قال الروائي وكاتب السيناريو والمخرج البريطاني السير كريستوفر هامبتون، الحائز على جائزتَي أوسكار، إنّ "العديد من المخرجين الجدد يرتكبون الأخطاء عند محاولتهم تولّي كل صغيرة وكبيرة، معتقدين أنّهم يعلمون كل شيء، ويحاولون فرض شخصيتهم في مشاريعهم".
وفي محاضرته اليوم أمام ملتقى قمرة السينمائي 2023، الذي تنظمه مؤسّسة الدوحة للأفلام، وجّه هامبتون رسالة لكتاب السيناريو والمخرجين الصاعدين مفادها: "عندما تبدأون بالكتابة عليكم التفكير في كلّ جوانب الصناعة السينمائية، بدل التركيز على النصّ وحده".
وشدّد على ضرورة الانتباه إلى جميع المتطلبات السينمائية من لحظة البدء بالعمل على كتابة السيناريو، مؤكداً على وجوب الاستعانة بأفضل المحترفين ضمن طاقم العمل، سواءً كانوا ممثلين أو تقنيين، لإنتاج فيلم جذاب. لكنّه لفت في الوقت عينه، إلى ضرورة إعطائهم مساحة لبذل قصارى جهدهم مع أقل قدرٍ ممكن من تدخل المخرج.
وسبق لهامبتون أن حصل على جائزتي أوسكار أفضل سيناريو مقتبس عن فيلم "دينجرس ليايزون" (1988) من إخراج ستيفن فريرز، و"أتونمنت" (2007) من إخراج جو رايت.
كذلك، تولّى إخراج عدّة أفلام، أبرزها "كارينغتون" (1995) حول حياة الرسام دورا كارينغتون، بالإضافة إلى فيلم "إيماجينينغ أرجنتينا" (2003)، والذي تطرق إلى حالات الاختفاء القسري لأكثر من 30 ألف شخص، خلال فترة الحكم العسكري في الأرجنتين.
وقال هامبتون، خلال استضافته في ملتقى قمرة السينمائي: "عشتُ حياة رائعة، فعلت ما أردت القيام به. كان هناك بعض المطبات على طول الطريق. كانت هناك نكسات ولحظات شعرت فيها بالاكتئاب".
وشارك درساً من تجربته الخاصة مع المواهب الصاعدة، ومن ضمنهم الممثلون والمخرجون والكتاب: "قم بكتابة سيناريو وصناعة فيلم فقط عندما تريد فعلاً القيام بذلك".
وولد هامبتون في البرتغال، وعاش جزءاً كبيراً من طفولته في الإسكندرية في مصر، حيث كان يشاهد ثلاثة أفلام على الأقل في الأسبوع مع والده الذي كان يحبّ مشاهدة الأفلام.
وقال: "لم تكن هناك قيود وكنت أشاهد كل فيلم يُعرض. الذهاب إلى السينما ربما جعلني أرغب في أن أصبح كاتباً"، وتحفّزت هذه الرغبة بعد انضمامه إلى مدرسة داخلية بعد عودته إلى بريطانيا، حيث كانت تقام عروض أفلامٍ أسبوعية، كان لها "تأثير كبيرٌ على الجميع في ذلك الوقت"، حسب قوله.
وبدأ السير هامبتون مسيرته المهنية في مسرح رويال كورت، لأنّه "كان مسرحاً مرموقاً ويحظى بكثير من الاهتمام في لندن". أمّا دخوله عالم السينما فقد بدأ مع "دينجرس ليايزون"، المقتبس عن مسرحية من كتابته تحمل الاسم نفسه، والتي اقتبست بدورها عن رواية الفرنسي بيير كودريلو دو لاكلوس، الصادرة عام 1782.
وقال في هذا الصدد: "لقد كانت رواية رائعة وثرية تتمتع بحس حديث. في المقابل كان هناك اهتمام بسيط في عرضها على المسرح لأن أبطال الرواية لا يتقابلون، ممّا صعب عملية إقناع القائمين على المسرح بأنّها ستعجب الجمهور".
وعلى الرغم من حصوله على موافقة شركة شكسبير رويال على إنتاج المسرحية، إلّا أنّه لم ينجح في عرضها على المسرح الجديد والكبير آنذاك، واضطر للاكتفاء بعرضها على مسرحٍ يتسع لـ150 متفرجاً فقط.
واعتبر هامبتون أنّ الحظّ أسهم بدفع مسيرته المهنية قدماً في بعض اللحظات، قائلاً: "حقّقت المسرحية نجاحاً جيّداً على المسارح الصغيرة ونالت مراجعاتٍ إيجابية كثيرة". وأدّى ذلك إلى تحويلها إلى عملٍ سينمائي من إخراج ستيفن فريرز، الأمر الذي مثّل لحظة فارقةً في مسيرته. وأضاف: "السينما قطاع حافل بالمصادفات. كان هناك العديد من المعجزات التي أدّت إلى صناعة فيلم دينجرس ليايزون".
وأشار إلى أن صناعة فيلم "كارينغتون" لم تكن بالأمر السهل أيضاً، إذ استغرقت 18 عاماً منذ كتابته للنص وحتّى عرضه على الشاشة الكبيرة عام 1995.
وقال عن المواهب التي أحضرها للمشاركة في العمل: "إن العمل مع المصور السينمائي الفرنسي دينيس لينوار أعطى الفيلم رؤية وشكلاً مختلفين. لقد استخدم لينوار تقنية تسمى الوميض، ممّا أعطى الفيلم لمسة خاصة".
وفي حين كتب نصوصاً تحولت إلى أفلام سينمائية، يقول هامبتون إن هناك قسماً كبيراً من الأفلام في حياته بقيت "غير مرئية"، ولم تنجز قط، ومنها "نوسترومو" الذي توفيّ مخرجه ديفيد لين قبل إنجازه، بعد أن استثمرا عدّة سنوات في العمل عليه. مع ذلك، أكّد هامبتون أنّ تجربة العصف الذهني وتبادل الأفكار مع المخرج الراحل كانت قيّمة للغاية.
وأشار إلى أنّه تعلّم "تحديد نقاط القوة في السرد وجمع المشاهد معاً"، مضيفاً: "جعلني ذلك أدرك أنّ على كاتب السيناريو أن يأخذ بعين الاعتبار كلّ الجوانب المتعلّقة بصناعة الفيلم، بدل التركيز على النص وحده".