزور في شهر يوليو/تموز لائحةً تتضمن أحد عشر شرطاً يجب على من يرغب في العمل الاعلامي أو الصحافي في مناطق سيطرة التنظيم تطبيقها ليسمح له بالعمل. وجاء على رأس الشروط: إعلان الصحافي مبايعته لـ"الخليفة"، أبو بكر البغدادي، وتعهّده بالتعامل مع وكالات الأنباء العالمية دون التعامل مع وسائل الاعلام المكتوبة والمسموعة والمرئيّة العربيّة والدوليّة.
وكان لاستهداف "داعش" للصحافيين والمؤسسات الإعلاميّة أثر سلبي كبير على العمل الصحافي في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري، فعلى الرغم من تمكّن قوات المعارضة السورية من طرد التنظيم من معظم مناطق حلب وإدلب شمال البلاد، فإن المؤسسات الإعلاميّة والصحافيين العاملين في هذه المناطق لم يتمكنوا من تجاوز الأضرار الفادحة التي لحقت بهم نتيجة انتهاكات "داعش" المتكررة سابقاً بحقهم.
ويوضح الصحافي محمد السلوم، الذي يعمل في مناطق سيطرة المعارضة السورية في ريف إدلب شمال البلاد، أن "داعش تمكن من نشر الرعب بين الصحافيين الأمر الذي دفع عدداً كبيراً منهم لمغادرة البلاد خوفاً من الاغتيال أو الخطف، كما أن التنظيم قام أثناء فترة وجوده في مناطق إدلب وحلب بسلب تجهيزات عدد كبير من المؤسسات الاعلاميّة التي كانت تعمل في مناطق سيطرة المعارضة الأمر الذي كبد هذه المؤسسات خسائر ماديّة كبيرة".
الأكراد على الخط
باتت المناطق التي تسيطر عليها قوات الحماية الشعبية الكردية تشهد انتهاكات متكررة ضد الصحافيين منذ منتصف العام الحالي. ووثقت الشبكة السورية لحقوق الانسان قيام قوات الحماية الشعبية باعتقال مراسل تلفزيون "أورينت" في مدينة الدرباسية بريف الحسكة سعدون سينو في شهر أغسطس/آب الماضي.
وبقيت المعارضة السورية، الطرف الأقل استهدافاً للصحافيين في البلاد في العام الحالي، حيث لم تسجل عمليات اعتقال ممنهجة من قبل قوات المعارضة للصحافيين السوريين والأجانب والناشطين الإعلاميين الذين تمتعوا بدرجة حرية في العمل في مناطق سيطرة المعارضة، ليبقى الخطر الوحيد الذي يواجههم هو استهداف طيران قوات النظام لهم أو استهدافهم من قبل قوات النظام الأرضية حين قيامهم بتغطيات صحافية قرب جبهات القتال.
وعلى الرغم من قيام قوات المعارضة في حلب باعتقال عدة ناشطين اعلاميين في الأشهر الأولى من العام للتحقيق معهم بسبب ارتباط بعضهم وتأييده لتنظيم "داعش"، "إلا أن هذه الاعتقالات التي تميزت بقصر مدتها والتي لم يتجاوز معظمها الساعات أو الايام القليلة، ولا يمكن مقارنتها مع انتهاكات النظام السوري وتنظيم "داعش" الواسعة"، بحسب ما يرى الصحافي رأفت الرفاعي، والذي يعمل في حلب. ويؤكد أنّ "المعارضة لم ترتكب انتهاكات من شأنها التأثير على حرية الصحافيين في مناطق سيطرتها".
هذا كلّه، عدا عن أنّ هناك صحافيون مخطوفون في سورية، لا يُعرف مصيرهم.