سادت حالة من الغضب في أوساط سكان محافظة شمال سيناء من تقزيم صحف حكومية مصرية بارزة، كـ"الأهرام" و"الجمهورية"، لقضية تهجير آلاف المواطنين القاطنين في نطاق ميناء العريش، في ظل قرار جمهوري بتوسعته على حساب أراضي المواطنين، مع توفير تعويضات لهم، وسط رفض واسع من جميع سكان المنطقة، نظراً إلى وجود بدائل لتوسعة الميناء، في ظل اتساع الشاطئ لعشرات الكيلومترات، في حين أنّ الصحف لم تأخذ القضية على محمل الجد ومن باب التضامن مع هؤلاء.
ومما زاد الطين بلّة أنّ موقع بوابة "الأهرام" نشر خبراً منقولاً عن مجلس الوزراء المصري، يشير إلى أنّ تهجير سكان محيط الميناء "مجرد شائعة"، وأنّ القضية تتعلّق بنقل سكن المواطنين مع توفير تعويضات مالية أو مادية وفقاً لرغبة كل مواطن، إلا أنّ الصحيفة وضعت لمسة منها، تتمثل في نشر صورة لعدد من المواطنين البدو يمسكون بالجمال، ويقفون على شاطئ البحر، وبجانبهم عشش مصنوعة من قش الأشجار، وفي خلفيتها جبال ضخمة، وكتب عليها "منطقة ميناء العريش"، في حين أنّ الحقيقة تشير إلى وجود مئات المباني السكنية، والشاليهات، والمراكز الحكومية، والطرقات المرصوفة، كأي حي سكني في مدينة العريش الساحلية.
وبعد الضجة التي أحدثها المتابعون من سيناء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، اضطر الموقع الإلكتروني إلى حذف الصورة التي تشوّه الواقع، واستبدلها بصورة للميناء الحالي.
وفي التعليق على ذلك، كتب الأكاديمي في جامعة العريش صلاح صقر، عبر صفحته على "فيسبوك": "لما جريدة اليوم السابع تنقل خبر مفبرك، حنقول دي جريدة خاصة ولها اتجاهات ومآرب أخرى، لكن لما جريدة زي الأهرام العريقة التي تعتبر من أقدم الصحف الحكومية العربية والعالمية تنشر نفس الخبر وتنشر معاه صورة كاذبة لتوهم وتخدع الرأي العام المصري والعربي والعالمي بمعلومات مغلوطة فهذا يؤكد أن هناك مؤامرة على الناس الغلابة، هذا الخبر دليل بأن الصورة مغلوطة عند الجميع، صحافة وإعلام ورئيس، أو أن البعض أرادها مغلوطة حتى يهربوا جميعاً من الحساب ومن مسؤولية المشاركة في قرار خاطئ".
وأضاف: "لقد أوهموا الرئيس أن ما سيتم إزالته لصالح إنشاء ميناء العريش الجديد مجرد بعض عشش البدو الذين يربون الأغنام ويركبون الجمال كما هو ظاهر في الصورة التي نشرتها جريدة الأهرام، وفي حقيقة الأمر ما سيتم إزالته هي أحياء سكنية على أحدث طراز معماري، وحتى لو افترضنا جدلاً أن الأمر كذلك، أليس هؤلاء البدو بشراً ولهم حقوق؟".
وتابع: "كدا يبدو أن الصحافة والإعلام وجميع الجهات التنفيذية ضد الناس، وماحدش عاوز يسمع صوت العقل والمنطق، ومفيش مع الأهالي غير ربنا، دمرتنا الصحافة والإعلام المصري على مدار 30 عاماً بغبائها وهي فى طريقها الآن للقضاء علينا جميعاً بالضربة القاضية، وبنفس الغباء، الأهرام مطلوب منها توضيح واعتذار عن هذا الخطأ الصحفي، وخلص الكلام".
فيما رد عليه الدكتور عبد السميع السلايمة بقوله: "المسؤولون يعلمون كل شيء بمن فيهم سيادة الرئيس، الموضوع تم إقراره بحساب المكسب والخسارة، حسبوها جيداً، إنشاء ميناء جديد سوف يكلف الكثير وقد يستغرق وقتاً أطول، كما أن الأماكن البديلة ربما لها تخطيطها مستقبلاً لأشياء أخرى لا نعلمها مثلما لا نعلم سبب بناء السور العظيم، تكاليف توسعة الميناء سيتحمل معظمها السكان وأصحاب الأراضي لأن التعويض سيكون أقل من عُشر القيمة بالأسعار الحالية، يعني تعويض فيلا على شاطئ البحر سيكون شقة 90م إسكان شعبي، وطبعاً اللي مش عاجبه يشرب من البحر، أهل سيناء خارج التغطية الإعلامية والإعلام يكتب ما هو مسموح له. الوسيلة الوحيدة لتوصيل الرسالة للرئيس هو الميديا والرئيس لا يعتقد أنه يظلم الناس بالتعويض الهزيل الذي سيشردهم ويحطم حياتهم. الرئيس لا يعرف ما هو شعور المواطن الذي سيتم هدم فيلته أو بيته الثلاث أدوار ويتم تعويضه بشقة شعبية 90م، لا أعتقد أن الرئيس أو أي مسؤول كبير جرب شعور هدم البيت الذي تم بناؤه بشقاء العمر وتحويشة رحلة العمر، سيناء لن يقيم بها أحد بعد الآن، وسامح الله أجدادنا الذين زرعونا في هذا المكان ولا بارك الله في ثورة يناير التي نتج عنها ما نحن فيه الآن من بلاء".
وبدا واضحاً خلال السنوات الماضية الاهتمام الرسمي المصري بميناء العريش بمحافظة شمال سيناء، من خلال التدرج في السيطرة عليه، من تحويله إلى أغراض المنفعة العامة ونزع الملكية الخاصة لأي عقارات تقع في نطاق حدوده، ومن ثم نقل تبعيته إلى وزارة الدفاع بشكل مباشر، وإبعاد الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس عن استخدامه أو إدارته بأي شكل من الأشكال، ليصبح الميناء منطقة عسكرية لا علاقة لأي جهة مدنية به.
وفي تفاصيل القرار الجديد، فإنه يقضي بنقل تبعية ميناء العريش إلى الجيش، وتخصيص الأراضي المحيطة به، واللازمة لأعمال التطوير، للقوات المسلحة، وذلك بإجمالي مساحة 541.82 فداناً (الفدان يعادل 4200 متر). وبذلك استبدل الرئيس عبد الفتاح السيسي قراراً سابقاً أصدره في 2019 بأن "تتولى الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس تمويل وتنفيذ تطوير وإدارة وتشغيل ميناء العريش". وكان القرار القديم قد تضمن "توقيع بروتوكول بين وزارة الدفاع والهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، يشمل الالتزامات الفنية والمالية والقانونية المتعلقة بإدارة الميناء".
وستؤدي هذه القرارات الجمهورية إلى تهجير آلاف المواطنين من سكان المنطقة، بعدما مكثوا فيها منذ عقود طويلة، وسط تجاهل إعلامي محلي، ما دفع المواطنين إلى إنشاء مجموعات إلكترونية عبر مواقع التواصل الاجتماعي لنشر صور منازلهم المعرضة للهدم، ونشر استغاثاتهم للرئيس السيسي، ولكل القيادات في الدولة، دون وجود أي رد ملموس من الأطراف ذات العلاقة بإمكانية التراجع عن قرار الهدم والإزالة.