تعتمد الدراما العربية في السنوات الأخيرة على المحسوبيات والعلاقات الشخصيَّة. وإن وضعنا المتطلبات التجاريّة للإنتاج العربي المشترك جانباً، فسنجد أنّ هذه الدراما تعاني من مشاكل أخرى، مثل ممارسة المنتجين للتسلط والعنصرية خصوصاً تجاه مجموعات معيّنة من فريق عمل الإنتاج.
في أكتوبر/تشرين الأوّل من عام 2019، اندلعت في لبنان انتفاضة شعبية ضد المنظمة السياسية الحاكمة، وأرخت تداعيات هذه الاحتجاجات بظلالها على معظم القطاعات، وبالأخص الاقتصاديَّة.
حرم معظم اللبنانيين المودعين في المصارف من التحكم بأموالهم، ومن الطبيعي أن ينعكس هذا الأمر على شركات الإنتاج اللبنانيَّة. كردّ فعل على هذا الواقع، اعتمدت هذه الشركات صيغة خاصّة فرضتها في معاملاتها، خصوصاً منصات العرض الخليجيَّة، وهو القبض بالدولار. هذا ما حصل فعلياً منذ اليوم الأوّل للأزمة، إذْ نشطت عجلة الإنتاج العربي في لبنان بعد الفرق لسعر صرف الدولار مقارنة مع الليرة اللبنانيَّة. لكن ثمّة مشكلة، إذْ يقبض الممثل العربي بالدولار، في حين أنّ الممثل اللبناني يقبض أجرته بالليرة اللبنانية.
يروي أحد الممثلين اللبنانيين المخضرمين تجربته في الصيف الماضي بعدما شارك في مسلسل عربي مشترك في بيروت، حول تعامل الشركة المنتجة مع الممثلين من لبنان وزملائهم من الخليج ودول عربية أخرى. ويعترف بأنّ الممثلين العرب تواجدوا في مقصورات مكيفة معدّة خصيصاً للتصوير، فيما الممثلون اللبنانيون، ورغم تاريخهم، جلسوا في غرف من دون تكييف في عز موسم الصيف والحر. لا يريد الممثل ذكر اسمه، خوفاً على عمله مع الشركة المنفذة، إذْ يعاني هو شخصياً من سوء الوضع الاقتصادي في لبنان، فيما يؤكد أنّ ثلث أجرة بعض الممثلين اللبنانيين تكون بالدولار الأميركي، وباقي المبلغ يدفع بالليرة اللبنانية، وهذا أقسى ما يمكن وصفه.
يقبض الممثل العربي بالدولار، في حين أنّ الممثل اللبناني يقبض أجرته بالليرة اللبنانية
السؤال: لماذا لا تقوم شركات الإنتاج اللبنانية بدفع المبالغ بالدولار، طالما أن أجرة الإنتاج بالكامل مكفولة من المحطات العربية والخليجية المساهمة حكماً في هذا الإنتاج، بل هي المنتج الأول وما الشركات سوى حركة تنفيذ لإتمام المسلسل وشحنه؟
ولا يسلم حتى بعض الممثلين المحترفين من التهميش لناحية الحق المعنوي، خصوصاً أنّ بعضهم رغم تاريخه في لبنان ليس معروفاً في الخليج أو القاهرة. وهنا نصل إلى المشكلة الثانية في طريقة إضافة الأسماء إلى التراتبية التي من المفترض أن تُراعى.
لكن كلّ ذلك يقع أمام جهل المخرج أو مساعديه من المنتجين المنفذين بقيمة أو مكانة الممثل والممثلة من لبنان. وهذا ما تسبب بمشاكل كثيرة حصلت قبل أشهر، وما زالت حتى اليوم مصدر خلاف بين المنتجين العرب وبين الممثلين اللبنانيين. بعضهم أعلن بشكل نهائي عن عدم التعاون مع الشركة المنتجة والمخرجين بسبب سوء المعاملة وتهميش تاريخهم الفني معنوياً. والمعروف أنّ شركات الإنتاج العربية تمنع منعاً باتاً أيّ شرط إضافي على عقود العمل التي تجيزها مع الممثلين اللبنانيين، وهي وضعت لهذا الغرض بنداً ضمن العقد لتكفل حقها بالاستخفاف بجهود الممثلين اللبنانيين.