تمكّن باحثون من رصد وتوثيق أقدم حالات الإصابة بـ "متلازمة داون" في التاريخ، إذ يعود تاريخها إلى الفترة ما بين 5000 و2500 سنة مضت، وعُثر على هذه الحالات في مواقع العصر البرونزي في اليونان وبلغاريا، ومواقع العصر الحديدي في إسبانيا.
كذلك عثر مؤلفو الدراسة التي نشرت يوم 20 فبراير/ شباط الماضي في مجلة Nature Communications على جثة من مقبرة الكنيسة في فنلندا، تعود إلى الفترة من القرن السابع عشر إلى القرن الثامن عشر.
عثر الفريق البحثي على الأدلة من جثة فتاة رضيعة في قرية ألتو دي لا كروز بالقرب من مدينة نافارو الإسبانية. أثارت الجثة فضول العلماء لفحص جميع جثث الأطفال المدفونين في الموقع.
وبالفعل، اكتشفوا أن أربعة من الأطفال المدفونين البالغ عددهم 35 طفلاً كانوا يعانون من تشوّهات صبغية، ولم يعيشوا لفترة طويلة، نظراً إلى الرعاية الطبية السيئة في الوقت الذي عاشوا فيه.
كما اكتشفوا أن ثلاثة من الأطفال كانوا مصابين بمتلازمة داون، المعروفة أيضاً باسم التثلث الصبغي 21. وأصيب رضيع آخر بالتثلث الصبغي 18، أو متلازمة إدواردز. وهذه هي المرة الأولى التي تُحدَّد فيها الحالة الأخيرة في السجل الأثري.
يقول الباحث الرئيسي في الدراسة، آدم روهلاش، الباحث في معهد ماكس بلانك للأنثروبولوجيا التطورية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن الفريق لم يتوقع إطلاقاً الوصول إلى هذه النتيجة، خاصة أن متلازمة داون تحدث في ما يقدر بواحدة من كل 700 حالة حمل اليوم، لذلك فإن أربعة من كل 35 حالة حمل هو عدد كبير جداً.
ووجد الباحثون أن الأطفال لديهم تثلث صبغي، أو كروموسوم إضافي، من خلال فحص قاعدة بيانات بحثية تحتوي على جينومات ما يقرب من 10 آلاف فرد قديم.
يعد التثلث الصبغي وسيلة جيدة للباحثين لدراسة التشوهات الجينية في الماضي، لأنه من السهل اكتشافه، حتى لو كانت العينة تحتوي على القليل من الحمض النووي، وفقاً للباحث الذي يشير إلى أنه عثر على سبع حالات في قاعدة بيانات ماكس بلانك، بما في ذلك الأطفال الأربعة من العصر الحديدي في إسبانيا، وصبي يبلغ من العمر ستة أشهر مصاب بمتلازمة داون من بلغاريا توفي في عام 2700 قبل الميلاد، وفتاة من العصر البرونزي اليوناني، ورضيع من العصور الوسطى في فنلندا.
يوضح روهلاش أن التثلث الصبغي 21 يحتوي على أكثر من 200 مؤشر هيكلي محتمل، ما يجعل تحديده في السجل الأثري أمراً صعباً، مع صعوبة العثور على أدلة عظمية. "من المهم حقاً أن يكون لدينا هذا الدليل الجيني، فهو الدليل القاطع الوحيد"، يقول الباحث. جميع الأشخاص المصابين بالتثلث الصبغي في قاعدة البيانات ماتوا في مرحلة الطفولة أو قبل وقت قصير من الولادة.
تشير المدافن السبعة إلى أن الأفراد المصابين بالمتلازمة عوملوا باحترام، أو حتى بُجّلوا عند الموت. ولكن من الصعب التأكد من ذلك على وجه اليقين، خاصة أنه من الممكن في مثل هذه السن المبكرة أن الناس لم يلاحظوا أنهم مصابون بمرض متلازمة داون، وفقاً للباحثين.
لم يتمكن الفريق البحثي من الوصول إلى جميع الهياكل العظمية التي حصل على البيانات الوراثية الخاصة بها، لأنها جاءت من دراسات سابقة. لكن الباحثين يشيرون في الدراسة إلى أنه سيكون من الجيد لو تمكنوا أو تمكن غيرهم من الباحثين في المستقبل من إعادة النظر في المزيد من الأسئلة المتعلقة بالعظام التي عثر عليها في السابق، لأن هذه الزاوية كان من الممكن أن تساعد علماء العظام على الإبلاغ عن الحالات المحتملة في سجلاتهم ومجموعات المتاحف التي تحوي العظام ذات الصلة.
مع استمرار زيادة عدد عينات الحمض النووي التي يعثر عليها الباحثون، وتعود إلى أفراد من العصور القديمة، يخطط المؤلفون لتوسيع أبحاثهم في المستقبل لدراسة الطريقة التي تعاملت بها المجتمعات القديمة مع الأفراد الذين ربما كانوا بحاجة إلى يد المساعدة، أو كانوا مختلفين بعض الشيء، مثل أطفال متلازمة داون وغيرها من الأمراض الوراثية.