على قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات"، تبحث السلطات الروسيّة إمكانيّة إلغاء المسؤوليّة الجنائيّة والإداريّة عن استخدام البرامج المقرصنة من الشركات التي امتثلت لسلطات بلادها وانسحبت من السوق الروسية مثل "مايكروسوفت" و"آي بي إم" و"أوراكل" وغيرها.
بحسب صحيفة "كوميرسانت" الروسية، فإنّ هذه الخطوة جاءت في إطار محاولات السلطات الروسية التخفيف من تأثير انسحاب شركات تقنيات المعلومات الرائدة من روسيا وتوقفها عن بيع البرامج ومنتجاتها للعملاء الروس، وهو الإجراء الذي من المتوقع أن يحدث ضررًا كبيرًا في قطاع التكنولوجيا والمعلومات وعمل المؤسسات الروسية التي تعتمد على هذه البرمجيات. وكشفت الصحيفة عن إعداد برنامج بعنوان "خطة الإجراءات ذات الأولوية لضمان تنمية الاقتصاد الروسي في مواجهة ضغوط العقوبات الخارجية"، يتضمن مجموعة إجراءات لدعم مختلف قطاعات الاقتصاد الروسي، بمشاركة عدة هيئات.
أكد مصدر مطلع على الخطة أن بعض الاجراءات بدأ تنفيذها بالفعل. ووفقًا للخطة، ولدعم تقنيات المعلومات الروسية، طُرحت آلية ترخيص إلزامي للبرامج وقواعد البيانات تستند إلى البند 1360 من القانون الروسي، والذي يسمح للحكومة "في الضرورة القصوى" بتبني قرار بشأن استخدام الابتكارات أو نموذج المنفعة أو النموذج الصناعي من دون موافقة مالك البراءة. وتقترح السلطات أيضًا إلغاء المسؤولية الجنائية والإدارية عن استخدام البرامج غير المرخصة في الاتحاد الروسي، "التي تنتمي إلى صاحب حقوق طبع ونشر من البلدان التي أيدت العقوبات".
وبالإضافة إلى مقترح "قرصنة البرمجيات الأجنبية"، تعمل السلطات بشكل عاجل على تطوير تدابير لدعم شركات تكنولوجيا المعلومات الروسية. وذكرت مصادر لصحيفة "كوميرسانت" أنّ من بين التدابير تأجيل الخدمة العسكرية للمختصين والدارسين في قطاع تقنيات المعلومات، إضافة إلى منح قروض عقارية تفضيلية لموظفي شركات تكنولوجيا المعلومات، وإعفاء شركات هذا القطاع من ضريبة الدخل مدة ثلاث سنوات.
وفي رد فعلها الأولي على المقترح، قالت وزارة التنمية الرقمية الروسية إنها لم تقدم مقترحات للإعفاء من المسؤولية عن استخدام البرمجيات غير المرخصة ولا تدعمها. وأشارت الوزارة إلى أنها بدلاً من ذلك تؤيد تحفيز الانتقال إلى البرمجيات الروسية، مشيرةً إلى أنها تخطط لمناقشة هذا الموضوع مع وزارة الاقتصاد، بحسب بيان صدر عن الدائرة.
وأكد الخبير في تصميم تطبيقات الكمبيوترات والهواتف الذكية سامر سفاريني أن "القراصنة الروس قادرون على كسر جميع برامج التطبيقات وأجهزة الكمبيوتر، بالنسبة لبرامج "مايكروسوفت" و"آبل"، وهي برامج مستخدمة على نطاق واسع رغم قوانين الملكية الفكرية". وأشار في اتصال مع "العربي الجديد" إلى أن الشركات الأميركية ستفقد كثيرًا من دخلها في السوق الروسية، لأنّ المؤسسات الحكومية والمصارف الكبرى، على سبيل المثال، تدفع حالياً مبالغ ضحمة لشركة "أوراكل" المتخصصة في برامج قواعد البيانات الضخمة في المصارف وجوازات السفر وغيرها. وأوضح سفاريني أن "قرصنة البرمجيات ليست خطوة فعالة للغاية، لأن الشركات صممت كثيرًا من البرامج في شكل منتج سحابي يتطلب اشتراكات شهرية أو سنوية عن طريق الإنترنت، للحصول على شيفرة التشغيل والوصول إلى الخوادم، وإلا فإن الوصول إلى خدمة منتظمة سيتوقف، كما العديد من الأدوات، عن العمل". وخلص سفاريني إلى أن "الحل يكمن في مواصلة الاستراتيجية التي اتبعتها الحكومة الروسية في السنوات الماضية بدعم قطاع تقنيات المعلومات عبر استثمار مبالغ ضخمة لتسريع امتلاك روسيا برامج تشغيل وتطبيقات خاصة".
