استمع إلى الملخص
- **رَها وعلي قررا العمل معًا بعد ملاحظة تشابه أسلوبهما في الكتابة والإخراج، واختارا موضوع اللاجئين الأفغان بناءً على تجاربهما الشخصية والمسرحية. الفيلم يعرض قصصًا حقيقية تركز على معاناة اللاجئين من التمييز والظلم.**
- **الفيلم يواجه تحديات كبيرة في إيران ولن يُعرض هناك بسبب حساسية المواضيع. المخرجين يعلمان أن عودتهما إلى إيران قد تكون مستحيلة دون تدخل شخصيات مؤثرة، ويواجهان صعوبة في العمل بحرية داخل إيران بسبب القيود المفروضة على الإبداع السينمائي.**
يُدركان أنْ لا عودة لهما إلى إيران بعد هذا الفيلم، حالياً على الأقل. أوّل فيلم طويل لرَها أمير فضلي وعلي رضا قاسمي عنوانه "في أرض الإخوة" (2024)، بثلاثة أقسام، تتابع حيوات عائلات أفغانية في 20 عاماً في إيران. حروبٌ غير منتهية في أفغانستان دافعٌ لخمسة ملايين أفغاني إلى اللجوء لإيران بأمل العثور على موطن جديد، يُستَقبلون فيه كإخوة في الدين واللغة. لكنّ حلم التعايش الأخوي تلاشى سريعاً، ولم يقبلهم القانون الإيراني مواطنين متساوين.
يُبرز الفيلم ما يعانيه لاجئون من تمييز وشروط عيش، تزيدها صعوبةً مشكلة اللاانتماء، المفروضة عليهم من بلدٍ لا يعترف بأنّهم جزء منه، رغم أنّ جيلاً جديداً ولد ونشأ في إيران، وآخر لا يُعترف بمواطنته. هناك أيضاً معاناة يومية، وعيش تحت ضغط الترحيل، أو فرض العمل الطوعي، وأحياناً تحرّشات جنسية، أو فرض مشاركة في حرب لا تعنيهم في سورية.
مشاركته في "عروض خاصة"، في الدورة الـ58 (28 يونيو/ حزيران ـ 6 يوليو/ تموز 2024) لـ"مهرجان كارلوفي فاري السينمائي"، دافعٌ إلى حوار مع مخرجَيه قاسمي (1990)، وفضلي (1995).
(*) بما أنكما قادمان جديدان إلى السينما والمهرجانات، هل تُعرّفان القارئ بكما، وتخبرانه عن أسباب عملكما معاً؟
رها: ولدت ونشأت في طهران. درست السينما فيها. حالياً، أتابع دراسات عليا في نيويورك. في الدراسة، التقيت علي، وحقّقنا معاً أفلاماً قصيرة. لاحظنا أنّ أسلوبنا في الكتابة والإخراج متشابه. حين لم نكن نعمل معاً، كنا نتبادل مسوّدات نصوص، إلى أنْ أدركنا أنّه يمكننا الكتابة معاً. ثمّ قرّرنا التشارك في الإخراج أيضاً. عثرنا على مواضيع تُعجبنا، ثمّ تابعنا معاً، وأنجزنا فيلماً طويلاً.
علي: درست مع رها في الجامعة نفسها. تابعت دورة تدريبية في ألمانيا. أتممت دراساتي العليا في طهران، ونلتُ الماجستير عام 2018. أنجز كلٌّ منا فيلمين قصيرين، قبل التشارك في عمل. في الدراسة، شاركنا في "مهرجان الفيلم الصامت"، الذي عرض أفلاماً تروي قصصاً عبر الصورة. في هذا المهرجان، وبفضل نقاشاتنا معاً، أدركنا أنّ أذواقنا متشابهة.
(*) إنْ لم تكن فكرة "في أرض الإخوة" عن وضع لاجئين أفغان من أجيال عدّة في إيران جديدة، فالمعالجة ترصد، بأسلوب جديد، هذه الحالة. ما دافعكما إلى اختيار الموضوع، واعتماد سرد ثلاث قصص في أكثر من عقدين؟
علي: اختيار القصص نابع من اعتقادنا بأنّ لدينا معاً خبرة عن اللاجئين الأفغان في إيران. لنا عمل مسرحي عن الفكرة نفسها، ورها تدرّس أفغاناً، فسمعت قصصاً عنهم.
