طبعت كلمات الشاعر الغنائي اللبناني محمد ماضي، الذي رحل أمس في بيروت عن 81 عاماً، ذاكرة جيل الثمانينيات. وعلى الرغم من بساطة قصائده التي كتب كثيراً منها بالعامية المصرية، فإن عفويتها وسلاستها جعلتا عدداً من المطربين يزينون بها أصواتهم، كذلك فإنّها لاقت ترحيب الجمهور.
نجحت أغاني ماضي في زمن الثمانينيات، خصوصاً أنه اتخذ من الملحن فيصل المصري شريكاً، ليشكّلا ثنائياً قدّم أعمالاً لعدد من المطربين، أبرزهم الراحلة منى مرعشلي (1958 - 2016)؛ إذ أدّت للثنائي "لك شوقة عندنا" و"عجايب"، إلى جانب فنانين آخرين تعاونوا مع الشاعر والملحن، أهمهم أحمد دوغان ومايز البياع وراغب علامة. كان هؤلاء جميعاً نواة لجيل آخر خرج منتصف التسعينيات إلى الضوء بسرعة، فغابت بعض الأصوات، أمام موجة الوجوه الجديدة التي استغلت الإعلام المرئي وقتها، وحجزت لنفسها مكانة على الخريطة الغنائية في لبنان والعالم العربي.
اتجه محمد ماضي إلى اللهجة المصرية، وهذا يفسر موهبة الشاعر الغنائي في نقل الكلمات المصرية لتؤدَّى بحناجر لبنانية. أغانٍ يمكن وصفها بالتجارية، لكنها لاقت نجاحاً لأنّها تجاوزت، في جودتها سواء على مستوى الكلمة أو على مستوى اللحن، كثيراً من الأغاني التي كانت دارجة وقتها. هذا مثلاً ما يمكننا أن نلمسه في أغنية "سهران لمين يا شوق" لراغب علامة، خصوصاً أنّ فيصل المصري وضع لها لحناً جذاباً، يعتمد على الإيقاع السريع، وحُسن التوزيع الموسيقي، ما سهّل انتشارها وحفظها بين المُستمعين.
حضر محمد ماضي وعُرف في فترة حساسة؛ إذ كان موجوداً ضمن حقبة الحرب الأهلية، وهي التي شكّلت الحجر الأساس لبقاء وصعود مجموعة من الأصوات التي عاصرت إنتاج الشاعر الغنائي، ونجحت بتقديم أغان من تأليفه، وسطع نجمها بعد ذلك. تحوّل هذا الإنتاج إلى فصل آخر مما يُعرف اليوم بـ"الزمن الجميل"، خصوصاً أن أصواتاً شابة كثيرة تستعيد تلك الأغاني وتُعيد تقديمها، ضمن مشهد فيه كثير من الحنين إلى ذلك الزمن.
تعاون مع محمد ماضي فنانون آخرون، أبرزهم فضل شاكر؛ إذ غنّى له "يا حياة الروح" و"مصيرك حبيبي" و"مين قلك" و"مليت أنا أعذار". وكذلك وائل جسّار الذي غنّى له "أراضيكِ" و"اسمع كلام حبيبك". كذلك غنّى من كلماته المطرب الراحل ملحم بركات، والفنانة سميرة توفيق، ونجوى كرم، وعلاء زلزلي وزين العمر ووائل كفوري.
في السنوات الأخيرة، اعتزل محمد ماضي الكتابة. لكنّ نجله، أحمد، يتابع المسيرة نفسها بموهبة جديدة. عرف الابن كيف يوظّف إرث الأب بما يتماشى مع مزاجية شاب خطف من والده الحرفة، واتجه "متشدداً" جداً لآرائه، ما وضعه في مواقف إشكالية لا تُعَدّ ولا تُحصى مع المغنين. أبرز هؤلاء إليسا، التي نشب بينها وبين ماضي الابن خلاف بسبب أغنيتها "أنا وبس"، وكان قد هاجم إليسا هجوماً حادّاً على إحدى الفضائيات، مُتهماً المغنية اللبنانية بأنها "تُحارب الجميع" من شعراء وملحنين وشركات إنتاج، وأنها "تُثير الخلافات والمشاكل".