استمع إلى الملخص
- شهد وادي السيليكون تحولًا نحو دعم ترامب بفضل وعوده بسياسات صديقة للصناعة، مما جذب مستثمرين مهتمين بالعملات المشفرة والذكاء الاصطناعي لتعزيز الابتكار والنمو.
- تطورت علاقة إيلون ماسك وترامب من التوتر إلى الدعم، حيث أسس ماسك لجنة لدعم ترامب، نتيجة استيائه من سياسات بايدن تجاه قطاع التكنولوجيا.
في فبراير/شباط الماضي، استدعى الملياردير نيلسون بيلتز نحو 20 مانحاً ثرياً أغلبهم من الجمهوريين، ومجموعة من استراتيجيي الحزب الجمهوري، لتناول العشاء في عقاره الفخم في بالم بيتش في ولاية فلوريدا. كثيرون من المدعوين كانوا قد تبرأوا من دونالد ترامب بعد هجوم أنصاره على مبنى الكابيتول في يناير/كانون الثاني 2021، وبينهم بيلتز. لكن كان يبدو أنهم اختاروه ليكون مرشحهم في انتخابات 2024، وبدأوا بالتفكير في كيفية دعم وصوله إلى البيت الأبيض.
وكان بين هؤلاء إيلون ماسك الذي منحة بيلتز شرف التحدث أولاً أمام الحاضرين. قال الملياردير الأميركي إنه لطالما كان ديمقراطياً، لكنه لم يعد كذلك. وشدد على أهمية أن يوصي كل واحد من الموجودين في الغرفة أصدقاءه بالتصويت لترامب. هذا الحشد الشفوي ــ بالنسبة لماسك ــ كان ضرورياً لفوز المرشح الجمهوري. وهذا الفوز ضروري، فإذا فشلوا في إيصال ترامب إلى كرسي الرئاسة، فستكون الانتخابات الأخيرة آخر انتخابات حرة في الولايات المتحدة، وفقاً لما أوردته نيويورك تايمز في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وماسك، رئيس شركتي تسلا وسبيس إكس ومالك منصة إكس، لا يرى، هو وغيره من زملائه في وادي السيليكون، نفسه مجرد رجل أعمال، بل صاحب رؤية مهمته إعادة ابتكار العالم. على سبيل المثال لا الحصر، كتب مارك أندريسن الذي يشغل منصب عضو مجلس إدارة شركة ميتا بياناً العام الماضي، عنوانه "التحول إلى رجال تكنولوجيا خارقين" Becoming Technological Supermen. قال فيه: "لا توجد تحفة فنية لا تتسم بطابع عدواني. ولا بد أن تكون التكنولوجيا هجوماً عنيفاً على قوى المجهول، لإجبارها على الانحناء أمام الإنسان". وقد اقتبس هنا من "بيان المستقبلية" للشاعر الإيطالي فيليبو توماسو مارينيتي عام 1909. وكان مارينيتي مشهوراً أيضاً باعتباره مؤلف "البيان الفاشي" عام 1919.
هكذا، بدأ وادي السيليكون الذي لطالما كان معقلاً للديمقراطيين بالميل نحو ترامب، إذ جذبتهم وعوده باعتماد سياسات صديقة للصناعة في ما يتعلق بالعملات المشفرة والذكاء الاصطناعي، وابتعدت عن الرئيس جو بايدن، قبل انسحابه من السباق، بسبب التدقيق في عمل القطاع الذي يعتبرونه ضرباً للابتكار.
وادي السيليكون ينقلب على الديمقراطيين
عام 2016، كان الملياردير بيتر ثيل، المؤسس المشارك لشركة باي بال، الشخصية البارزة الوحيدة في وادي السيليكون التي دعمت ترامب. ولكن في الأشهر القليلة الماضية، كشف عدد غير قليل من كبار الشخصيات في وادي السيليكون (إيلون ماسك، ومارك أندريسن، وديفيد ساكس، وداغ ليوني، على سبيل المثال لا الحصر) عن أنفسهم باعتبارهم من أنصار ترامب، ومتبرعين له. فقد أنشأ ماسك لجنة عمل سياسية متحالفة مع الجمهوريين (سوبر باك) وتبرع لها. وفي السادس من يونيو/حزيران الماضي، استضاف ديفيد ساكس حفل عشاء لجمع التبرعات لصالح ترامب، حيث كانت قيمة الطبق الواحد 300 ألف دولار، وذلك في قصره في سان فرانسيسكو.