(*) الخبرة عن الأفغان والعمل معهم نابعةٌ من صدفة أم من رغبة مسبقة؟
رها: في المدرسة، وبفضل لقاء تلاميذ، تُتَبادل أحاديث بينهم، ويحصل نوع من تقارب. عندها، لا تسألين عن عرق أو أصل. تصبحين صديقة لهم، ثم تدركين شيئاً فشيئاً الاختلافات. لا أظنّ أنّ المسألة اختيار مقصود. هناك أصدقاء نتشارك معهم الاهتمامات نفسها، وبعضهم غادر إيران، ونجح.
علي: أول تجربة لي معهم حين كنت أتابع دروس الفيلم الوثائقي في الجامعة. طلاب أفغان كانوا يأتون من مدن أخرى. لمجيئهم إلى طهران وتنقّلهم بين مدن إيرانية، يحتاج اللاجئون الأفغان إلى تصريحٍ خاص. لزميل لي إذنٌ من مدينته، كان يريه للجهات المختصّة في طهران قبل دخوله الصفّ. وجدته يوماً ثائراً وحزيناً، وهو يعلن أنّه سيتوقّف عن طلب الإذن أسبوعياً، لأنّ ذلك يُضيّع وقته. فعلاً، لم يطلبه في أسبوعين. اكتشفوا ذلك طبعاً، ودمغوا ختم مخالفة على بطاقته الجامعية، وأعلموه بأنّ هناك وسيلة للتغاضي عن "الهفوة" ومسامحته إذا قَبِل الذهاب إلى سورية لإنجاز وثائقيّ عن المقاتلين هناك. كان هذا أول ما نبّهني إلى الظلم الذي يتعرّضون له. رأيت في هذا قصة تستحق أنْ تُسرد، فليس بمقدورهم فعل ذلك بأنفسهم، بسبب ما يتعرّضون له من تهميش.
(*) كيف بدأتما الكتابة؟ ما المراحل التي مررتما بها لبلوغ الشكل النهائي؟
رها: الأهم، حين بدأتُ الكتابة، إعطاء الجمهور صورة عن وضع الأفغان اللاجئين في إيران، وإدراك أنّه غير طبيعي. هذا يحدث الآن، وحدث قبلاً، وسيحدث مستقبلاً. بدأنا بناء الفيلم على أساس فكرة المراحل، فهذا يعطي قدرة على تخيّل وضع لم يتغيّر في 20 عاماً، منذ وجود أميركا حتى "طالبان". مع أجيال مقبلة، ربما يبقى الأمر هكذا، وربما يزداد سوءاً.
علي: هذا حقيقي. بدأت الهجرة مع الغزو الروسي للبلد. حينها، وصلت موجة كبيرة، وتتابعت الموجات مع كلّ الحروب، حتّى عودة "طالبان" مجدّداً. هناك جيل ولد ونشأ في إيران، وليست لديه بطاقة هوية. حين يعودون إلى أفغانستان، لا يُقبَلون كأفغان، وكذلك لا يقبلهم الإيرانيون كإيرانيين. لديهم أزمة هوية، ولهذا اخترنا عمل الفيلم في ثلاثة فصول، لنقول إنه لا نهاية لهذه الأزمة، وإنّ أجيالاً عدّة عانت وتعاني.
(*) هل القصص المختارة حقيقية؟ كيف كتبتما النص بشكله الحالي؟
رها: لم يتأسّس النصّ على أحداث حقيقية، في بداية الكتابة. بعد تبادل الأحاديث مع الناس في ستة أشهر، عند اختيار الممثلين، تطوّر النص. ما كتبناه مشابه لما سمعناه منهم، لكنّنا أغنيناه بتجاربهم.
