حين اقتحمت الصحافية الروسية مارينا أوفسيانيكوفا استديو البرنامج الإخباري "فريميا" أو "الوقت" الأكثر مشاهدة في روسيا وهي تلوح بلافتة كتب عليها "لا للحرب"، في مارس/آذار الماضي، احتجاجاً على غزو أوكرانيا، كانت تتوقع ردة فعل عنيفة من بلدها الأمّ، إنما ليس من العالم كلّه.
بعد ثلاثة أشهر من هذه الخطوة الاحتجاجية، باتت مارينا أوفسيانيكوفا (43 عاماً) تقيم في المنفى، وتتخوف من العودة إلى روسيا مع طفليها، وهما في الـ 11 والـ 17 من العمر، خشية من اعتقالها. لكنها تواجه في الوقت نفسه ردة فعل عدائية من أوكرانيا والغرب، حيث يتهمها البعض بأنها جاسوسة وبأنها لا تزال جزءاً من الآلة الدعائية الروسية.
وقالت أوفسيانيكوفا لوكالة فرانس برس، من العاصمة الألمانية برلين حيث يفترض أن تلقي كلمة في منتدى المرأة العالمي للاقتصاد والمجتمع: "أنا عالقة وسط حرب المعلومات هذه". وأضافت: "هذا الوضع شديد الصعوبة عليّ. لم أتوقع أن تحصل معي هذه الأمور بعد احتجاجي".
كانت أوفسيانيكوفا، المولودة لأم روسية وأب أوكراني في أوديسا، تعمل محررة في القناة الأولى التابعة للتلفزيون الحكومي الروسي حتى مارس/آذار الماضي، قبل أن تتصدر عناوين الأخبار حول العالم، بعدما اقتحمت استديو البرنامج الإخباري "فريميا" أو "الوقت" الأكثر مشاهدة في روسيا وهي تلوح بلافتة كتب عليها "لا للحرب" باللغة الإنكليزية. وكتبت على اللافتة نفسها باللغة الروسية: "أوقفوا الحرب. لا تصدقوا الدعاية. إنهم يكذبون عليكم هنا".
واعتقلت السلطات الروسية أوفسيانيكوفا مباشرة، واستجوبتها لمدة 14 ساعة قبل إطلاق سراحها، وفرضت محكمة في موسكو عليها غرامة تبلغ 30 ألف روبل (280 دولاراً أميركياً). وعلى الرغم من إطلاق سراحها، فإنها لا تزال تواجه مزيداً من الملاحقات القضائية واحتمال السجن لسنوات بموجب قوانين جديدة صارمة.
لفتت القضية انتباه العالم، وأثارت القلق بشأن حرية الصحافة في روسيا، في أعقاب قرار الرئيس فلاديمير بوتين إرسال قواته العسكرية إلى أوكرانيا. وفي أعقاب احتجاج أوفسيانيكوفا مباشرة، أشاد الغرب بها، ووصفها بالبطلة، وحصلت على وظيفة جديدة كمراسلة مستقلة لصالح صحيفة دي فيلت الألمانية.
لكن متحدثة باسم الصحيفة الألمانية أكدت لـ "فرانس برس"، الخميس، أن الصحافية الروسية لم تعد تعمل معهم. ووفقاً لمصادر من داخل إدارة التحرير في "دي فيلت"، فإن ترتيبات التعاون مع أوفسيانيكوفا "لم تكن مناسبة، وكانت جديدة على الطرفين".
في أوائل يونيو/حزيران الحالي، سافرت أوفسيانيكوفا إلى أوكرانيا، لتغطية أحداث الحرب لصالح وسائل إعلام روسية. وقالت: "أردت أن أكشف للروس ما يحدث بالفعل في بوتشا... أردت أن أشرح لهم ما يحدث فعلاً في أوكرانيا، وربما أن أسجل مقابلة مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي". وأضافت: "الروس يعيشون الآن في فراغ مطلق. ليس لديهم معلومات حقيقية، لأن كل وسائل الإعلام المستقلة في روسيا محجوبة الآن، هناك فقط المعلومات التي تصدر من جانب الكرملين".
لكن الصحافية الروسية قوبلت بموجة من العداء من جانب النقّاد الذين يشتبهون في أنها لا تزال تعمل سراً لصالح موسكو. وكتبت الصحافية الأوكرانية أولغا توكاريوك على موقع تويتر: "الأوكرانيون لا يثقون في التغيير المفاجئ لموقفها". ووصفت توكاريوك تغطيات أوفسيانيكوفا من الخطوط الأمامية بأنها "مفبركة، وغير صحيحة، وفوقية".
أمضت أوفسيانيكوفا جزءاً كبيراً من طفولتها في غروزني، عاصمة مقاطعة الشيشان الانفصالية. وقالت: "عندما كنت طفلة، دُمر منزلي في غروزني. لذلك أشعر أنني أفهم ما تشعر به النساء والأطفال الأوكرانيون الآن. بما سيستغرق الأمر بضعة أشهر حتى يبدأ الأشخاص من أوكرانيا في فهم أن هناك أيضاً أشخاصاً روساً طيبين يحتجون على الحرب".
أما بالنسبة لمستقبلها، فهي تبحث عن وظيفة جديدة، لكن في الوقت الحالي، فإن العودة إلى روسيا غير مطروحة.
يذكر أن روسيا تراجعت 5 مراتب هذا العام في مؤشر حرية الصحافة الذي تعده منظمة مراسلون بلا حدود، لتحتل المركز الـ 155 من أصل 188 بلداً، مباشرة بعد أذربيجان وقبل أفغانستان التي تحكمها حركة طالبان منذ صيف العام الماضي.
وذكر تقرير المنظمة الحقوقية أنه منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، في فبراير/شباط الماضي، حظرت جميع وسائل الإعلام المستقلة أو حجبت أو أعلنت منابر "عميلة لجهات أجنبية"، بينما أصبحت وسائل الإعلام الأخرى خاضعة للرقابة العسكرية.
وعدّدت المنظمة الدولية أكثر من دليل على تراجع مستوى الحريات، بينها إغلاق إذاعة إيخو موسكفا (صدى موسكو)، ووقف بث قناة دوجد، وتوقف صدور صحيفة نوفايا غازيتا، ، إلى جانب استهداف الجيش الروسي "مصادر إخبارية عدة، محاولاً إجبار وسائل الإعلام المحلية على التعاون معه". ولفت التقرير إلى أنّ الحكومة سيطرت بالكامل على مصادر المعلومات، وفرضت رقابة عسكرية واسعة النطاق، وحجبت وسائل الإعلام المعارضة، واضطهدت الصحافيين المتمردين، وأجبرتهم على الهجرة الجماعية. وذكّر بأنّ القيود تصاعدت منذ بداية عام 2021، بعد تشديد قانون "العملاء الأجانب" ومحاكمة السياسي والمدون المعارض أليكسي نافالني المعتقل حالياً.