يشغل مسلسل "سفاح الجيزة" المشاهدين بعد عرض ست حلقات لاقت تفاعلاً كبيراً. ينقل العمل الذي تعرضه منصة "شاهد" قصة واقعية، عرفتها مصر قبل سنوات قليلة حين قام قذافي فراج عبد العاطي بارتكاب 4 جرائم قتل بين عامي 2015 و2018، طاولت مقربين منه، لأسباب مختلفة.
نقل الكتّاب محمد صلاح العزب، وعماد مطر، وإنجي أبو السعود هذه القصة الحقيقية إلى الشاشة بإدارة المخرج هادي الباجوري، بنجاح. كذلك عرف الممثل أحمد فهمي كيفية تقمص دور "جابر" (اسم بطل العمل) الذي تأثر بمشهد قتل والدته لوالده وهو طفل، وقضى طفولته ومراهقته تائهاً بين العاطفة والعنف إلى درجة القتل المرعب.
يخرج أحمد فهمي من عباءة الأدوار العاطفية أو الكوميدية، بقالب يناسبه هذه المرة، محاولاً إثبات نفسه بتقديم دور معقّد لشخصية يتبدل مزاجها ودورها طيلة العمل.
يستعيد المخرج هادي الباجوري تفاصيل مثيرة في الربط، وحياكة المسلسل في الحلقات (8 حلقات) بطريقة مشهدية أقرب إلى السينما، حال المجموعة الكبيرة من المسلسلات القصيرة التي تحمل الطابع نفسه وتعرضها منصة شاهد. فنتابع طيلة الحلقات المعروضة حتى الآن رحلة محاولة فك لغز الجرائم التي يقترفها رجل لا يمكن التشكيك في أخلاقه وبرودة أعصابه، وإتقانه فنّ الطبخ قبل أو بعد قيامه بجريمته، وهي سمة تلاحق عادة القتلة المتسلسلين، وتصورها الوثائقيات والأعمال العالمية.
يؤدي أحمد فهمي دوره بإتقان، واثقاً بقدرات المخرج الذي يلغي كل التفاصيل ويُسرع في إتمام الأحداث بطريقة مثيرة جداً، تُجدد قدرة المتابع على الحماس، وكأننا أمام رواية نريد أن ندرك نهايتها بأقل وقت ممكن.
ببساطة ينجح "سفاح الجيزة" في تقديم قصة، ربما تقليدية، مع ازدهار دراما الجريمة أخيراً، لكن بكادرات وسياق وتمثيل ناجحة وموفّقة. حتى كتابة السيناريو وسرد القصة تتفادى الغرق في الملل أو الإنسانيات التي عادة ما ترافق هذا النوع من الأعمال.
نتيجة لما سبق يبدو التفاعل في الشارع المصري والعربي مع العمل كبيراً. إذ مع انتشار الإعلان الترويجي للعمل، توقع كثيرون أن يشبه المسلسل أعمالاً أخرى عرضتها المنصة، ودارت حول عالم الجريمة. لكن رؤية الباجوري عرفت كيف تخرج المشاهد من الرتابة، إذ اختار فريقاً من الممثلين المناسبين لأدوارهم، كما أن النص كتب بحنكة ودهاء، وهو عموماً ما يميز الدراما المصرية التي عرفت طيلة عقود كيف تحافظ على حرفيتها، خصوصاً في السنوات الأخيرة، مع بروز مجموعة من التقنيين والفنانين والكتاب والمخرجين الشباب الموهوبين.
ابتعد هادي الباجوري عن المساحة الضيقة في الدراما التلفزيونية، فاتجه مخرج "البحث عن عُلا" إلى خطوط درامية جديدة، تفرد أمامنا مزيداً من الوجوه الجديدة لمثل هذا النوع من الأعمال القصيرة، وتفتح الباب على أسئلة قد لا نجدها تقليدية في "سفاح الجيزة"، ومنها مواقع التصوير، وقدرة الفريق على الاعتناء بأدق تفاصيل الحارات الشعبية ونقلها إلى الشاشة.