علي: مفتاح الفيلم وأساسه كامنان في إمكانيات السلطة وقدرتها على التلاعب بالناس. نحن لدينا تجارب في هذا، ولو أنّ تجارب الأفغان مختلفة طبعاً.
(*) ألم تُعانيا الشكّ بأهدافكما ونواياكما من الأفغان، نظراً إلى أنّ أسلوب تعامل إيرانيين مع لاجئين يبلغ حد السخرية أحياناً من لهجتهم الفارسية مثلاً؟
رها: طبعاً، هناك أفغان قلائل يُفكّرون أنّ إيرانياً يريد تحقيق فيلمٍ عن حياتهم. لا شكّ أنّ هناك حذراً وشكوكاً إزاء نظرتنا. لكنْ، حين أدركوا ما أنجزناه من بحثٍ وتوثيق، شعروا بثقة أكبر، وشاركونا قصصهم. أظنّ أنّنا بنينا فيهم ثقةً بنا، وأنّنا تجرّأنا على رواية أوضاعهم.
علي: في التلفزيون الإيراني مسلسل يُظهر الأفغان بشكل فكاهي وسلبي. لكثيرين التقيتهم ذكرى شديدة السوء عن هذه الأعمال. لذا، كانوا حذرين ومتخوّفين في البداية إزاء الفكرة وكيفية إظهارهم. بعد قراءتهم النص، شاركونا أفكارهم وذكرياتهم وقصصهم، وبتنا بعد أشهر أشبه بعائلة. كانوا يرغبون في أنْ نرسم صورة حقيقية عنهم وعن تجاربهم، تلك التي لم نختبرها نحن. هذا بَثّ حياةً في نصّنا.
(*) ربما هذه أول مرة تطرح فيها قضية الأفغان المقاتلين في سورية. لم يُشر إليها أحدٌ قبلاً، مع أنّ الجميع يعرفونها من دون ذكرها صراحة. مثير للاهتمام سماع وجهة نظر الطرف الآخر (الإيراني). لمَ هذه القصة بالذات؟
علي: "الفاطميون" اسم لواء يطلق على المقاتلين الأفغان في سورية. هذا موضوع كبير في إيران. لكنْ، كما قلتِ، هذا غير معلن رسمياً. القصة (مقتل ابنٍ لأبوين أفغانيّين في سورية ـ المحرّر) مهمّة، لمعانيها العميقة. إنّها الطريقة الوحيدة للأفغان للحصول على "المواطنة": أنْ يُقتَل قريبٌ لهم هناك. كما ذكرتُ، كانت القصة أساساً، تلك التي لزميل ذهب إلى سورية لعمل فيلم وثائقي. صُدِمت جداً حين رأيت فيلمه.
(*) لماذا؟
علي: لأنّي وجدت صعوبة في تصديق أنّه يُمكن إجبار شخص على المشاركة في حرب لمجرّد أنّه لا يريد أنْ يُرحّل. هذه وسيلة السلطة المتحكّمة لإجباره على فعل ما تريده.
(*) لكنْ، هل الأمر، كما في الفيلم، متعلّق فقط بالحصول على أوراق؟ أليست هناك عوامل أخرى، كالعقيدة مثلاً؟
رها: بعض من تحدّثنا معهم أشاروا إلى دور الإيديولوجيا الدينية في التوجّه إلى سورية. سمعنا قصصاً أخرى عن وعود الحكومة بإعطائهم مالاً أو هوية، أو أنّهم خائفون من الترحيل. الدين يتدخّل أحياناً، لكننا لم نلتقِ كثيرين ذهبوا إيماناً منهم بهذه الحرب.
(*) الخطاب في هذه القصة، لمسؤول يشيد بتضحيات الشهداء الأفغان في سورية أمام أهاليهم المنكوبين، مُعبّر بشدة عن خطب عقائدية حماسية تلقى في مواقف كتلك. أهذا خطاب حقيقي، أم من تأليفكما؟
علي: الاثنان معاً. بحثنا في الصحف عن نماذج خطابية لهذه المواقف، ولم نجد شيئاً. في وزارةٍ، أعطونا أمثلة من خطبٍ. هكذا ألّفنا شيئاً مشابهاً، ودمجناه في النص. في السيناريو، الذي قدّمناه للحصول على موافقة السلطات بالتصوير، كتبنا هذا الفصل بطريقة أخرى لنيل رضاهم، إذْ مجّدنا التضحية والشهادة. هذا أعجبهم.