وفي 16 يوليو/تموز، أعلن مارك أندريسن وبِن هورويتز، مؤسسا واحدة من أبرز شركات رأس المال الاستثماري في وادي السيليكون، دعمهما لترامب في معركة الوصول إلى البيت الأبيض، وذلك خلال بودكاست مدته ساعة ونصف. وحاججا بأن ازدهار قطاع التكنولوجيا ضروري للحفاظ على الهيمنة الأميركية على العالم، وانتقدا إدارة بايدن لتقييد قطاع العملات المشفرة.
كما أن اختيار ترامب للسيناتور جي دي فانس، صاحب رأس المال الاستثماري السابق، ليكون نائباً له، سرّ الملياردير بيتر ثيل وبعض المستثمرين الآخرين في وادي السيليكون الذين يرون فانس واحداً منهم وحليفاً محتملاً في البيت الأبيض. عمل فانس سابقاً لصالح ثيل ــ وهو من مؤيدي ترامب منذ فترة وشارك في تأسيس شركة استخراج البيانات بالانتير ــ قبل الترشح لمجلس الشيوخ في ولاية أوهايو. وعلى الرغم من أن ثيل لم يخطط للتبرع بالمال لأي مرشح، فإن ترشيح فانس حسم تصويته لصالح ترامب، وفقاً لما كشفه شخص مقرب منه تحدث لصحيفة واشنطن بوست أخيراً شرط عدم الكشف عن هويته.
في مقابلة أجريت مع ترامب في أكتوبر الماضي، قال إن الرئيس التنفيذي لـ"آبل"، تيم كوك، اتصل به لمناقشة المشاكل القانونية التي تواجهها الشركة في أوروبا. ويبدو أن ترامب قد أزعج الرئيس التنفيذي لشركة ألفابت، سوندار بيتشاي، مرات كافية لدرجة أن الأخير اتصل به للإشادة بإطلالته في ماكدونالدز (في سبتمبر/أيلول الماضي، اتهم ترامب محرك البحث غوغل بعرض مقالات سيئة فقط عنه، وتعهد بمقاضاة عملاق التكنولوجيا في حال فوزه بالانتخابات الرئاسية). وكان ترامب شديد السرور بالمحادثة لدرجة أنه ذكرها مرتين، مرة في تجمع جماهيري ومرة في بودكاست جو ريغان، وهو البودكاست الأكثر شعبية في العالم. وبحسب شبكة سي أن أن، اتصل الرئيس التنفيذي لشركة أمازون، آندي جاسي، بترامب لتبادل المجاملات. وفي السياق نفسه، تحدث مسؤولون تنفيذيون في شركة استكشاف الفضاء بلو أوريجين، التابعة لجيف بيزوس، مع ترامب بعد حدث انتخابي في أوستن، حسبما ذكرت وكالة أسوشييتد برس. وللمرة الأولى منذ عام 1988، أعلنت صحيفة واشنطن بوست، المملوكة أيضاً لجيف بيزوس، أنها لن تدعم كامالا هاريس ولا دونالد ترامب في السباق إلى البيت الأبيض. هذا القرار الذي أُعلن قبل أقل من أسبوعين من يوم الانتخابات أثار تساؤلات حول ما إذا كان بيزوس يخشى من ردة فعل محتملة من المرشح الجمهوري دونالد ترامب في حال انتخابه رئيساً.
