استمع إلى الملخص
- آثار الحرب المروعة: يعرض المتحف آثار "العامل البرتقالي" الذي تسبب في تشوهات وأمراض خطيرة، ومعروضات مثل "أقفاص النمر" التي تُظهر الظروف اللاإنسانية للسجناء السياسيين.
- دعم مصر للنضال الفيتنامي: يُبرز المتحف دعم مصر للنضال الفيتنامي وتوثيق انتصار فيتنام عام 1975، حيث تحتفي الصحف المصرية بهذا الانتصار كرمز للمقاومة ضد الإمبريالية.
يتوافد الزوّار إلى متحف مخلفات الحرب وسط صخب مدينة هو شي منه في فيتنام، ليتعرّفوا إلى جزء بسيط من تاريخ مليء بالآلام والصراعات. هذا المتحف، أحد أبرز الوجهات الثقافية في البلاد، يفتح أبوابه ليروي قصة الحرب الأميركية الفيتنامية. ومن خلال الصور المروعة، والشهادات المؤثرة للناجين وبقايا الآلات العسكرية، يعرض المتحف صورة مريرة عن تكلفة الصراعات على الإنسان والبيئة.
متحف مخلفات الحرب في فيتنام
متحف مخلفات الحرب أحد أقدم المتاحف في سايغون، وأُنشئ لعرض مراحل بارزة من حرب فيتنام. وافتتح لأول مرة للجمهور عام 1975. ومنذ ذلك الحين، خضع المتحف لتغييرات وتجديدات عدة في عملية تطبيع العلاقات بين فيتنام والولايات المتحدة. لسنوات عدة، كان متحف مخلفات الحرب أحد أكثر مناطق الجذب زيارة في مدينة هو شي منه وفي جميع أنحاء البلاد. وخلال 45 عاماً من الإنشاء والتطوير (1975 - 2020)، استقبل أكثر من 23 مليون زائر، منهم أكثر من 11 مليون أجنبي. يستقبل المتحف حالياً أكثر من مليون زيارة سنوياً.
من "العامل البرتقالي" إلى "أقفاص النمر"
الطابق الأرضي من المبنى تُغلّف جدرانه صور بالأبيض والأسود، وقصاصات من صحف، وبقايا آلات عسكرية توثّق بشاعة الحرب. لكن تبقى الغرف المخّصصة لتوثيق آثار "العامل البرتقالي"، أكثر الأقسام التي تصيب الزوّار بالصدمة، إذ يعرض المتحف التاريخ المأساوي لهذا المبيد السام الذي استُخدم خلال الحرب. وصُمّم لإزالة الغابات الكثيفة التي وفّرت للقوات الفيتنامية مخابئ من اعتداءات الجنود الأميركيين، ولتدمير المحاصيل الزراعية بهدف تجويع الناس.
بيد أنّ كارثة استخدام العامل البرتقالي، تجاوزت التوقّعات والأهداف. لم يقتصر الضرر على تلف الغابات والمحاصيل، بل تسبّبت هذه المواد الكيميائية في تشوّهات خلقية وأمراض سرطانية واضطرابات عصبية ومناعية. تشير الإحصاءات إلى أن أكثر من أربعة ملايين شخص تأثروا مباشرةً، أو بطريقة غير مباشرة، ولا تزال الأجيال الجديدة تعاني من تبعات هذا المبيد.
أثناء مرورك بالبوابة الأمامية لمتحف مخلفات الحرب في سايغون، المعروفة بـ"هو شي منه" اليوم، ستشاهد مختلف الأسلحة الثقيلة التي يستخدمها الجيش الأميركي، مثل مروحيات القوات الجوية الأميركية والطائرات والدبابات المدرعة معروضة في الفناء. إضافةً إلى ذلك، هناك أنواع عدة من الأسلحة مثل الصواريخ والقنابل والألغام التي كانت نشطة، وأُبطل مفعول صواعقها قبل عرضها. أمّا في القسم الخلفي للمتحف، فيأخذك طريق صغير إلى أحد أكثر المعروضات وحشية: أقفاص النمر. الأقفاص مصنوعة من أسلاك شائكة، وتعرض نماذج للمعتقلين وهم يعانون من سوء التغذية في ظروف لاإنسانية. كل زاوية، في هذا القسم تعكس البؤس الذي عانى منه السجناء.
ما أشبه فيتنام بسورية
هذه الأقفاص، التي استخدمتها حكومة فيتنام الجنوبية لاحتجاز وتعذيب السجناء السياسيين في سجن كون داو، اعتقدتُ أنّها تجسّد أسوأ ما يمكن أن تصل إليه الهمجية البشرية، إلى أن شاهدتُ صور المعتقلين السوريين. فبعد زيارة المتحف، لم تغادرني الصور والمشاهد التي رأيتها، حتى أنني شعرت بثقلها مرة أخرى عندما رأيت معاناة السجناء السوريين في سجون النظام المخلوع. مشاهد سوء التغذية والتعذيب الوحشي، أعادت إلى ذاكرتي مشاهد أقفاص النمر في متحف مخلفات الحرب.
رغم اختلاف الأزمنة والجغرافيا، إلا أن الوحشية واحدة. تتشابه الممارسات في تفاصيلها: سوء التغذية الممنهج والإبداع في وسائل التعذيب. الحرب في سورية، مثلها مثل الحرب في فيتنام، كشفت عن الجانب الأقبح في الطبيعة البشرية. أمّا قصّة هروب الرئيس بشار الأسد، فتذكّرني بمشهد آخر في متحف مخلفات الحرب: الطائرات الحربية الأميركية والدبابات المهجورة التي تتصدر ساحات المتحف الأمامية. كلا المشهدين يعبّران عن انسحابات مهينة تركت وراءها إرثاً ثقيلاً من الألم والفوضى والدمار.
مصر تدعم النضال الفيتنامي
منذ افتتاحه عام 1975، أصبح متحف مخلفات الحرب ليس فقط مكاناً لتوثيق التاريخ، بل منصة لإيصال أصوات الناجين. يحتوي المتحف على أكثر من 20 ألف وثيقة ومعروض، تشمل صوراً وأفلاماً ووثائق تؤرخ لتفاصيل الحرب الأميركية الفيتنامية. منها على سبيل المثال، أخبار من صحف تعود إلى انتصار فيتنام في الحرب ضد الولايات المتحدة في عام 1975. حينها حظي هذا الحدث بتغطية إعلامية واسعة على المستوى العالمي، خاصة في الدول التي كانت تدعم النضال الفيتنامي، ومنها مصر.
الصحف المصرية، التي كانت تعكس في ذلك الوقت سياسات مصر المناهضة للاستعمار والداعمة لحركات التحرر الوطني، احتفت بالانتصار الفيتنامي، واعتبرته انتصاراً رمزياً كبيراً لحركات المقاومة ضد الإمبريالية. ومن العناوين التي نشرتها الصحف المصرية آنذاك: "عاش نضال الشعب الفيتنامي البطل". كان عنواناً شائعاً في الصحف القومية المصرية. وتلك الصفحة من الجريدة لا تزال تزيّن جدران متحف مخلفات الحرب لغاية اللحظة.