كلّ رجال الرئيس... في وادي السيليكون

07 نوفمبر 2024
ماسك خلف ترامب خلال تجمع انتخابي في بنسلفانيا، 5 أكتوبر 2024 (جيم واتسون/ فرانس برس)
+ الخط -

في فبراير/شباط الماضي، استدعى الملياردير نيلسون بيلتز نحو 20 مانحاً ثرياً أغلبهم من الجمهوريين، ومجموعة من استراتيجيي الحزب الجمهوري، لتناول العشاء في عقاره الفخم في بالم بيتش في ولاية فلوريدا. كثيرون من المدعوين كانوا قد تبرأوا من دونالد ترامب بعد هجوم أنصاره على مبنى الكابيتول في يناير/كانون الثاني 2021، وبينهم بيلتز. لكن كان يبدو أنهم اختاروه ليكون مرشحهم في انتخابات 2024، وبدأوا بالتفكير في كيفية دعم وصوله إلى البيت الأبيض. وكان بين هؤلاء إيلون ماسك الذي منحة بيلتز شرف التحدث أولاً أمام الحاضرين. قال الملياردير الأميركي إنه لطالما كان ديمقراطياً، لكنه لم يعد كذلك. وشدد على أهمية أن يوصي كل واحد من الموجودين في الغرفة أصدقاءه بالتصويت لترامب.

هذا الحشد الشفوي ــ بالنسبة لماسك ــ كان ضرورياً لفوز المرشح الجمهوري. وهذا الفوز ضروري، فإذا فشلوا في إيصال ترامب إلى كرسي الرئاسة، فستكون الانتخابات الأخيرة آخر انتخابات حرة في الولايات المتحدة، وفقاً لما أوردته نيويورك تايمز في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وماسك، رئيس شركتي تسلا وسبيس إكس ومالك منصة إكس، لا يرى، هو وغيره من زملائه في وادي السيليكون، نفسه مجرد رجل أعمال، بل صاحب رؤية مهمته إعادة ابتكار العالم. على سبيل المثال لا الحصر، كتب مارك أندريسن الذي يشغل منصب عضو مجلس إدارة شركة ميتا بياناً العام الماضي، عنوانه "التحول إلى رجال تكنولوجيا خارقين" Becoming Technological Supermen. قال فيه: "لا توجد تحفة فنية لا تتسم بطابع عدواني. ولا بد أن تكون التكنولوجيا هجوماً عنيفاً على قوى المجهول، لإجبارها على الانحناء أمام الإنسان". وقد اقتبس هنا من "بيان المستقبلية" للشاعر الإيطالي فيليبو توماسو مارينيتي عام 1909. وكان مارينيتي مشهوراً أيضاً باعتباره مؤلف "البيان الفاشي" عام 1919.
هكذا، بدأ وادي السيليكون الذي لطالما كان معقلاً للديمقراطيين بالميل نحو ترامب وتبني ما يشبه استبداداً تكنولوجياً. عام 2016، كان الملياردير بيتر ثيل، المشارك لشركة باي بال، الشخصية البارزة الوحيدة في وادي السيليكون التي دعمت ترامب. ولكن في الأشهر القليلة الماضية، كشف عدد غير قليل من كبار الشخصيات في وادي السيليكون (إيلون ماسك، ومارك أندريسن، وديفيد ساكس، على سبيل المثال لا الحصر) عن أنفسهم باعتبارهم من أنصار ترامب، ومتبرعين له. فقد أنشأ ماسك لجنة عمل سياسية متحالفة مع الجمهوريين (سوبر باك) وتبرع لها. وفي السادس من يونيو/حزيران الماضي، استضاف ديفيد ساكس حفل عشاء لجمع التبرعات لصالح ترامب، حيث كانت قيمة الطبق الواحد 300 ألف دولار، وذلك في قصره في سان فرانسيسكو. في مقابلة أجريت مع ترامب في أكتوبر الماضي، قال إن الرئيس التنفيذي لـ"آبل"، تيم كوك، اتصل به لمناقشة المشاكل القانونية التي تواجهها الشركة في أوروبا. ويبدو أن ترامب قد أزعج الرئيس التنفيذي لشركة ألفابت، سوندار بيتشاي، مرات كافية لدرجة أن الأخير اتصل به للإشادة بإطلالته في ماكدونالدز. وكان ترامب شديد السرور بالمحادثة لدرجة أنه ذكرها مرتين، مرة في تجمع جماهيري ومرة في بودكاست جو ريغان، وهو البودكاست الأكثر شعبية في العالم.

