لم تكن تغطية تظاهرات الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي سهلةً على صحافيي العراق، تحديداً الذين عمدوا إلى نقل الصورة الحقيقية لسلمية الاحتجاجات مقابل عنف السلطات في البلاد وتدخل جماعات مسلحة على خط قمع الناشطين واغتيالهم واختطافهم. وكانت ضريبة المهنة بالنسبة للصحافيين باهظة، فقد تعرض خمسة صحافيين إلى الاغتيال، فيما اعتقل العشرات وأفرج عنهم بعد تعذيبهم، في حين لجأ آخرون إلى الهروب نحو إقليم كردستان وتركيا والأردن.
وطاول التهديد من قبل جماعات مسلحة ومليشيات مناهضة للتظاهرات ومقربة في الوقت نفسه من الحكومة العراقية وأخرى من شخصيات سياسية حزبية وأمنية، صحافيين عراقيين، بعضهم مراسلون في محطات فضائية وآخرون في صحف عربية، ومنهم محررون في وكالات أنباء محلية، في سبيل تقليل تغطية أحداث الاحتجاجات وما تخللها من مشاهد دموية وقمع تعرض له المنتفضون، في بغداد وثماني محافظات في وسط وجنوب البلاد.
الصحافيون الذين ساندوا المتظاهرين تعرضوا للتنكيل
ووفقاً للنقابة الوطنية للصحافيين في العراق، فإن الصحافيين الذين تم اغتيالهم على أيدي مجهولين على خلفية اشتداد التظاهرات خلال العام المنصرم، هم كل من: المصور هشام فارس، والمصور أحمد المهنا، وأحمد عبد الصمد، والمصور صفاء غالي، ويوسف ستار، وأن أغلب الانتهاكات كانت صادرة من جهات أمنية تابعة للقائد العام للقوات المسلحة عادل عبد المهدي آنذاك، وجهات خارج إطار الدولة تابعة لجهات حزبية أو سياسية، وفقاً للنقابة.
يقول الصحافي علي محمود، وهو محرر في وكالة أنباء عراقية محلية، إن "تظاهرات تشرين التي انطلقت في العراق، ولا تزال مستمرة، كانت واحدة من أكثر المراحل خطورة على حياة الصحافيين بعد عام 2003، وقد تعرّض كثير من الزملاء إلى مضايقات وملاحقات من قبل قوات الأمن النظامية وكذلك المليشيات التي وقفت إلى جانب حكومة عادل عبد المهدي، وجرّاء ذلك غادر عشرات الصحافيين إلى مناطق شمال العراق".
ولفت إلى أن "التظاهرات أفرزت فريقين من الصحافيين، الأول انسجم مع السلطة وعمليات القمع والتنكيل بالمتظاهرين وقتلهم وتشريدهم، وقد حصل هذا الفريق على الأمان وعلى رضا غالبية الأحزاب، كما أن عناصره تمكنوا من قيادة ماكينات إعلامية مناوئة للاحتجاجات. أما الفريق الثاني، فهو الفريق الذي ساند المتظاهرين ووقف إلى جانبهم، وقد تعرض هو الآخر كما المتظاهرين إلى التعنيف والتنكيل وتشويه السمعة وللاتهامات بالعمالة وتلقي أموالٍ من الخارج، وهو ما أدى إلى تشريد عناصر هذا الفريق بعد ترهيبهم وتهديدهم".
اغتيال المصور هشام فارس والمصور أحمد المهنا والصحافي أحمد عبد الصمد والمصور صفاء غالي والصحافي يوسف ستار
من جهتها، تشير عضو نقابة الصحافيين العراقية شهد العزاوي إلى أن "معظم الصحافيين الذين تم اغتيالهم كانوا من المعارضين للتدخل الإيراني في الشأن العراقي، وكانوا من المناوئين لسلاح المليشيات والفصائل المسلحة الذي ظهر وأشهر في وجه المتظاهرين، عدا المصور أحمد المهنا، الذي كان يعمل لصالح مديرية إعلام الحشد الشعبي". وتبيّن لـ"العربي الجديد"، أن "الصحافي أحمد عبد الصمد اغتيل بعد ساعات من تغريدة له على تويتر، اتهم فيها إيران بدفع عناصرها لقتل المتظاهرين العراقيين، وهذه التغريدة أدت إلى اغتياله إلى جانب مصوره الخاص صفاء غالي".
وتقول إن "الحكومة العراقية لم تتعامل مع الصحافيين على أنهم شهداء، ولم تتكفل بتعويض ذويهم، ولا سيما أن غالبيتهم، سواء من الذين اغتيلوا أو أصيبوا برصاص حي، لديهم عوائل وباتوا حالياً بلا معيل"، مؤكدة أن "السلطات العراقية وبالرغم من إعلانها عن تشكيل لجان تحقيقية بعد كل حادثة اغتيال لأحد الصحافيين، إلا أنها لم تتوصل لحد الآن إلى الجناة". وتعتبر أن "التظاهرات أثرت كثيراً على شكل العمل الصحافي في البلاد، بسبب التضييق، فقد اضطر عشرات الصحافيين إلى مغادرة بغداد والاتجاه شمالاً نحو إقليم كردستان، بعد تهديدهم واتهامهم بالعمالة من قبل الأحزاب الحاكمة، كما اضطر معظمهم إلى الكتابة باسم مستعار لتناول الشأن العراقي بعيداً عن التهديدات التي قد تطاول أسر الصحافيين، إضافة إلى أن بعضهم اضطر إلى ترك العمل الصحافي".
أما رئيس "لجنة حقوق الإنسان" في البرلمان العراقي أرشد الصالحي، فيقول لـ"العربي الجديد"، إن "الصحافيين العراقيين تضرروا كثيراً خلال تظاهرات تشرين الماضي، وذلك بعد صدور سلسلة من القوائم بأسماء الصحافيين الفاعلين لاغتيالهم عبر جهات مجهولة. وبالرغم من أن القوائم لم تكن معلومة المصدر، إلا أنها شكلت تهديداً حقيقياً على سلامة العاملين في الصحافة المحلية والعربية داخل البلاد".
ويؤكد عضو مفوضية حقوق الإنسان في العراق علي البياتي أن "الجهات المسلحة التي قمعت المتظاهرين، عملت على معاملة الصحافي كما المتظاهر، بل إن بعض المليشيات وجدت أن خطر الصحافي أكثر من ساحات الاحتجاج، ولا سيما مراسلي المحطات التلفزيونية، الذين كانوا ينقلون وقائع الاحتجاجات بالصوت والصورة وعلى البث المباشر". ويوضح لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة العراقية لم توفر الحماية الكافية للصحافيين، بل على العكس، سمحت لكثيرٍ من المسؤولين بالظهور في المحطات الفضائية وإطلاق تصريحات تتهم الصحافيين بالخيانة والعمالة. وتبيَّنت خلال الأشهر الماضية هشاشة الدولة العراقية وضعفها أمام سلطة الأحزاب".