ونقلت "كوميرسانت" عن المستشار المستقل في العمل مع المشاريع الوطنية، أندريه شولوخوف، قوله إن استخدام البرمجيات الأجنبية من دون دفع أي أجر لصاحب حقوق الملكية الفكرية والتجارية سيمنح السوق الروسية فرصة لاستمرار العمل فترة معينة من دون تغيرات مفاجئة، مرجحًا أن تلجأ السلطات الروسية إلى استبدال هذه البرامج بتقنيات محلية، لأنه سيكون من الصعب للغاية تسريع عملية تطوير البرامج الروسية، محذرًا من "خطر يتمثل في أن الشركات ستضطر إلى استخدام برامج غير مرخصة فترة طويلة من الوقت".
وأعلنت شركة "مايكروسوفت"، الجمعة الماضي، تعليق المبيعات الجديدة في روسيا. وهذه الشركة هي المزود لنظام التشغيل ويندوز، الذي يعد البرنامج الرئيسي لدى المستهلكين الروس، بالإضافة إلى عدد من الخدمات الاستهلاكية الهامة والأنظمة المهنية، وقبلها، أعلنت آبل أيضا الانسحاب من السوق الروسية. ويوم الأربعاء الماضي، قالت شركة الحوسبة السحابية "أوراكل" أيضًا إنها علقت عملياتها في روسيا. ويوم الثلاثاء، أعلنت شركة "آبل" أيضًا أنها ستوقف المبيعات في روسيا. وأعلنت "سبوتيفاي" الأربعاء أيضاً عن تعليق عملياتها. وأتى ذلك بعدما تحركت "غوغل" و"فيسبوك" و"تيك توك" و"تويتر" لحظر وسائل إعلام روسية أو لإيقاف عملياتها في روسيا، فيما ردّت روسيا بالحجب.
وأطلقت روسيا منذ سنوات خطة من أجل استبدال أنظمة التشغيل والتطبيقات الأخرى من منتجات "مايكروسوفت" والموردين الأجانب الآخرين بالبرمجيات المحلية ومنتجات التشغيل المفتوحة. وأشار خبير لصحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" إلى أن هذه الخطة بدأت قبل سنوات. وأوضح أن الإدارات الروسية اعتمدت على البرامج والتطبيقات المحلية ليس فقط بسبب أمنها، ولكن أيضًا من أجل الاقتصاد في المصروفات، إذ تتطلب البرامج المكتبية الحديثة وغيرها من البرامج مدفوعات منتظمة، كما أنها تتبع لشركات أجنبية تصعب مراقبتها أحيانًا، على عكس البرمجيات المحلية "الشفافة" لقوى أمن المعلومات، ولا تتطلب اشتراكًا.
ولم تقتصر الإجراءات الروسية على بحث إجازة استخدام البرامج المقرصنة، إذ وقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يوم 3 مارس/ آذار الحالي، مرسوماً بشأن إجراءات تسريع تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات في البلاد. وبناءً على نص الوثيقة، تم توجيه الحكومة، على وجه الخصوص، بضمان تخصيص مبالغ سنوية من الموزانة الفيدرالية لدعم المشروعات الواعدة لتأمين حلول محلية في مجال تكنولوجيا المعلومات.
وتعليقاً على نوايا "قرصنة البرمجيات"، قال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف إنه من المستحيل استبعاد إمكانية استخدام البرامج غير المرخصة في روسيا. وزاد أن الحكومة تعمل على اتخاذ تدابير لدعم الاقتصاد، وخلص إلى أن الوضع غير اعتيادي ويتطلب "إجراءات استثنائية". وكشف بيسكوف أن العمل جار بسرعة كبيرة من أجل تبني مجموعة كاملة من التدابير، لأن الوضع "استثنائي بالنسبة للاقتصاد، ويتطلب إجراءات غير عادية وجريئة وغير قياسية. وتلك الإجراءات التي تناسب مصالحنا على أفضل وجه"، مشيرًا إلى أن سياسة العقوبات التي ينتهجها الغرب ضد روسيا "لصوصية اقتصادية"، مؤكداً أن موسكو ستقاوم ذلك.
وتسعى روسيا في السنوات الأخيرة إلى التحرر معلوماتياً وتكنولوجياً من اعتمادها على الشركات الغربية والأجنبية، إذ رصدت ما يزيد عن 30 مليار روبل لأمن المعلومات، في إطار البرنامج الوطني للاقتصاد الرقمي للفترة من 2019 وحتى 2024. ويتعلق الجزء الرئيسي من هذه النفقات بإنشاء ما يسمى بـ"الإنترنت السيادي"، بالإضافة إلى حوالي 452 مليار روبل للفترة ذاتها رصدت لبرنامج تحسين وتعزيز "التقنيات الرقمية". كما تم رصد أكثر من 235 مليار روبل لبرنامج "الإدارة الحكومية الرقمية"، الذي يهدف لتحسين وتعزيز عمل مؤسسات الدولة وتأمين التواصل بين فروعها المختلفة. ناهيك عن 768.5 مليار روبل للبنية التحتية التقنية.