انشغلت صحف ومواقع إخبارية مصرية بنشر تصريحات على صفحاتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، على لسان كل الأطراف المحيطة بمقتل الطالبة نيرة أشرف، من دون صدور أي تعليق رسمي من نقابة الصحافيين المصريين، ولا الهيئة الوطنية للصحافة، ولا المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بشأن خرق حظر النشر في هذه القضية.
خلال يوليو/تموز الحالي، قضت محكمة مصرية بالإعدام بحق الشاب محمد عادل الذي دين بقتل الطالبة نيرة أشرف أمام جامعتها في دلتا النيل شمال القاهرة إثر رفضها الارتباط به. وكان آخر ما نشر في هذه القضية تقرير من الطب الشرعي المصري، عن نتيجة إجراء كشف العذرية وحالة غشاء البكارة لجثمان الضحية.
إلى الآن لم يصدر أي تعليق رسمي من قبل نقابة الصحافيين المصريين، ولا الهيئة الوطنية للصحافة، ولا المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بشأن خرق قرار حظر النشر في قضية مقتل نيرة أشرف، رغم أن الأخير أصدر، في الأول من يوليو، بياناً رسمياً حذر فيه من استباق نتائج التحقيقات والمحاكمات في الجرائم واتخاذ إجراءات قانونية ضد المخالفين، وأكد ضرورة الالتزام بضوابط وأخلاقيات نشر الجريمة والتحقيقات الواردة في الأكواد الإعلامية والمنشورة في الصحيفة الرسمية، ومن بين بنودها عدم استباق نتائج التحقيقات والمحاكمات وعدم بث تفاصيل يمكن أن تؤثر على سير العدالة، ومراعاة واحترام الحق في الخصوصية وحرمة الحياة الخاصة، وعدم نشر صور أو أسماء أقارب المشتبه بهم أو المتهمين، والحذر الشديد عند نشر الأخبار المتعلقة بالشرف والأعراض وأسرار العلاقات الزوجية بما لها من خصوصية، واحترام العلاقات الإنسانية ومراعاة حرمة الموتى. ونبّه المجلس في بيانه هذا من أن لجان الرصد تدرس حالات عدم الالتزام بالضوابط الواردة في الكود، وستتخذ الإجراءات المنصوص عليها في القانون بشأن حالات خرق الضوابط والمعايير.
نشر هذه الأخبار، حول الحياة الشخصية لأشرف، يشكل مخالفة مهنية صحافية صريحة، وفقاً لإعلامي مصري مخضرم قال إن الهدف منها شغل المجتمع بمعلومات تزيد من إثارة الجدل في القضية التي شغلت الرأي العام المصري، وانقسمت حولها آراء المتعاطفين مع كل من الجاني والضحية، فضلًا عن استرضاء أهل الضحية ومحاميها بنشر تلك المعلومات، مقابل حملة الهجوم على سمعة وشرف الضحية من طرف أهل المدان والمتعاطفين معه.
قرارات حظر النشر تصدر غالباً في قضايا ذات طابع سياسي، ومن بين أشهر القضايا التي صدر فيها قرارات بحظر النشر، على مدار السنوات الماضية، التحقيق مع الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات حول تصريحاته بشأن حجم الفساد في الجهاز الحكومي وتورط جهات سيادية فيه، وقضايا التظاهر على خلفية قرار نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة العربية السعودية، وقضية زعم تزوير الانتخابات الرئاسية التي عقدت عام 2012، وكذلك قضايا الإرهاب، والقضايا المتهم فيها قضاة أو أعضاء في النيابة العامة وضباط شرطة.
وصدرت قرارات معدودة بحظر النشر في قضايا يمكن تصنيفها تحت قائمة الحفاظ على الآداب العامة أو حماية الحق في الخصوصية للمتداخلين فيها، مثل قضية نشر مدرب كاراتيه لمقاطع فيديو تصور ممارسته الجنس مع عدد من النساء، وكذلك قضية حمام باب البحر التي اتهم فيها عدد من مرتادي حمام عمومي بممارسة الفجور وانتهت بتبرئة المتهمين.
عند مقارنة حظر النشر في تلك القضايا بما يخص قضية نيرة أشرف، يبدو واضحاً أن اختراق حظر النشر في الأخيرة جاء من خلال صفحات ومواقع وسائل إعلام موالية للنظام وممولة منه، مما يوحي بأنه متعمد من أجل إغراق الرأي العام بجدل أخلاقي يلهيهم عن قضايا كبرى سياسية مثل بدء الملء الثالث لسد النهضة، وارتفاع أسعار الوقود وما يعقبه من موجة غلاء، ومحرقة الجنود المصريين في إسرائيل، وغيرها.
