كشفت دراسة جديدة، أجريت في ألمانيا، عن علاقة بين ارتفاع درجات الحرارة وبين السلوك العدواني لدى الأفراد، خصوصاً من لديهم أمراض عقلية ونفسية. ووفق الدراسة التي نشرت يوم 16 يونيو/حزيران الجاري في مجلة BJPsych Open التابعة للكلية الملكية للأطباء النفسيين، فإن موجات الحر قد تتسبب في زيادة السلوك العدواني لدى المرضى في أجنحة الصحة العقلية في المستشفيات. وتعد الدراسة الحالة الأولى من نوعها التي تبحث في هذه العلاقة ضمن مستشفيات الصحة النفسية.
نظر الباحثون في بيانات الطقس المحلية وبيانات الإبلاغ عن الحوادث، لفحص تأثير الطقس الحار على أجنحة المرضى الداخليين للصحة العقلية. ووجدوا أنّه كان هناك في المتوسط 15 في المائة من الحوادث الأكثر عدوانية في الأيام التي تزيد فيها درجة الحرارة عن 30 درجة مئوية، بعدد يصل إلى 9.7 حودث اعتداء في اليوم، مقارنة بالأيام التي تقل فيها درجة الحرارة عن 30 درجة مئوية، والتي يصل فيها إجمالي عدد حوادث الاعتداء إلى 8.4 في اليوم.
كما وجد الفريق علاقة واضحة بين درجة حرارة الأيام الحارة (تلك التي تزيد عن 30 درجة مئوية) وعدد الحوادث العدوانية. فكلما كان الطقس أكثر حرارة، ارتفع معدل الحوادث، إذ وصل إلى ذروته عند 11.1 في الأيام الأكثر سخونة (أكثر من 33.5 درجة مئوية).
يشدد الباحثون على الربط بين ارتفاع درجة الحرارة وبين الزيادة في الحوادث، وليس بين عامل آخر. كما لم يجدوا أي ارتباط مكافئ بين درجة الحرارة في الأيام الحارة، واستخدام الممارسات التقييدية من قبل موظفي المستشفى الذي يختلف عن الممارسات المعتادة في الأيام العادية غير الحارة. سجل الموظفون حوادث عدوانية باستخدام بروتوكول موحّد يوثق طبيعة العدوان، سواء كان جسدياً أو لفظياً، إضافة إلى درجة العدوانية فيه، ومن كان المستهدف من الاعتداء، سواءً كان من الطاقم الطبي أو من المرضى النزلاء، والأثر وأيّ تدابير لاحقة يتم اتخاذها بعد الحادثة.
وأوضح المؤلف الرئيسي في الدراسة هانز كنوبلوش، الباحث في الطب الجزيئي في جامعة "هومبولت" في ألمانيا، أنّ البيانات التي اعتمدت عليها الدراسة حصل عليها الفريق من ستة مستشفيات ألمانية للصحة العقلية، وغطت ثلاثة عشر عاماً، في فترة الواقعة بين عامي 2007 و2019. خلال تلك الفترة، رصد الباحثون، من خلال سجلات البيانات، ما مجموعه 207 أيام ارتفعت فيها درجات الحرارة إلى أعلى من 30 درجة مئوية. تم بناء جميع المستشفيات الستة بما يتماشى مع معايير البناء الحديثة، لكن لم تتم إضافة مكيفات الهواء إلى أيّ منها للتعامل مع حالات الطوارئ المناخية.
وقال كنوبلوش، في تصريحات خاصة بـ"العربي الجديد"، إنّ حالة الطوارئ المناخية تعني أنّ العديد من مناطق العالم قد تشهد في المستقبل طقساً حاراً بدرجة أكبر من التي اعتاد عليها سكان تلك المناطق. وأضاف أنّه بينما هناك حاجة إلى مزيد من البحث في مجال الصحة العقلية، يمكن أن تكون لنتائج هذه الدراسة الجديدة آثار عملية على الرعاية الصحية العقلية، خصوصاً ما يتعلق بتصميم المستشفى والهندسة المعمارية.
كما تسلط هذه النتائج الضوء على التأثير غير الملاحظ جيداً لحالات الطوارئ المناخية على خدمات الصحة العقلية، وزيادة العدوانية بوصفها مؤشراً على زيادة الضيق والبيئة التي تفشل في مساعدة المرضى على التعافي. وتشدد الدراسة على أنّ هناك حاجة الآن لاتخاذ إجراءات عاجلة لتكرار نتائج هذه الدراسة باستخدام المزيد من القياسات داخل مستشفيات الصحة العقلية، والاستثمار في تلك المستشفيات، ومعالجة مشكلة المناخ والاحترار العالمي.
لكن، من جهة أخرى، نتساءل: لماذا اقتصرت هذه الدراسة على نُزلاء مستشفيات الأمراض العقلية؟ ماذا عن تأثير ارتفاع درجات الحرارة على من تعتبرهم تلك المؤسسات "عقلاء"؟ أليس في هذه الدراسة شيء من التحيُّز ضد هؤلاء الذين تعتبرهم "ليسوا عقلاء"؟