صحافيو غزة في عين الإبادة... شهداء ومفقودون وأسرى

08 أكتوبر 2024
مراسل التلفزيون العربي في شمالي غزة إسلام بدر (إكس)
+ الخط -

عام كامل منذ بدء حرب الإبادة في قطاع غزة، ولم يتغير الكثير مع توسع العدوان شمالاً حيث لبنان والتهديدات الإسرائيلية المتصاعدة للمنطقة. صحافيو غزة منذ عام في عين العاصفة، إذ باتوا جزءاً من المشهد لا في نقله وتغطيته للعالم، بل أضحوا أعداداً من ضمن ضحايا الحرب القاسية وأسراها وجرحاها ومفقوديها.
وبات ما ينطبق على الغزيين ينطبق تماماً على الصحافيين الذين فقدوا نحو 180 صحافياً وعاملاً بوسائل الإعلام ومقارها استشهدوا خلال العام الفائت إلى جانب اعتقال نحو 33 صحافياً وعاملاً في وسائل الإعلام من قبل الاحتلال الإسرائيلي واستمرار فقدان التواصل وغياب المعلومات عن مصورين صحافيين فقدا قبل عام بالضبط عند حاجز بيت حانون/إيرز شمالي القطاع هما نضال الوحيدي وهيثم عبد الواحد.
منذ بدأت إسرائيل حربها الواسعة على قطاع غزة وفي اللحظات الأولى منها، وضعت الصحافيين في عين العاصفة ووزعت الاتهامات لتطاول مصورين صحافيين غزيين تمكنوا من دخول مستوطنات الغلاف وتصويرها بزعم انتمائهم إلى فصائل المقاومة في حجة استخدمتها لاحقاً في توجيه اتهامات إلى صحافيين معتقلين واستهداف وقتل آخرين وملاحقة من بقوا على قيد الحياة وإشعارهم من خلال التركيز عليهم بانعدام الأمان وربما دفعهم إلى وقف التغطية.
وتختلف أرقام الشهداء من الصحافيين بين مؤسسة وأخرى، ومن الطبيعي أن هذا الخلاف لم يكن موجوداً في الحروب والتصعيدات السابقة في القطاع الساحلي المحاصر والمدمر، لكن ظروف العمل في ظل الإبادة وصعوبات التواصل وتعدد جهات الرصد والتوثيق جعلت من الأرقام مختلفة.
وتعتمد بعض المصادر في توثيقها لأعداد الشهداء الضحايا على إضافة كل من يعمل في وسائل الإعلام صحافياً أو عاملاً أو مساعداً أو فنياً وتضيفه إلى قائمة الصحافيين، فيما تعتمد المؤسسات الدولية والعربية على من يعمل بانتظام مع وسيلة إعلام معروفة والبعض لا يعير حتى اهتماماً بصحافيي العمل الحر.
ويعتقد الصحافيون الفلسطينيون أنّ استهدافهم وملاحقتهم منذ بدء حرب الإبادة تهدف إلى ترهيبهم ومنعهم من القيام بواجبهم المهني في التغطية، وإشعارهم بعدم الأمان والقلق والتوتر الدائم. وهذا ليس ما يعيشه الصحافيون فقط، بل يعيشون الظروف ذاتها التي يعيشها 2.5 مليون فلسطيني في القطاع مشردين ونازحين وباحثين عن الطعام والشراب والعلاج وأدنى مقومات الحياة الآدمية التي تحرمهم إسرائيل منها.
ووفق تقرير يرصد الانتهاكات ضد الصحافيين أصدره مركز "الميزان" لحقوق الإنسان ومقره غزة، أضحى 33 صحافياً وعاملاً في وسائل الإعلام من ضمن المعتقلين في هذه الحرب. والتقرير يقول كذلك إنّ المصورين الصحافيين هي الفئة الأعلى بين الصحافيين المستهدفين والضحايا بنسبة (33.5%)، ثمّ تأتي فئة المراسلين الصحافيين لوسائل الإعلام المختلفة ثانياً بنسبة (29.8%)، ثمّ فئة العاملين في مجال التحرير الصحافي بنسبة (12.5%)، وبعد ذلك يأتي الكتاب الصحافيون بنسبة (10.9%)، ثمّ فئة المذيعين في الإذاعات المحلية بنسبة (4.6%)، ثمّ فئة مقدمي البرامج الإعلامية والفنيين (الصوت والصورة والاستوديوهات الإعلامية) بالنسبة نفسها (4.1%)، وأخيراً تأتي فئة المخرجين الصحافيين بنسبة (0.5%).