المخالفة المهنية في نشر نتيجة كشف العذرية على الضحية تحديداً لا تتعلق بالصحافة وحسب، بل بأخلاقيات مهنة الطب أيضاً. إذ أشارت أستاذة الطب الشرعي والسموم في جامعتي القاهرة وبني سويف، ونقيبة أطباء القاهرة، وعضوة المجلس القومي للمرأة، شيرين غالب، إلى أن واجبها تصحيح بعض المفاهيم المنتشرة غير الصحيحة بشأن نشر تقرير نيرة أشرف الخاص بالكشف عن العذرية.
وكتبت غالب منشوراً قالت فيه: "لا يصح مهنياً وأخلاقياً ودينياً إفشاء أي أسرار طبية، إلا في حالات معينة، منها مثلاً طلب للمحكمة إن طلبت ذلك وتكون مكتوبة أو في جلسة سرية، وليس على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي". وأضافت: "أما عن كشف العذرية لأي فتاة بناءً على طلب أهلها من طبيب الطب الشرعي، وليس بناءً على طلب من الجهات القضائية، فهو غير أخلاقي وغير قانوني، لأسباب كثيرة منها أنها أحياناً تؤدي إلى جريمة أخرى تعرف بـ قتل الشرف".
يشار إلى أن تقرير الطب الشرعي في كل الحوادث يشمل حالة الجسم كاملا بشكل تفصيلي، سواءً كانت الضحية ذكرا أم أنثى، بما في ذلك الكشف عما إذا تعرض لاعتداء جنسي من عدمه، بينما تكمن الإشكالية الرئيسية في نشر تفاصيل تقرير الطب الشرعي، في خرق قرار حظر النشر، من أجل محاولة تبرئة الناجية من اتهامات منسوبة من الطرف الآخر في القضية، بعد صدور حكم الإعدام.
نشر تقرير الطب الشرعي أثار أيضاً حالة من الرفض والاستهجان عبّر عنها كثيرون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فكتب أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية أحمد السيد النجار: "شخص ارتكب جريمة قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد وبطريقة شنيعة وأمام الدنيا كلها ويستحق ألف إعدام على جريمته الحقيرة التي لا يمكن لعقل أو قلب سليم أن يجد مبرراً لها. وكان القضاء ناجزًا وعادلاً، وحكم عليه بما يستحقه. هل فقدنا العقل والتمييز حتى ينبري البعض لتبرير الجريمة أو لحشد التعاطف مع القاتل، وهل انحدرنا إلى مستنقع انتهاك حرمة وخصوصيات الضحية والتهليل لسلامة غشاء بكارتها وكأنه لو لم يكن سليماً لكانت الجريمة مبررة! يا بشر جريمة القتل المدبر وعقابها حياة بحياة هي شيء منفصل عن خصوصيات الضحية التي لا تخص أحداً، فهي جريمة قتل وليست جريمة اغتصاب يقتضي التحقق من وقوعها الكشف عن عذرية الضحية. قتلت الفتاة، وكسرت قلوب أسرتها، فلا تقتلوها مرة أخرى بانتهاك حرمتها. احترموا جلال الموت والحق الذي يقتضي عقاب المجرم. حياة بحياة والبادئ أظلم".
كان النائب العام المصري حمادة الصاوي أحال المتهم إلى محكمة الجنايات، إذ "قتل الطالبة المجني عليها نيرة أشرف، عمداً مع سبق الإصرار، وباغتها بسكين طعنها به عدة طعنات، ونحرها قاصداً إزهاق روحها أمام جامعتها في مدينة المنصورة في محافظة الدقهلية، وأقر الجاني بارتكابه جريمة قتل المجني عليها"، حسب بيان النيابة العامة المصرية.
تشكل الأخبار والتغطيات المباشرة بالفيديو مخالفة صريحة لقرار محكمة جنايات المنصورة بحظر النشر في الوسائل المسموعة والمرئية، عدا جلسة النطق بالحكم بإعدام الشاب المدان. حظر النشر حق منحه القانون للنائب العام وقاضي التحقيق ورئيس المحكمة الذي ينظر في القضية.
عقوبة اختراق قرار حظر النشر الحبس أو الغرامة أو كليهما معاً، طبقاً للمادة 190 من قانون العقوبات المصري التي تنص على أنه "يجوز للمحاكم، نظراً لنوع وقائع الدعوى، أن تحظر في سبيل المحافظة على النظام العام أو الآداب نشر المرافعات القضائية أو الأحكام كلها أو بعضها بإحدى الطرق المبينة في نص المادة 17". وإذا كان المتهم مؤسسة صحافية تحجب من الصدور، وإذا كان برنامجاً يمنع بثه، وإذا ضبط أي شخص في أي وسيلة علنية يخترق الحظر يتعرض للمساءلة القانونية، سواء مواقع التواصل الاجتماعي أو إعلاماً وصحافة.