عندما تلتقي الموهبة بالشغف تمنح المتلقي لوحات فنية تتقاطع فيها نفحات التاريخ وعبق الأصالة، التي تقاوم المعاصرة بتطورها التكنولوجي المتنامي.
عمي سعيد فنان جزائري يمتهن الرسم على الخزف، وهو من الفنون العريقة في المدن الجزائرية الكبرى، ازدهر في فترات مختلفة من تاريخ المغرب العربي عموماً، والجزائر بشكل خاص. حرفة ممزوجة بلمسة فنية تقاوم من خلال عمل عمي سعيد وأمثاله عوامل الزمن وتقلباته وقلة ذات اليد.
عقود من الزمن وهذه الأنامل الذهبية، بأدوات تقليدية بسيطة، تبدع في إنجاز تحف فنية بمختلف الأشكال والألوان، منها ما يؤرخ للحدث أو يزين بناية، أو ما يعطي مظهراً عريقاً لمكان يراد له أن يكون أصيلاً يسافر الناظر من خلاله إلى أزمنة جميلة، في تفاصيلها حنين إلى الماضي هي في الحقيقة جزء من "نوستالجيا" كل فرد.
عمي سعيد صاحب ذوق فني صقله من خلال تكوينه المتواصل في أعرق مدارس هذا الفن بين الجزائر والقاهرة، حيث تدرب على يد كبار المبدعين خلال سبعينات القرن العشرين، وهو رصيد فني يعمل جاهداً من أجل توريثه للأجيال وحمايته من الاندثار والضياع.
ورشات عديدة لتكوين وتدريب المهتمين من مختلف الأعمار في فن الرسم على الخزف يشرف عليها عمي سعيد، وهو ما مكّن عدداً منهم من فتح ورشات خاصة بهم واحتراف هذه المهنة كمصدر دخل لهم.
ورغم تقدمه في السن، إلا أنه لا يزال، ولمدة 25 عاماً، مصراً على مواصلة رسالته الفنية النبيلة كما يراها، وتلقين الأجيال أبجديات الفن وقدسية التعلم وحماية جزء من ذاكرة الأصالة من الزوال.