"لا أريد تكرار تجربة صديقي جيانغ، لدي حلم كبير أسعى إلى تحقيقه"، بهذه الكلمات علل الكومبارس بياو جاو (25 عاماً) سبب رفضه عرضاً لتمثيل دور صغير يجسّد فيه شخصية جندي ياباني يقتل مدنيين صينيين في معركة دارت رحاها في مدينة شانغهاي عام 1937.
ويضيف في حديثه لـ "العربي الجديد"، منذ دخولي عالم التمثيل، كنت أحلم بدور ضابط أو جندي يدافع عن الأمة الصينية ويقاتل ببسالة ضد المستعمر الياباني، ويموت من أجل وطنه، لكن تجربتي الفقيرة لا تؤهلني لذلك، غير أني شاركت في بعض الأدوار الصغيرة، ولدي أمل كبير في الحصول على هذه الفرصة يوماً ما، لأكون مصدر فخر واعتزاز لأمي وسكان قريتي.
وعن تجربة صديقه، يقول بياو جاو، بأنه كومبارس ظهر في أكثر من عمل سينمائي بدور جندي ياباني يسفك دماء الصينيين، مما جعله شخصية منبوذة في المجتمع، وبالرغم من أن دوره صغير جداً، فإن المشاهدين حفظوا ملامح وجهه القاسية، وبات يتعرّض لمضايقات لفظية في كل مكان يوجد فيه، وقد تسبب له ذلك بأزمة نفسية، ما جعله يعزف عن فكرة التمثيل إلى غير رجعة، رغم أنه كان موهوباً ومثابراً. تلخص قصة جيانغ، مدى تأثير ودور الأفلام والمسلسلات التلفزيونية الصينية المعادية لليابان، في تأجيج مشاعر الكراهية لدى الشعب الصيني تجاه الدولة المجاورة، بالرغم من أن البلدين تجاوزا حقبة الحرب منذ إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1972.
ويرجع تاريخ المشاعر السلبية تجاه اليابان إلى عهد أسرة تشينغ، آخر السلالات الحاكمة في الصين، وبالتحديد في أعقاب الحرب اليابانية الصينية الأولى التي اندلعت بين عامي (1894-1895)، وأسفرت عن توقيع الحكومة الصينية على معاهدة شيمونوسيكي التي كرست انتصار الإمبراطورية اليابانية وأكدت سيطرتها وهيمنتها وتفوقها العسكري في منطقة شرق آسيا على حساب الصين.
وتصاعدت حدة المشاعر العدائية مع دخول البلدين في حرب ثانية عام 1937 استمرت ثماني سنوات، كانت الأكثر دموية في تاريخ الصين الحديث، حيث شهدت ارتكاب الجيش الياباني عدة مجازر بحق الشعب الصيني، لعل أبرزها: مذبحة نانجينغ التي راح ضحيتها حوالي ثلاثمائة ألف شخص. بالإضافة إلى قضايا أخرى حساسة لها علاقة بالحرب لا تزال شائكة حتى اليوم، مثل ما يعرف بـ "نساء المتعة"، وهو مصطلح استخدم لوصف نساء صينيات وكوريات أجبرن على العمل في البغاء أثناء الحرب لإشباع الرغبات الجنسية لدى الجنود اليابانيين. وكذلك وجود بعض الجزر المتنازع عليها والتي لا تزال أحد الملفات الساخنة بين البلدين.
70 في المائة من إجمالي الأعمال التلفزيونية والسينمائية الصينية معادية لليابان
وللوقوف على دور صناع السينما في تأجيج مشاعر الكراهية تجاه اليابان، يكفي الاطلاع على عدد الأفلام والمسلسلات الصينية التي تتمحور حول مقاومة الغزو الياباني. فقد أظهرت دراسة حديثة نشرت مؤخراً في دوريات محلية خاصة بقطاع الإنتاج السينمائي في البلاد، بأن نحو 70 في المائة من إجمالي الأعمال التلفزيونية والسينمائية الصينية معادية لليابان، حيث تم إنتاج 100 فيلم سينمائي في عام 2019، وأكثر من سبعين برنامجا تلفزيونيا تتمحور جميعها حول الحقبة الاستعمارية ومقاومة الثوار الشيوعيين للغزاة اليابانيين. وحسب الدراسة، فإن عام 2012، كان أكثر الأعوام غزارة، إذ شهد إنتاج أكثر من مائتي فيلم مناهض لليابان. وتصوّر معظم هذه الأعمال في قرية الإنتاج السينمائي بمنطقة جيجيانغ شرق البلاد، التي تعتبر آلة الدعاية الصينية، نظراً لاستئثارها بأكثر من 55 في المائة من إجمالي الأفلام المنتجة سنوياً.
في تعليقه على هذا الأمر، قال الناقد السينمائي المقيم في هونغ كونغ، ستيفان يونغ، إن السياسة هي المحرك الرئيسي والموجّه الأول لاستوديوهات السينما الصينية، فضلاً عن أن الرقابة الحكومية على قطاع الإنتاج السينمائي ستفرز بطبيعة الحال مخرجين مدجنين يقدمون قصصاً جاهزة للاستهلاك لاعتقادهم بأن الموضوعات المعادية لليابان ستلقى قبولاً وستضعهم في خانة الفنانين الوطنيين الذين يستحقون التكريم والثناء.
عام 2012، كان أكثر الأعوام غزارة، إذ شهد إنتاج أكثر من مائتي فيلم مناهض لليابان
وأضاف ستيفان في حديثه لـ "العربي الجديد"، بأن جزءاً من التوجّه السينمائي نحو الأعمال المعادية لطوكيو له علاقة برغبة بكين في صرف الأنظار عن ممارسات قمعية داخلية، مرتبطة بفترة الاضطرابات التي شهدتها البلاد أثناء أحداث ساحة تيان آنمن عام 1989، ومن قبل ذلك الثورة الثقافية التي اندلعت في ستينيات القرن الماضي وأدت إلى مقتل مئات الآلاف من الصينيين. كما أشار إلى جزء آخر له علاقة بالصراع بين الشيوعيين والوطنيين أثناء الحرب الأهلية الصينية، معتبراً أن عدداً كبيراً من الأفلام التي أنتجت خلال العقدين الماضيين، وإن كانت تتمركز حول معاداة اليابان، فإنها عملت على تمجيد دور الشيوعيين في مقاومة الاحتلال الياباني، على خلاف الوطنيين الذين ظهروا حسب تلك الأعمال كعملاء للغرب والقوى الاستعمارية.
وحول تأثير دور السينما في تأجيج مشاعر الكراهية، قال ستيفان يونغ، لك أن تتخيل إنتاج أكثر من مائتي فيلم في عام واحد، نعم هناك مجازر ارتكبت وشواهد تؤكد وتوثق كل ما حدث خلال فترة الحرب، لكن تصوير ذلك وتسويقه على هذا النحو، ستكون له تداعيات خطيرة، خصوصاً أن النزاعات بين البلدين لا تزال مستمرة. حتى في حال قرر الطرفان على المستوى السياسي التوصل إلى تسوية ما في المستقبل، سيكون من الصعب على القيادة الصينية إقناع شعبها بأي تنازلات، وشبّه ذلك بتداعيات سياسة الطفل الواحد التي انتهجتها الصين في أواخر سبعينيات القرن الماضي، حيث تواجه اليوم رفضاً شعبياً وعزوفاً عن الإنجاب بعد إلغاء هذه السياسة عام 2015 والسماح بإنجاب طفل ثان.