استمع إلى الملخص
- أشار الفنان قصي الأسعد إلى استيلاء المالكين على العقار بدعم من "هيئة تحرير الشام"، مؤكدًا على أهمية تمثيل القطاع الثقافي في الحكومة الجديدة لتعزيز إعادة البناء الحضاري.
- أثار إغلاق المركز مخاوف حول مصير مراكز فنية أخرى، وأوضح المحامي جورج زكا أن الاستيلاء كان غير قانوني، مشددًا على ضرورة تعديلات قانونية تشمل تعويضات للمستأجرين.
استعاد مالكو العقار الذي يحتضن مركز أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية في دمشق، عقارهم في الـ15 من الشهر الماضي، أي بعد أيام من سقوط نظام بشار الأسد. وجاءت هذه الاستعادة بطريقة مفاجئة ودون أي قرار قانوني، حيث لم يتم إفراغ المركز من محتوياته قبل استرجاعه من قبل المالكين الأصليين.
ويقع المركز في ساحة الشهبندر وسط العاصمة دمشق، ويخضع لقانون الإيجار القديم الذي أُصدر في عهد الأسد الأب. هذا القانون يتضمن بند التمديد الحكمي الذي يمنح المستأجرين حق امتلاك 40% من قيمة العقار المستأجر، مما يعني أن المركز، الذي استأجرته وزارة الثقافة السورية منذ عام 1960 مقابل رسوم زهيدة جداً، لا يتناسب مع القيمة الحالية للإيجارات في سورية. هذا التفاوت الكبير ناتج عن التضخم الذي تراكم على مدار الستين عاماً الماضية، وانهيار الليرة السورية في السنوات الـ14 الأخيرة.
من جهته، قال الفنان التشكيلي قصي الأسعد، مدير مركز أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية، إن "مالكي العقار قاموا بتكسير أقفال المركز وتغييرها بشكل مفاجئ، وأخبرونا عبر الهاتف أنهم استولوا على المكان بدعم من الهيئة، بحسب ادعائهم".
ويقصد بالهيئة "هيئة تحرير الشام" التي قادت العمليات العسكرية التي أسقطت نظام بشار الأسد، تحت قيادة أحمد الشرع، قائد العمليات العسكرية، والحاكم الحالي للبلاد.
وفي ما يتعلق بمقتنيات المركز من مستلزمات إدارية وتقنية ومراسم، أشار الأسعد إلى أن جميع المعدات بقيت داخل المبنى. وأكد: "نحن لسنا ضد أن يحصل مالكو العقار على حقوقهم، لكن ليس بهذه الطريقة وبسرعة غير منطقية. كان من المفترض أن يتم إعلامنا بنيتهم بشكل حضاري لكي نتمكن من تأمين البديل ونقل متعلقاتنا بشكل مناسب".
وفي حديثه لـ"العربي الجديد"، أضاف الأسعد أنه بادر على الفور بإبلاغ وزيرة الثقافة السابقة، ديالا بركات، التي تواصلت بدورها مع إدارة العمليات، ولكنها لم تحصل على جواب واضح حتى الآن. وقال: "المشكلة الأساسية تكمن في غياب جهة تمثلنا، خاصة مع غياب تمثيل وزارة الثقافة في حكومة تيسير الأعمال الجديدة". وتساءل الأسعد: "هل يعقل أن يبقى القطاع الثقافي معطلاً بالكامل؟ نحن بحاجة ماسة للثقافة والفكر والأدب والفنون في هذه المرحلة لتكون جزءًا من بناء سورية الحضارية".
ويواصل مدير مركز أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية، مساعيه واتصالاته اليومية على مدار الساعة في محاولة لتقديم إجابات شافية لطلاب المركز وموظفيه الذين لا يتوقفون عن الاستفسار حول مصيرهم. ويوضح الأسعد قائلاً: "إن العثور على مكان بديل أمر في غاية الصعوبة، فلا توجد عقارات شاغرة يمكننا نقل المركز إليها، خاصة أن العديد من المؤسسات والجهات تسعى لاستعادة ممتلكاتها التي كانت في حكم المستولى عليها".