ماسك وترامب: علاقة متقلبة
بالعودة إلى ماسك وترامب، فإن العلاقة بين الرجلين لم تكن دائماً كما هي الآن، إذ قال ماسك سابقاً إن على ترامب التخلي عن طموحاته الرئاسية، ودعم بدلاً منه حاكم فلوريدا رون ديسانتيس. وترامب شتم ماسك سابقاً ليصفه بأنه مدع. وقبل وقتٍ قصير على انتخابات الرئاسة الأميركية في العام 2016، أعلن إيلون ماسك المؤيد للحزب الديمقراطي آنذاك دعمه المرشحة هيلاري كلينتون في وجه دونالد ترامب مرشح الجمهوريين، مشكّكاً في قدرة الأخير على شغل منصب الرئاسة. لم تدفع هذه الانتقادات ترامب إلى اتخاذ موقفٍ سلبي من ماسك، إذ التقاه أكثر من مرة خلال العام 2017 بعد فوزه بالرئاسة، في اجتماعات ضمّت مديري كبرى شركات التكنولوجيا، لمناقشة قضايا مثل خلق فرص العمل والابتكار. بعدها عيّن ترامب ماسك في عدة مجالس استشارية تابعة للبيت الأبيض، بما في ذلك منتدى الاستراتيجية والسياسة الرئاسية ومبادرة وظائف التصنيع، التي تهدف إلى تزويد الرئيس برؤى اقتصادية جديدة، لكن علاقتهما السياسية توطدت باجتماع في مارس/آذار الماضي في بالم بيتش في ولاية فلوريدا.
في ذلك الوقت تقريباً، أخبر ماسك صديقاً له أنه يريد دعم ترامب، سياسياً ومالياً، من دون إثارة ضجيج، لكنه تراجع لاحقاً عن هذا الحذر، فخلال الربيع، أسس لجنة عمل سياسي مؤيدة لترامب، وخطط لإيداع ما يصل إلى 180 مليون دولار فيها. كما جنّد بعض أصدقائه، مثل المستثمر التكنولوجي جو لونسديل، لتغطية بعض تكاليف لجنة العمل السياسي التي تدعم ترامب. وعين ماسك فريقاً للجنة العمل السياسي، لكنه طرده بعد نحو شهرين، واستبدل أفراده بناشطين سياسيين عملوا مع ديسانتيس. ثم عيّن ماسك الشخصية البارزة في الحقل السياسي الجمهوري، كريس يونغ، لتقديم المشورة له شخصياً حول كيفية أن يصبح أكثر دراية بعمله السياسي. في يونيو/حزيران الماضي خلال الاجتماع السنوي لمساهمي شركة تسلا، قال ماسك إنه تحدث مع ترامب. وأضاف: "أجريت بعض المحادثات معه، وهو يتصل بي فجأة من دون سبب".
بعد محاولة اغتيال ترامب في يوليو/تموز الماضي، قرر ماسك التحدث علناً عن دعمه المرشح الجمهوري. كتب ماسك حينها على "إكس": "أؤيد الرئيس ترامب تماماً، وآمل أن يتعافى بسرعة". ونشر صورة لترامب بعد لحظات من محاولة الاغتيال، وكتب: "آخر مرة كان لدى أميركا مرشح صعب مثله (ترامب) كان ثيودور روزفلت". خلال محادثتهما على "إكس" في أغسطس/آب الماضي، مدح ترامب مضيفه ماسك، وأشاد به لطرده الموظفين الذين أرادوا الإضراب. وفي بودكاست بعد بضعة أسابيع، وصف ترامب ماسك بأنه "رجل لامع" يمكن أن يكون مستشاراً لإدارته.
كما أن قرار ماسك بدعم ترامب يشكل تحولاً لافتاً لرجل تجنب تاريخياً المعارك السياسية. يقال مثلاً إنه انتظر ذات مرة في الطابور لمدة ست ساعات لمصافحة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وعام 2018 وصف نفسه بأنه "معتدل" سياسياً. عام 2017، كان من بين أوائل الأعضاء الذين تركوا مجلس الأعمال في البيت الأبيض، وعارض سياسات ترامب بشأن تغير المناخ. وشركته تسلا مصنعة للسيارات الكهربائية التي لطالما انتقدها ترامب ووصفها بأنها باهظة الثمن وغير عملية. مع ذلك، فإن غضب ماسك ازداد خلال السنوات بسبب الرقابة التي فرضها المنظمون الماليون. وتصاعدت انتقاداته لبايدن قبل عامين، حين لم يتلق دعوة لحضور اجتماع عمل في البيت الأبيض، وهو ازدراء دفعه إلى التصريح لشبكة "سي إن بي سي" بأنه يشعر "بالتجاهل" و"الظلم". وعلى منصات التواصل الاجتماعي، شارك بشكل متزايد في مناقشات حول عمليات الإغلاق بسبب تفشي فيروس كورونا، والحرب في أوكرانيا، وسياسة الصين، وقضايا العابرين جنسياً. ولدى ماسك، الذي تقوم شركته الصاروخية سبيس إكس بأعمال حكومية بمليارات الدولارات، علاقة مع إدارة ترامب التي يجب أخذها في الاعتبار أيضاً.
