وصل، مو عامر، أو محمد عامر، الكوميدْيان الفلسطيني، إلينا، نحن الذين نسكن المنطقة العربية، بعدما بثت "نتفليكس" عرضه الكوميدي الأوّل في عام 2018، ثم الثاني عام 2021، لتنطلق شهرته، وتتحول الفقرة التي يقدمها عن طريقة تحضير الحمّص إلى تريند على وسائل التواصل الاجتماعي، كونها تشفي الغليل بسبب موقف مو الصارم حول أصل هذه الأكلة، ونفيه لكلّ ما يشبهها من فبركات واختراعات "أجنبية".
أخيراً، بثت "نتفليكس" المسلسل الكوميدي "مو"، من بطولة محمد عامر نفسه، المقتبس من قصة حياته الحقيقية، لاجئاً فلسطينياً في الكويت، اضطر مع أسرته إلى النزوح مرة أخرى إلى الولايات المتحدة. وهناك، كبر وشبّ من دون أن يمتلك أوراقاً؛ فهو مهاجر "غير شرعي" ما زالت قضيته عالقة في محكمة اللجوء، لا لشيء محدد، بل لأنّه مثل غيره، أسير البيروقراطيّة التي تحافظ على وضعيته شخصاً بلا أوراق، لا يستطيع العمل، ولا السفر، ولا يمتلك تأميناً صحياً.
المسلسل من بطولة مو، وفرح بسيسو التي تلعب دور والدته، وعمر علبة شقيق مو، مع ظهور خجول لباسم يوسف. هذه الأسرة التي فقدت معيلها، إذ اعتقل وعُذب، تعيش على الهامش. يتعامل مو مع رجال عصابات، يضطر إلى بيع المنتجات المزوّرة، أي الأمر أشبه بأي حكاية "أميركي أسود" من الأحياء الفقيرة، يحاول أن يجد لنفسه مخرجاً مما هو فيه، لكن الاختلاف، أن مو بلا أوراق، أي التمييز ضده مزدوج.
لا يخلو المسلسل من القفشات والمواقف المضحكة، والاستفادة من حس الدعابة الذي يمتلكه مو، كما يظهر الإسلام في المسلسل بوصفه عادات وتقاليد، يلتف حولها مو، وتتمسك بها والدته، التي ما زالت تذكر التهجير. مع ذلك، هي متساهلة حول الالتزام الديني... نكتب بهذه الطريقة التقليديّة لأن المسلسل يستحق المشاهدة، لكنه ليس "لنا"، أي أنه ليس للمشاهد العربي. وهنا تظهر سياسات التمثيل. نعم المسلسل يتحدث عن اللاجئين، ويطلق النكات حول الصراع الفلسطيني الصهيوني، ويتحدث عن إدمان مسكنات الألم، لكنه يقع في فخ الصورة النمطية عن اللاجئين، التي مهما حاولوا الفكاك منها، لا بد أن تعود وتشكل درب حياتهم.
الصورة النمطية التي نتحدث عنها هي "الطعام". كلّ محاولات مو وأسرته لتأمين دخل يليق بهم ويعيلهم مهددة، ولا تفضي إلى نتيجة، إلا عند العودة إلى الأصل، إلى ما يفتقده اللاجئ بشدة؛ أي المذاق، ذلك الطعم المفقود الذي لا تمكن استعادته. وهنا تظهر الصورة النمطية. والدة مو تقرر أن تبدأ بصناعة الزيت المنزلي المعصور باليد، بعد فشل أخيه إقناع مديره بأن يبيع الدجاج الحلال.
لا مشكلة في الطبخ وسيلة لكسب العيش، بل لا يمكن الحكم أبداً على من يعمل. لكنّ تحول اللاجئ إلى طباخ، أصبح صورة نمطية، مهما حاول اللاجئ الفكاك من هذا المصير يجد نفسه عائداً إليه. فهذه المهنة تُرضي "الطعم" المفقود الذي يبحث عنه اللاجئ، تدلل النوستالجيا. في ذات الوقت، تلائم "الآخر" المضيف، تفتح شهيته على ما لا يعرفه، وتحافظ على وضعية اللاجئين المهمشين. هي مهنة تكفي لسد رمق العيش ولا تثير المشاكل.
يمكن أيضاً أن نقارن الصور النمطية، إن كان الملون الفقير، يجد خلاصه إما مع العصابات، أو كرة السلة أو الراب، والأبيض الفقير إما التفوق الدراسي أو العصابات أيضاً. فأمام العربي الفقير هناك الطعام (باستثناء دي جاي خالد وآل حديد)، والاكتفاء بالعمل الخدمي، الذي يتحول إلى جزء من الثقافة المُضيفة.
يكفي فقط أن نتابع أخبار اللاجئين، لنشاهد الأحاديث عن الطباخين والمطاعم المنتشرة في بقاع العالم. نعلم أنّ هناك وضعية قانونية لا يمكن تجاوزها، تتمثل في غياب الأوراق، والحرمان بالأصل من الحق بالعمل. لكن ألا يمكن النظر إلى ذلك بوصفه استراتيجية للنفي؛ أي ترك اللاجئين مُعلقين في سبيل البحث عن "الطعم" المفقود، بينما يصدر قرار المحكمة؟