القطاع الثقافي في خطر
ويجدر بالذكر أن إغلاق مركز أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية، الذي خرّج العديد من التشكيليين السوريين على مدار عقود، أثار مخاوف حول مصير مراكز فنية مشابهة تخضع لقانون الإيجار القديم، مثل مركز وليد عزت ومركز الفنون الشعبية في حي العفيف الدمشقي. وقد امتدت النقاشات حول إيجاد حل أو تعديل للقانون إلى دول أخرى، مثل مصر، التي تخضع أيضًا لتشريعات مشابهة تحكم العلاقة الإيجارية العقارية القديمة.
وبالنسبة للمركز، فإنه كان يخضع لقانون الإيجار رقم 111 لعام 1952، الذي ينص على تحديد أجور العقارات المعدة للسكن أو الأعمال التجارية أو الصناعية أو مزاولة مهنة حرة أو المؤجرة للدوائر الرسمية والبلديات أو النقابات أو الجمعيات بنسبة تتراوح بين 1 إلى 5% من قيمة العقار المعد للسكن، وكان يتم تمديد عقود الإيجار حكماً.
في عام 2001، صدر القانون رقم 6 الذي عدّل المادة 1 من القانون رقم 111 لعام 1952، ليضع عقود الإيجار تحت إرادة المتعاقدين في ما يخص العقارات المعدة للسكن أو الاصطياف أو السياحة أو تلك المؤجرة لأحزاب الجبهة الوطنية، أو الدوائر الرسمية، أو المنظمات الشعبية، أو النقابات على مختلف مستوياتها، إضافة إلى البلديات، ومؤسسات القطاع العام والمشترك، والمؤسسات التعليمية والمدارس.
وأوضحت المحامية منتهى العبدة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هذا التعديل شمل العقارات التي تُستخدم لأغراض تجارية أو صناعية أو حرفية أو مزاولة مهنة حرة أو علمية، وفقًا لقوانين تنظيمية محددة.
رغم ذلك، لم تصدر السلطات السورية حتى الآن أي تعديلات إضافية على القانون المذكور، ما أدى إلى اختلاف طريقة تعامل الإدارة مع المشاكل الناتجة عن عقود الإيجار القديمة. ففي بعض الحالات، دعمت الإدارة شاغلي العقارات، بينما انحازت في حالات أخرى إلى أصحاب العقارات، كما حدث في قضية مركز أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية.
مفارقات قانونية
وفي ما يتعلق بالجانب القانوني لاستيلاء المالك على العقار بهذا الأسلوب، أوضح المحامي جورج زكا، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن المالك قد يكون استغل حالة الفوضى التي أعقبت سقوط النظام لاستعادة العقار. وأكد زكا أن هذا الإجراء "غير قانوني تماماً"، مشيراً إلى أن عدم صدور أي تعديل على قانون الإيجار القديم لا يبرر التصرف بهذه الطريقة. وأضاف: "حتى لو كان هناك تعديل، فإن القانون لا يجيز تنفيذ أي إجراء من قبل المالك دون اللجوء إلى المؤسسات القضائية، فضلاً عن أن استغلال السلطة أو القوة يجعل الأمر غير مشروع تمامًا".
أما بشأن إمكانية تعديل قانون الإيجار القديم في المستقبل القريب، استبعد زكا حدوث تغيير جذري. وقال: "ما زال هذا القانون معمولًا به في دول أخرى مثل لبنان ومصر". لكنه أضاف: "في حال صدرت تعديلات، فمن غير المرجح أن تكون بالطريقة التي يتوقعها البعض. يجب أن تتضمن أي تعديلات محتملة تعويضاً للمستأجرين، مع توفير آليات قانونية واضحة لتنفيذها تحت إشراف السلطات المختصة".