والعدد الأكبر من الشهداء الصحافيين والعاملين في حقل الإعلام يعملون في وسائل إعلام محلية، حيث بلغت نسبتهم (92.2%)، ثم جاء العاملون في وسائل الإعلام الإقليمية بنسبة (6.3%)، وأخيراً جاء العاملون في وسائل الإعلام الدولية بنسبة (1.5%).
في الميدان، يلبس الصحافيون والمصورون ومعاونوهم السترات الواقية والخوذ، لكنها لا تحميهم من الاستهداف والملاحقة الإسرائيلية. إلى جانب ذلك، يعانون كما الجميع لتأمين الطعام والشراب والظروف الملائمة لعوائلهم وأطفالهم، كما يعانون لتأمين المستلزمات الضرورية لإتمام أعمالهم.
وفي 19 ديسمبر/كانون أول العام الماضي، تعرض مراسل التلفزيون العربي في شمالي غزة إسلام بدر للإصابة عندما كان يمر بجوار منزل استهدفته الطائرات الحربية الإسرائيلية، وفي حينه كان القطاع الصحي منهاراً تماماً فاضطر إلى تلقي أقل العلاجات وبعضها في الشارع ونقاط طبية بسيطة، لكن الإصابة لم تمنعه من العودة إلى التغطية بعد أيام من التعافي الجزئي.
يقول إسلام لـ"العربي الجديد" إنّ هذه الحرب استثنائية وفرضت تغطية استثنائية وطريقة عمل استثنائية، فالتغطية صعبة للغاية ودموية مع فقد عدد كبير من الشهداء الصحافيين وتعرض المؤسسات الإعلامية للاستهداف المباشر، متحدثاً عن تحديات كبيرة سواء الأمنية المتعلقة بسلامة الصحافيين أو التقنية، كانقطاع الإنترنت وتدمير المعدات الفنية، وكثافة الغارات والأحداث.
يشير إسلام إلى أنه في كثير من الأوقات يُفاضَل بين الأحداث لسرعتها وتغيب بعض المجازر لأن الأحداث متسارعة، موضحاً أنّ الصحافي الفلسطيني يعمل منذ بداية الحرب "بدون راحة ولا إجازات وبعمل مستمر، ويضطر إلى المبيت في الشارع إضافة إلى تحمل الظروف النفسية نتيجة المشاهد الفادحة والقاسية التي يوثقها".
ويلفت إلى إشكاليات فنية وتقنية متعددة ترافق التغطية المتواصلة للحرب. يقول كذلك: "ما زلنا نواصل صعوبة في الوصول إلى المعلومة، وانقطاع الإنترنت يقلل من قدرتنا على التغطية، نضطر إلى الذهاب لمناطق عالية للوصول إلى الإنترنت وهذا يشكل خطراً علينا.. لا توجد معدات فالمعدات الموجودة ليست مؤهلة للعمل بجودة عالية للقيام بدورنا المهني".
ومنذ بداية الحرب واضطرار أسرته إلى النزوح جنوباً لم يلتقِ إسلام بدر زوجتَه وأطفاله ما يشكل عبئاً إضافياً عليه ويقلقه. ويشير إلى أنّ ما يعانيه الفلسطينيون جميعاً يعانيه الصحافيون، فالاحتلال لديه "شيك مفتوح لارتكاب المجازر في غزة ولا محاسب له".

وتتشابه الظروف ذاتها مع مراسل قناة TRT الفضائية سامي برهوم الذي أصيب أكثر من مرة، ونجا من القصف الإسرائيلي والاستهداف المباشر 5 مرات. يقول برهوم لـ"العربي الجديد" إنه في 12 إبريل/نيسان المنصرم كان في مهمة صحافية في مخيم النصيرات وسط القطاع مع المصور الصحافي سامي شحادة، وتعرضا لقذيفة إسرائيلية مباشرة أدت إلى بتر القدم اليمنى لزميله سامي وأصيب هو إصاباتٍ طفيفةً. يشير سامي إلى أنّ "الاستهداف الإسرائيلي حصل في منطقة مفتوحة، ترانا فيها الطائرات.. لكن يبدو أنّ جيش الاحتلال تعمد الاستهداف رغم سهولة تمييزنا صحافيينَ نرتدي السترة الواقية والخوذ ونضع علامات الصحافة على سيارتنا".
