تمارس النساء الفلسطينيات داخل القرى والبلدات الفلسطينية فن التطريز الذي يوظف غالباً في تزيين الملابس والمفارش والوسائد. تختلف الأنماط والألوان المستخدمة في تطريز ملابس النساء بين منطقة وأخرى في فلسطين، حتى إنه يمكن التعرف إلى المدينة أو البلدة التي تنتمي إليها المرأة من خلال نوعية التطريز التي تزين ملابسها. لهذا، ينظر دائماً إلى هذا الفن على أنه جزء من الهوية الفلسطينية ورمز من رموزها.
على الرغم من هذه المكانة التي يتمتع بها التطريز في الثقافة والوجدان الفلسطينيين، إلا أنه فن مهدد بالضياع، نظراً إلى الأوضاع المأساوية التي يعيشها الشعب الفلسطيني منذ النكبة. تؤثر هذه الأوضاع المعيشية والنزوح المستمر للفلسطينيين على الميراث الثقافي النادر لفن التطريز، إذ تقطع خطوط التواصل وانتقال الخبرات بين جيل وآخر.
وبفضل جهود بعض الشخصيات والمؤسسات، أمكن جمع كثير من هذا الموروث على هيئة صور ومنسوجات. من بين أبرز هذه الجهود، ما قام به الفنانان الفلسطينيان سليمان منصور ونبيل عناني، اللذين كرّسا جهدهما لجمع تصاميم التطريز من القرى والبلدات الفلسطينية، ووظفا ما استطاعا جمعه في أعمالهما الفنية. ولكن، على الرغم من هذه الجهود، إلا أنها تظل في النهاية حبيسة المتاحف والمؤسسات الثقافية، إذا لم تُوظّف عملياً، وهو الأمر الذي انتبهت إليه رائدة الأعمال الفلسطينية زين المصري.
هذه التصاميم التي جمعها كل من منصور وعناني وغيرهما، كانت من بين المصادر التي اعتمدت عليها الشابة الفلسطينية حين شرعت في إنشاء منصة طرازين، وهي منصة رقمية مخصصة لفن التطريز الفلسطيني. تضم "طرازين" أرشيفاً ومكتبة رقمية بهدف الحفاظ على تصاميم التطريز الفلسطينية التاريخية من الاندثار. جمعت المنصة حتى الآن أكثر من ألف تصميم عبر مصادر مختلفة، ليس بهدف الحفاظ على فن التطريز الفلسطيني فقط، بل إتاحة تعلمه أيضاً بشكل سهل وغير مكلف لمن يريد.
تعلّم التطريز عبر المنصة
ما يميز منصة طرازين من غيرها من المشاريع الأخرى التي تهدف إلى جمع التراث الفلسطيني، أنها تتيح مجموعة كبيرة من تصاميم التطريز بطريقة سهلة ومجانية. يمكن للراغبين في تعلم التطريز الفلسطيني تنزيل هذه التصميمات بجودة عالية عبر هذه المنصة، والاهتداء بالتعليمات المرفقة مع كل تصميم من أجل تنفيذه بدقة.
بدأت زين المصري هذا المشروع عام 2021 أثناء فترة الإغلاق بسبب وباء كورونا، إذ فكرت حينها في شغل وقتها بأعمال التطريز التي تعلمتها وهي صغيرة. انخرطت المصري بالفعل ضمن عدد من المجموعات المهتمة بهذا الفن على الإنترنت، ولكنها سرعان ما لاحظت ندرة التصاميم عالية الدقة التي يمكن الحصول عليها عبر الفضاء الإلكتروني. كان معظم هذه التصاميم، كما تقول المصري، إما غير واضحة وإما غير مكتملة وإما خالية من الألوان، ومن هنا جاءتها فكرة المنصة الرقمية. حين شرعت المصري في إنشاء منصتها الرقمية واجهتها عقبة أخرى، تتمثل في رقمنة هذه التصاميم التي جمعتها من مصادر مختلفة، وهي عملية شاقة تستغرق ساعات. قبلت الشابة الفلسطينية هذا التحدي واستطاعت خلال السنوات القليلة الماضية فقط جمع أكثر من ألف تصميم حتى الآن ورقمنتها.
تزامن إطلاق منصة طرازين مع إعلان "يونسكو" إدراج فن التطريز الفلسطيني على قائمة التراث الثقافي غير المادي المهدد بالضياع، ودعوة المنظمة إلى الاستفادة من الأساليب الجديدة والمبتكرة لحماية التراث الثقافي وسهولة الوصول إليه.
بديل ممكن
انطلاقاً من هذه الرؤية التي تتبناها "يونسكو"، تسعى المصري إلى جعل منصة طرازين إحدى البدائل المهمة أمام فناني التطريز الفلسطينيين، الذين غالباً ما يُستبعدون من المشاركة في الأنشطة الدولية والفعاليات التي تنظمها المتاحف العالمية كما تقول. ترى مؤسسة المنصة أن هذه الأنشطة الدولية تُساهم إلى حد كبير في مشاركة المعرفة والخبرة بالتطريز بين العاملين والمهتمين بهذا المجال، وهو ما لا يتوفر غالباً أمام الفلسطينيين.
تعتمد منصة طرازين على مصادر مختلفة من المراجع لجمع نماذج التصميم المتوارثة، ومن بينها الكتب والمجلات والصور الفوتوغرافية، كما تدعو العاملين والباحثين في هذا المجال إلى مشاركة أي معلومات إضافية أو تصاميم قابلة للتنفيذ. تعمل زين المصري مديرة تنفيذية في مجال التكنولوجيا، وتتمتع بخبرة تزيد على عشر سنوات في التسويق الإلكتروني، كما اختيرت ضمن قائمة فوربس الشرق الأوسط تحت سن 30 لرواد الأعمال في عام 2020. وباعتبارها فلسطينية مقيمة في الولايات المتحدة الأميركية، تسعى المصري بشكل دؤوب إلى نشر المعرفة الدقيقة بهذا الفن بين المهاجرين الفلسطينيين، إلى جانب خلق فرص عمل مُستدامة للنساء الفلسطينيات في الداخل، وإلهام الآخرين لفعل الشيء نفسه.