- في فعاليات بينالي البندقية وبرلين، تم تسليط الضوء على الأعمال الفنية الاحتجاجية التي تنتقد مشاركة إسرائيل وسياسات الحكومة الألمانية، مع تكثيف التضامن مع فلسطين.
- الفن يتجاوز الحدود كوسيلة للتعبير عن النضال والتضامن مع القضية الفلسطينية، حيث تنتشر رسوم الغرافيتي والشعارات وتصبح شخصيات مثل حنظلة رموزاً عالمية للصمود الفلسطيني والدعم العالمي للحرية.
على مواقع التواصل الاجتماعي، تنتشر العشرات من الصور ومقاطع الفيديو التي توثق لرسوم إبداعية وملصقات معبرة عن التضامن مع الشعب الفلسطيني في مدن عدة حول العالم. قرّر أصحاب هذه الرسوم ومقاطع الفيديو مشاركتها مع الآخرين لنشر رسائلهم التضامنية مع الشعب الفلسطيني. بين مقاطع الفيديو المنتشرة، مثلاً، يبرز ما يقدمه رسام الغرافيتي الإيطالي إدواردو كاستالدو، الذي يعيد صوغ ملصقات العروض الفنية في مدينته نابولي، ويضيف إليها رموزاً فلسطينية. ثمة مقاطع أخرى مشابهة لناشط إسباني يوظف فيها الكوفية الفلسطينية في الملصقات الإعلانية والعلامات المرورية في شوارع مدينته. يضيف هذا الناشط الإسباني رسماً للكوفية الفلسطينية إلى هذه الملصقات والعلامات، فيظهر الأشخاص فيها وكأنهم يرتدونها.
الغرافيتي جنباً إلى جنب مع الملصقات
تزامناً مع افتتاح بينالي البندقية، كثّف داعمو القضية الفلسطينية نشاطهم خلال الأسابيع القليلة الماضية، ففي شوارع وساحات المدينة العائمة، ظهرت بوضوح عشرات الملصقات الاحتجاجية ورسوم الغرافيتي التي استخدمت شعار البينالي للتضامن مع القضية الفلسطينية، أو للتعبير عن رفضهم مشاركة دولة الاحتلال الإسرائيلي. حمل بعض هذه الملصقات صوراً لأعمال فنية تخص فنانين من غزة، أُنتجت خلال الأشهر القليلة الماضية في ظل العدوان الإسرائيلي على القطاع. بين هذه اللوحات، حضرت أعمال للفنانة الفلسطينية هبة زقوت، التي استشهدت مع طفلها في غارة شنّها الاحتلال الإسرائيلي على بيتها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وفي مدينة برلين الألمانية، انتشرت أخيراً عشرات الملصقات المُشابهة حول عدد من غاليريهات الفنون، تزامناً مع انطلاق معرض "غاليري ويك إند برلين"، وهو حدث سنوي تشارك فيه عشرات المساحات الفنية في العاصمة الألمانية. تحاكي هذه الملصقات أيضاً اللافتات الدعائية الخاصة بالحدث، فيستبدل بعضها مثلاً عبارة "غاليري ويك إند برلين" بعبارة "ويك إند الإبادة الجماعية"، بينما استغلت ملصقات أخرى التشابة بين عبارة Mixed Media التي تضمنتها بعض الملصقات، وعبارة Mass Murder؛ فاستُبدلت العبارة الأولى بالثانية. تهدف هذه الملصقات إلى انتقاد نهج العمل كالمعتاد داخل المشهد الفني الألماني، بينما تُرتكب واحدة من أبشع الجرائم التي عرفتها البشرية في قطاع غزة. تلفت هذه الملصقات أنظار المارة أيضاً إلى الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بتمويل ومُباركة من الحكومة الألمانية. يشير أحد هذه الملصقات إلى تصَدّر ألمانيا واردات الأسلحة إلى إسرائيل منذ عدوانها على قطاع غزة في أكتوبر الماضي.
أصاب هذا الانحياز السافر لإسرائيل المشهد الثقافي في ألمانيا بالاستقطاب، في ظل تضييق غير مسبوق على وجهات النظر المختلفة عن الرواية الرسمية للدولة. أمام هذا التضييق والقمع ضد منتقدي العدوان الإسرائيلي، يفضل العديد من الأشخاص الذين يقفون وراء هذه الملصقات عدم الإفصاح عن أسمائهم، وهو تحول يراه البعض خطيراً على صعيد الحريات العامة في ألمانيا.
احتجاج فنيّ
يستخدم أصحاب هذه الملصقات اللافتات الخاصة بالمؤسسات الفنية والغاليريهات للاحتجاج على سياسات الحكومة الألمانية كما يرسمون الغرافيتي في محيطها. يقول أحد هؤلاء الفنانين إن العديد من العاملين في هذه المؤسسات والمساحات الفنية لهم رأي مُشابه، لكنهم يخافون الإفصاح عنه. يصرح آخر لأحد المواقع الإخبارية بأن ما تعرضت له مؤسسة عيون سيظل ماثلاً في أذهان القائمين على هذه المؤسسات مدة طويلة؛ إذ يرى أن سياسات الحكومة الألمانية الداعمة لإسرائيل ترسخ مناخاً من الخوف وعدم الثقة في أوساط المجتمع الثقافي في ألمانيا.
لم يعد الأمر قاصراً على الملصقات فقط للتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني، بل انتشرت أيضاً العشرات من الكتابات ورسوم الغرافيتي في شوارع المدن الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية وغيرها من مدن العالم. أصبحت عبارات مثل "فلسطين حرة" أو "الحرية لفلسطين" منتشرة في كل شارع من شوارع برلين وغيرها من عواصم أوروبا. أما العلم الفلسطيني وغيره من الرموز المرتبطة بنضال الشعب الفلسطيني، فقد باتت حاضرة في كل مكان. في إحدى الصفحات المخصصة للغرافيتي على موقع "إنستغرام"، يجمع منشئ الصفحة أكثر من ألفي رسم غرافيتي عن فلسطين من جميع أنحاء العالم. تُظهر الصور المئات من الكتابات والرسوم والشعارات الفلسطينية المنتشرة على الجدران والنوافذ وأسفل الجسور والبنايات، وكلها تدعم فلسطين وتطالب بالحرية والعدالة الإنسانية.
ربما لم يخطر على بال رسام الكاريكاتير الفلسطيني الراحل ناجي العلي أن الصبي الذي ابتكره رمزاً للصمود الفلسطيني، وأطلق عليه اسم حنظلة، سيصبح في يوم من الأيام أيقونة للنضال العالمي. أصبح حنظلة معروفاً للجميع، وصار ابناً لكل المضطهدين والمناضلين في كل مكان. يظهر حنظلة اليوم مرسوماً على العديد من الجدران في باريس أو برشلونة، يمكن أن نراه على حائط مقهى في بلفاست أو لاهاي، أو على أحد الأسوار في روما أو برلين. خلال الاحتجاجات الطلابية التي شهدتها جامعة كولومبيا، رفع الطلبة لافتة تحمل اسم هند فوق أحد المباني في الجامعة، وإلى جوار الاسم، ظهر حنظلة بوضوح على اللافتة. صورة حنظلة التي انتشرت في كل مكان دفعت وسائل الإعلام الغربية إلى البحث عن تاريخ هذا الصبي الواقف في ثبات مولياً ظهره للعالم، وكيف تحول إلى رمز فلسطيني ودليل على الصمود والمقاومة.