وبحسب شبكة سي أن أن، اتصل الرئيس التنفيذي لشركة أمازون، آندي جاسي، بترامب لتبادل المجاملات. وفي نفس السياق، تحدث مسؤولون تنفيذيون في شركة استكشاف الفضاء بلو أوريجين، التابعة لجيف بيزوس، مع ترامب بعد حدث انتخابي في أوستن، حسبما ذكرت وكالة أسوشييتد برس. وأثنى الرئيس التنفيذي لـ"ميتا"، مارك زوكربيرغ، على ترامب بعد نجاته من محاولة الاغتيال.
وبالعودة إلى ماسك وترامب، فإن العلاقة بين الرجلين لم تكن دائماً كما هي الآن، إذ قال ماسك سابقاً إن على ترامب التخلي عن طموحاته الرئاسية، ودعم بدلاً منه حاكم فلوريدا رون ديسانتيس. وترامب شتم ماسك سابقاً ليصفه بأنه مدع. وقبل وقتٍ قصير على انتخابات الرئاسة الأميركية في العام 2016، أعلن إيلون ماسك المؤيد للحزب الديمقراطي آنذاك دعمه المرشحة هيلاري كلينتون في وجه دونالد ترامب مرشح الجمهوريين، مشكّكاً في قدرة الأخير على شغل منصب الرئاسة. لم تدفع هذه الانتقادات ترامب إلى اتخاذ موقفٍ سلبي من ماسك، إذ التقاه أكثر من مرة خلال العام 2017 بعد فوزه بالرئاسة، في اجتماعات ضمّت مديري كبرى شركات التكنولوجيا، لمناقشة قضايا مثل خلق فرص العمل والابتكار. بعدها عيّن ترامب ماسك في عدة مجالس استشارية تابعة للبيت الأبيض، بما في ذلك منتدى الاستراتيجية والسياسة الرئاسية ومبادرة وظائف التصنيع، التي تهدف إلى تزويد الرئيس برؤى اقتصادية جديدة، لكن علاقتهما السياسية توطدت باجتماع في مارس/آذار الماضي في بالم بيتش في ولاية فلوريدا.

في ذلك الوقت تقريباً، أخبر ماسك صديقاً له أنه يريد دعم ترامب، سياسياً ومالياً، من دون إثارة ضجيج، لكنه تراجع لاحقاً عن هذا الحذر، فخلال الربيع، أسس لجنة عمل سياسي مؤيدة لترامب، وخطط لإيداع ما يصل إلى 180 مليون دولار فيها. كما جنّد بعض أصدقائه، مثل المستثمر التكنولوجي جو لونسديل، لتغطية بعض تكاليف لجنة العمل السياسي التي تدعم ترامب. وعين ماسك فريقاً للجنة العمل السياسي، لكنه طرده بعد نحو شهرين، واستبدل أفراده بناشطين سياسيين عملوا مع ديسانتيس. ثم عيّن ماسك الشخصية البارزة في الحقل السياسي الجمهوري، كريس يونغ، لتقديم المشورة له شخصياً حول كيفية أن يصبح أكثر دراية بعمله السياسي. في يونيو/حزيران الماضي خلال الاجتماع السنوي لمساهمي شركة تسلا، قال ماسك إنه تحدث مع ترامب. وأضاف: "أجريت بعض المحادثات معه، وهو يتصل بي فجأة من دون سبب".

بعد محاولة اغتيال ترامب في يوليو/تموز الماضي، قرر ماسك التحدث علناً عن دعمه المرشح الجمهوري. كتب ماسك حينها على "إكس": "أؤيد الرئيس ترامب تماماً، وآمل أن يتعافى بسرعة". ونشر صورة لترامب بعد لحظات من محاولة الاغتيال، وكتب: "آخر مرة كان لدى أميركا مرشح صعب مثله (ترامب) كان ثيودور روزفلت". خلال محادثتهما على "إكس" في أغسطس/آب الماضي، مدح ترامب مضيفه ماسك، وأشاد به لطرده الموظفين الذين أرادوا الإضراب. وفي بودكاست بعد بضعة أسابيع، وصف ترامب ماسك بأنه "رجل لامع" يمكن أن يكون مستشاراً لإدارته.
لماذا؟ منذ وصول جو بايدن إلى الحكم، وجّهت أجهزة الحكومة الأميركية انتقادات واسعة لعمالقة التكنولوجيا مثل "غوغل" و"أمازون" و"ميتا"، واتخذت بحقها إجراءات إدارية وقانونية بناءً على مزاعم بانتهاكهم قوانين مكافحة الاحتكار وإيذاء المستهلكين بشكل غير قانوني. لاقت هذه القرارات ترحيباً كبيراً من منتقدي قطاع التكنولوجيا، الذين يضمون في صفوفهم العديد من الديمقراطيين. وحتى مَن استمروا في دعم الديمقراطيين لم يخفوا قلقهم في حال فازت كامالا هاريس. وقد دعاها أحد كبار المتبرعين للحزب الديمقراطي والداعم لهاريس، ريد هوفمان، إلى إقالة رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية لينا خان في حال انتخابها.

وكانت خان قد تحولت إلى رمز للديمقراطيين الليبراليين وحتى جزءٍ من المحافظين المنتقدين لشركات التكنولوجيا العملاقة، باعتبارها قائدة حملة بايدن ضد احتكار الشركات، خاصةً في القطاع التكنولوجي، فيما رأى هوفمان، العضو في مجلس إدارة شركة مايكروسوفت، أنّ خان "لا تساعد أميركا" من خلال "شن حرب" على الشركات. أثارت هذه التصريحات غضباً في الجناح الليبرالي للحزب الديمقراطي، مما دفع جماعات المستهلكين إلى مراسلة هاريس وحثّها على الالتزام علناً بخان.

المساهمون