عام 2015، احتضنت صالة "موزاييك رومز" في لندن، معرضاً بعنوان "مشهد التداول"، للفنانة التشكيلية والمصممة الفلسطينية ضياء البطل، المتخصصة في التصميم المكاني وتوظيف جمالية الخط العربي والفن التقليدي في أعمالها وتصاميمها، وهي ابنة الصحافي والكاتب الفلسطيني الراحل حسن البطل، والنحاتة الشهيرة الراحلة منى السعودي.
استلهمت ضياء البطل (1978 - 2023)، التي رحلت في 28 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في معرضها ذاك، حكايات شهداء من أطفال غزة ممن استهدفهم العدوان الإسرائيلي على القطاع عام 2014.
ومن هذه الأعمال، واحد بعنوان "المشربية" تناول حكاية شهيرة لأطفال قصفتهم الطائرة وهم يلعبون كرة القدم على شاطئ غزة. كان هذا العمل التركيبي على قماش أبيض، حيث أسماء الأطفال مطرزة بأحرف عربية، ولكل اسم لون. استخدمت البطل في ذلك المعرض وسائط متعددة، فكان من بين المعارض اللافتة في مهرجان لندن للتصميم، إذ حولت الخط العربي إلى قطع فنية، في سعي منها لإشراك الجمهور في القضايا المعاصرة للهوية والانتماء.
لم تغب فكرة البيت عن أعمال البطل، كما النصوص المأخوذة من شعر محمود درويش. ففي ذات المعرض، كان ثمة أعمال تشير إلى البلد المُحتل، والحيّز المفقود، في إحالات حول التهجير، حيث الأدوات الملاحية، كالبوصلة وشباك الصيادين المجتزأة وغيرها في أعمال فنية.
في أحد أعمالها التركيبة، "حسن وسعيد" (2017)، استعادت عبارة جدتها مريم عن بلدة الطيرة في حيفا، التي هُجر منها أهلها عام 1948. عبارة كانت قد قالتها الجدة لابنها (والد ضياء)، الكاتب والصحافي حسن البطل إن "ميّة بدنا من سبع جبال، والبيت حجر، والبحر قدّامنا".
وكانت البطل قد شاركت، عام 2013، والدتها النحاتة منى السعودي، في معرض مشترك تكريماً للشاعر الفلسطيني محمود درويش. ففي مارس/ آذار من ذلك العام، احتضن غاليري "جاكاراندا" في عمّان، معرضاً جاء في كتيّبه الخاص، بكلماتها: "منذ الطفولة أستمع لتسجيلات أشعار درويش، وكنت أحضر أمسياته الشعرية في عمّان وبيروت خلال دراستي الجامعية. وحين كنت في الجامعة، استخدمت فن الحفر لطباعة قصيدة "على هذه الأرض ما يستحق الحياة" على لوحتي، وكتبت له على الخلف: قد لا تعلم أن شعرك هو أحد الأشياء التي تستحق الحياة، وكنت محرجة جداً أن أعطيها له، فقرعت جرس منزله في عمّان وسلمتها له بسرعة، ولقد احتفظ بها على رفّ في مكتبته".
وكان من بين أعمالها البارزة مشاركتها عام 2010، في إنجاز رسومات كتاب "قول يا طير" الشهير بروايته حكايات الجدّات الفلسطينيات، بنسخته المخصصة للأطفال، وكتب عنها والدها في مقال له في زاويته "أطراف النهار" بجريدة "الأيام" الفلسطينية، وقتذاك: "ثلاث فتيات موهوبات من ثلاثة بلدان عربية هي فلسطين وسورية ولبنان أنجزن، تحديثاً جميلاً مصوّراً برسوم، لإحدى دُرَر الخرافيّات الشعبية الموروثة بين دفّتي كتاب "قول يا طير"، وهن: ضياء حسن البطل، وجنى فواز الطرابلسي، وصفاء نذير نبعة، فيما الإخراج للفنانة التشكيلية والنحاتة منى السعودي.
من بين آخر أعمالها، كولاج مستوحى من قصة "القارب المتروك للموت". يتناول العمل ما حدث في مارس/ آذار 2011، إذ واجه قارب يحمل 72 راكباً، بينهم العديد من النساء والأطفال الصغار واللاجئين السياسيين، الموت، جلّهم أفارقة، بعد مغادرة طرابلس إلى جزيرة لامبيدوسا الإيطالية. فعلى الرغم من التحذيرات التي وصلت إلى خفر السواحل الإيطالي، واتصال القارب بمروحية عسكرية وسفينة حربية، لم تحصل أي محاولة إنقاذ.
كانت البطل، عبر استعاداتها الدائمة لفكرة البيت، والتهجير، والهوية، والانتماء، بما في ذلك عملها متعدد الوسائط الذي أنجزته في إطار معرضها "مشهد التداول"، وأنجزته بالتعاون مع الفنانة مايا شامي، تستشكف قصة جدتها من خلال الروايات المجزأة لرحلة اللجوء.. جدتها التي أجبرت على مغادرة بيتها في فلسطين، ولم تتمكن من العودة أبداً، وهو ما أنجز على هيئة فيلم رسوم متحركة يدرس تبعات الهجرة القسرية، وكيف وأين يمكن أن تبقى فكرة الوطن بعد كل هذه الحروب.