يحكي سامي عن العمل في ظل تحديات صعبة للغاية يعيشها الصحافيون في قطاع غزة. يقول: "نحن معرضون للخطر ونحن أمام رسالة متواصلة من الميدان، ننقل كل أوجه الإبادة المتواصلة من ارتكاب المجازر وتدمير القطاع ونرصد ما يجري".
وعلى مدار عام كامل من التغطية، تنقل سامي برهوم من الشمال إلى الجنوب، ويعيش اليوم في خيمة وينام في الشارع والسيارة لتستمر التغطية ويواصل نقل ما يصفها بـ"أشرس الحروب في هذا العصر الحديث"، مشيراً إلى أنّ ما يجري في غزة "حرب إبادة، ونحن الصحافيين جزء منها، فلا يوجد صحافي في غزة إلا فقد أحداً من أهله أو أقاربه أو أصحابه أو منزله أو نجا من الموت أكثر من مرة".
ويشير برهوم إلى الصعوبات التي تعترض الصحافيين في غزة، ويبدؤها بـ"غياب الحصانة" فلا مكان آمناً للصحافيين، غير أنه يلفت إلى أنّ الصحافي الفلسطيني "أمام مسؤولية مهنية وإنسانية ومستنزف للغاية، لا يعلم في قادم الأيام من سيكون شهيداً بيننا لأن إسرائيل تزعجها الصورة".
في السابع من يناير/كانون الثاني الماضي أصيب المصور الصحافي حازم رجب في استهداف السيارة التي يستقلها رفقة عدد من الصحافيين أثناء مهمة عمل بمدينة رفح جنوبي قطاع غزة ليستشهد في الضربة الجوية الصحافيان مصطفى ثريا وحمزة الدحدوح والسائق قصي سالم. فقد حازم النظر في عينه اليمنى وأصيب بضعف شديد في السمع وكاد يفقد يده اليمنى، لكن الأطباء تمكنوا من الحفاظ عليها بعد إجراء 17 عملية في المشفى. كان حازم يحاول السفر للعلاج خارج غزة في ذلك الوقت لكنه لم يتمكن، فاضطر في ظل سوء حالته الصحية إلى دفع بدل التنسيق والسفر لمصر على نفقته الخاصة ليستكمل علاجه بعد ثلاثة أشهر من الإصابة.
ورغم رحلة العلاج الطويلة في مصر، يقول رجب لـ"العربي الجديد": "ما زلت فاقداً للرؤية بالعين اليمنى وأعاني مشاكل بالسمع ولا أستطيع تحريك يدي.. لكن يراودني شعور بالاحباط من الناحية النفسية والجسدية والمالية لأني لم أجد من يقف بجانبي في هذه المحنة وهذا يضيف ضغطاً على وضعي الصحي".
ولم تحاسب إسرائيل على قتلها للصحافيين كما المدنيين في غزة، ويقول حازم رجب إنّ "قتلة الصحافيين لا يحاسبون بسبب الحصانة التي تتمتع بها إسرائيل وعدم وجود ضغط كاف وآليات قانونية تفرض المساءلة والمحاسبة عليهم".
على الجانب الآخر، لا تزال المصورة والمحررة الصحافية دعاء الحرازين تتنقل للتغطية في المحافظات الجنوبية من قطاع غزة بعد نزوحها هناك. تقول الحرازين لـ"العربي الجديد" إنّ "هذه الحرب قاسية جداً، فقدنا الكثير فيها ورأينا الكثير، لكن هذه الأشياء تزيدنا عزيمة"، مشيرةً إلى أنه "من اليوم الأول راهن الصحافيون على استكمال العمل رغم مأساوية الوضع والعراقيل الكثيرة الموجودة، لقد ناموا في الشارع ولم نجد أي راحة في العمل، وكنا مع النازحين ولم نشعر إلا بأهمية استمرار التغطية".

المساهمون