المصالح أولاً
منذ وصول جو بايدن إلى الحكم، وجّهت أجهزة الحكومة الأميركية انتقادات واسعة لعمالقة التكنولوجيا مثل "غوغل" و"أمازون" و"ميتا"، واتخذت بحقها إجراءات إدارية وقانونية بناءً على مزاعم بانتهاكهم قوانين مكافحة الاحتكار وإيذاء المستهلكين بشكل غير قانوني. لاقت هذه القرارات ترحيباً كبيراً من منتقدي قطاع التكنولوجيا، الذين يضمون في صفوفهم العديد من الديمقراطيين. وكتب مارك أندريسن وبِن هورويتز مقالاً مشتركاً أخيراً، قالا فيه إن "السياسات الحكومية السيئة تشكل حالياً التهديد الأول لشركات التكنولوجيا الصغيرة". وأضافا: "حان وقت اتخاذ موقف".
وحتى مَن استمروا في دعم الديمقراطيين لم يخفوا قلقهم في حال فازت كامالا هاريس. وقد دعاها أحد كبار المتبرعين للحزب الديمقراطي والداعم لهاريس، ريد هوفمان، إلى إقالة رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية لينا خان في حال انتخابها. وكانت خان قد تحولت إلى رمز للديمقراطيين الليبراليين وحتى جزءٍ من المحافظين المنتقدين لشركات التكنولوجيا العملاقة، باعتبارها قائدة حملة بايدن ضد احتكار الشركات، خاصةً في القطاع التكنولوجي، فيما رأى هوفمان، العضو في مجلس إدارة شركة مايكروسوفت، أنّ خان "لا تساعد أميركا" من خلال "شن حرب" على الشركات. أثارت هذه التصريحات غضباً في الجناح الليبرالي للحزب الديمقراطي، مما دفع جماعات حماية المستهلكين إلى مراسلة هاريس وحثّها على الالتزام علناً بخان.
وخلال السنوات الماضية، تولت كامالا هاريس، بصفتها نائبة الرئيس، دوراً رائداً داخل البيت الأبيض في ما يخص الذكاء الاصطناعي مع الانطلاقة الصاروخية لهذه التقنية. فقد جلبت رؤساء شركات أوبن إيه آي ومايكروسوفت وغوغل وأنثروبيك إلى البيت الأبيض، للاتفاق على معايير السلامة الطوعية لهذه التكنولوجيا. وقادت أمراً تنفيذياً للبيت الأبيض يفرض كيفية استخدام الحكومة الفيدرالية لهذه التقنية وكيفية تطويرها. ودفعت الكونغرس إلى اعتماد لوائح لحماية الأفراد من الذكاء الاصطناعي. وقالت هاريس في خطاب ألقته في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي: "إننا نرفض الاختيار المضلل بين إما حماية العامة أو تعزيز الابتكار"، ودعت إلى تنظيم عالمي للقطاع وفرض المزيد من المساءلة على الشركات. وأضافت مؤكدة: "يمكننا ويجب علينا القيام بالأمرين معاً". كما أنها اتخذت في السابق مواقف أكثر صرامة تجاه شركات التكنولوجيا الكبرى. بصفتها المدعية العامة السابقة لمقاطعة سان فرانسيسكو، ثم المدعية العامة لولاية كاليفورنيا، فقد ضغطت من أجل سن قوانين ضد التنمر عبر الإنترنت وتعزيز خصوصية الأطفال عبر الشبكة. وعملت على وضع حد لانتشار الصور الحميمة التي التقطت من دون موافقة أصحابها على منصات التواصل.