استمع إلى الملخص
- يتميز الفيلم بأجواء غامضة ومثيرة، حيث يكتشف المشاهدون سرًا مظلمًا خلف هدوء المنتجع السياحي، ويقدم دان ستيفنس أداءً مميزًا يضيف إلى الغموض.
- رغم بناء الفيلم الذكي للرعب، يعاني الفصل الثالث من فوضى في الحبكة، إلا أن "كوكو" يبقى تجربة سينمائية تستحق المشاهدة بفضل فكرته الأصلية وأدائه القوي.
تُخفي وجهها خلف خصلات شعر أشقر بطول الذقن، وعندما يظهر، يكون له تعبير رافض ومتحدٍّ. ينعكس ذلك في وضعيتها، وليس أقلّها في الطريقة التي تدير بها عينيها تجاه البالغين حولها. لوهلة أولى، تُعتبر غريتشن (هانتر شافر)، 17 عاماً، بطلة "كوكو (Cuckoo)" للألماني تيلمان سينغر (كتابة وإخراجاً)، تجسيداً مكثفاً لترند "الفتاة السيئة"، الذي استحضرته وسائل التواصل الاجتماعي، كشابّة مشاغبة مستعدة للإساءة من دون أيّ سبب معيّن. لكنْ، لغريتشن أسباب وجيهة.
توفيت والدتها، التي ربّتها بمفردها، واضطرّت إلى التكيّف مع عائلة غريبة عنها: أحضرها والدها البيولوجي لويس (مارتون كسوكاس)، الغائب بوضوح في طفولتها، من الولايات المتحدة، لتعيش مع عائلته الجديدة، المُكوّنة من زوجته بيث (جيسيكا هينويك) وابنتهما (سبعة أعوام) الصامتة ألما (ميلا ليو). كأنّ هذا لم يكن كافياً لإعادة ترتيب الأسرة في خضم اضطرابات شبابية. ينتقلون معاً إلى جبال الألب البافارية، حيث سيُصمّم لويس وبيث، كمهندسين معماريين، توسعة منتجع سياحي فاخر.
رغم أنّ المكان يبدو هادئاً وخيالياً، تُدرك غريتشن ببطء أنّه يخفي سرّاً مظلماً. يمنح "كوكو" (2024) لمحة أولى عن هذا المكان المثالي من خلال تردّد غريتشن. بصفتها فتاة مدينة، وعازفة غيتار في فرقة، ليس لديها وقت للغابات والمروج. يمرّ وقت قليل قبل مواجهتها أول غرابة في هذا المكان البعيد: السيد كونيغ (دان ستيفنس)، مُشغّل المنتجع.
يؤدّي البريطاني ستيفنس دوره على الطريقة الألمانية الكاريكاتورية، ببرودة لطيفة ودافئة بشكل غريب. يقوم بعملٍ ممتاز في نقل أجواء مزعجة وغريبة، من دون أنْ يكون كاريكاتورياً. التزامه الدور يضيف إلى الهالة الغامضة للفيلم. أداؤه المتطوّر، مع لهجته الطفيفة، مُسلّ ومثير للاشمئزاز في الوقت نفسه. لكنْ، لا أحد ينزعج من طريقته المتخفّية، باستثناء غريتشن. عندما عرض عليها وظيفة موظّفة استقبال في فندق المنتجع، وافقت فوراً، لأنّها تريد توفير المال للعودة إلى الولايات المتحدة قريباً جداً. تبوح غريتشن بخططها لجهاز الردّ الآلي، الذي لا يزال ناشطاً في منزل والدتها، وسيلة اتصالها الأخيرة بموئلها المفقود. في الوقت نفسه، تضفي هانتر شافر الكثير من الشخصية على غريتشن، إذْ تتعامل بشكل جيّد مع مشاعر الفتاة المُراهقة المختلفة، ومشاعرها المتضاربة تجاه أختها. تأخذنا في رحلةٍ من القلق في سنّ المُراهقة، وصعوبات التكيّف مع عائلة جديدة.
في عالمٍ مليء بالسلاسل الفيلمية، وإعادات الإنتاج والقصص المتشابهة والأساليب الشائعة، فإنّ "كوكو" مُنعشٌ للغاية. يقدّم مفهوماً أصلياً، ويتمتّع بموارد إبداعية غنية، وأجواء آسرة، وأداء قوي لممثليه وممثلاته. إذا لم يتعلّق الأمر بفصلٍ ثالث لا معنى له، فإنّ لديه القدرة على أنْ يصبح أحد أفضل إنتاجات الرعب في السنوات الأخيرة.
في أول فصلين منه، يحافظ "كوكو" على التوتّر بشكل جيّد للغاية. بناء الرعب ذكيّ، ولا يقتصر على الرعب المبتذل. يلعب التصوير الفوتوغرافي بالصُور الظلّية والمساحات المظلمة للإشارة إلى وجود شيء غريب. كما يمنح أدلّة قليلة عمّا يحدث، كتأثير الاهتزاز المتكرّر، الممزوج باستخدام ذكي للغاية للصوت، المهمّ جداً.
تؤدّي كلّ هذه العناصر إلى كشفٍ أصلي ومرضي للغاية، يربط الأشياء بشكل ممتاز. لسوء الحظ، بمجرّد حدوث ذلك، لا يعرف السيناريو كيفية إنهاء القصّة. يبدو الأمر كأنّ سينغر بذل كلّ جهوده في إحداث هذا التحوّل في الأحداث، وانتهى إبداعه، فعجز عن إنجاز حبكة شاملة. النتيجة: فصل ثالث فوضوي، يتّخذ فيه الأبطال قرارات غير متماسكة، وتصبح أفعالٌ عدّة بلا معنى. في دقائق، يُغيّر الأبطال آراءهم بطرق سخيفة، إلى حدّ يُخرجك من القصة.
من شأن هذا الخطأ أنْ يلقي بكل الأسلوب، والعناية التي بذلت حتى تلك النقطة، من النافذة. لكنْ، ما سبقه جيدٌ ومبدع، إلى درجة أنّه لا يزال تجربة تستحق المشاهدة. فـ"كوكو" فيلم نضوج ودراما وجودية في بنية فيلم رعب، يتجنّب كليشيهات النوع، كالاستحوذات الشيطانية، والموضوعات الدينية التي شاهدنا الكثير منها هذا العام، ويلتزم غالباً فرضية محفوفة بالمخاطر وجديدة.