(*) كيف اخترتما الممثلين؟ بعضهم أجاد، لا سيما محمد في الجزء الأول، مع تعرّضه لتحرّش المسؤول الأمني، وقاسم الذي فَقَد ابنه في سورية. هذه من أجمل القصص وأجودها، برأيي.
رها: إنّهم ممثلون غير محترفين. هناك اثنان لديهما تجربة في فيلمٍ قصير. محظوظان جداً بهم. كنا نحضر المَشاهد، ونجري حواراً معهما قبل التصوير.
(*) هل غيّرتما حدثاً أو حواراً بفضل تدخّلهم؟ هل أضافوا شيئاً؟
علي: شخصية المرأة الصماء البكماء، زوجة قاسم، خيّاطة في الفيلم والحياة. أضافت خبرتها الطويلة، وأعطتنا أفكاراً عدّة عن كيفية عمل الخيّاطين، وتفاصيل دقيقة عن مواعيد شُربهم الشاي وطريقته، وأسلوب تحدّثهم، وطريقة وقوفهم وجلوسهم.
رها: كانت لديهما حرية في تشكيل شخصيتيهما، وأسلوب تبادل الحوار، الذي تركناهما يقولانه بشكلٍ يجدانه طبيعياً.
(*) أنتما لا تعيشان حالياً في إيران. تعرفان حساسية ما صوّرتما (اعتداء جنسي لشرطي على شاب أفغاني، إرسال شابٍ إلى سورية). كيف أخذتما الموافقة على التصوير؟ ما نتائج تطرّقكما لمواضيع كهذه؟
علي: منذ البداية نعرف أنّ الفيلم لن يُعرض في إيران. تحدّثنا في الأمر. أدركنا أيضاً أنّنا لن نعود، وهذا لم نتحدّث به. قرارٌ محزنٌ جداً اتّخذه كلٌّ منا بمفرده، ولم نجرؤ على الإشارة إليه. كان شديد القسوة علينا، لأنّنا ولدنا ونشأنا هناك.
رها: نستطيع العودة فقط إذا تدخّل شخص له اتصالات مع شخصية مهمة مؤثّرة في الحكومة، كي نتمكّن من الخروج لاحقاً. إنّنا ننتظر.
(*) هذه مخاطرة. ألا تخشيان على عملكما في المستقبل؟ ألا تظنّان أنّ الأفضل لكما العمل داخل إيران التي تعرفانها جيداً، على العمل خارجها؟
رها: هذه مشكلة كلّ مخرج إيراني. الأفضل للقصص أنْ تُصوَّر في البلد الذي نشأتِ فيه وتشرّبتِ ثقافته. لكنْ، ماذا يُمكن أنْ نفعل إنْ كنتِ لا تستطيعين صنع الفيلم بحريّة؟ أنْ تري مثلاً امرأة بلا حجاب في بيتها؟ أنْ لا تتصرّفي بحريتك في نصّك لتريه بالطريقة التي ترغبين بها؟
(*) كيف تفسران إذاً نجاح السينما الإيرانية داخلياً وعالمياً، رغم هذه القيود؟
علي: بالنسبة إليّ، أريد أنْ أصنع أفلاماً في إيران. لكنّي اليوم أنظر إلى الأمر كتحدٍّ: تحقيق فيلم خارج بلدي. أرى هذا مُثيراً: أنْ أحكي عن الناس خارج إيران أيضاً. اشتهرت السينما الإيرانية بأنْ يأتي فيلم من داخل إيران، فكيف سيكون الوضع حين يأتي فيلم من خارجها؟ هذا تحدّ. يُمكننا صنع تيار من سينما إيرانية لإيرانيين من الخارج. إذا نجحت، سيكون هذا جيداً. هذا بدأ مع إيرانيي الشتات.