استمع إلى الملخص
- يتناول المسلسل قضية اللجوء السوري من خلال ثلاث شخصيات رئيسية تمثل نماذج مختلفة من المجتمع، مسلطًا الضوء على التحديات البيروقراطية، الاجتماعية، والنفسية التي يواجهها اللاجئون في رحلتهم نحو حياة جديدة.
- "مغتربون" يستكشف المعاناة والتحديات الخاصة بالطبقة الوسطى السورية، مؤكدًا أن الهجرة لم تكن بسبب الحرب فقط بل شملت أيضًا صراعات شخصية، ويقدم تحليلًا للتناقضات والتحديات الاجتماعية والنفسية، محاولًا تقديم صورة متكاملة للواقع السوري المعاصر.
بعد 13 عاماً مرّت على سورية بكل المتغيرات المتسارعة من ثورة وحرب ودمار، تحاول الدراما السورية القيام بدورها في التوثيق، ومقاربة الواقع ضمن ظروف الإنتاج المختلفة، فتطرقت العديد من الأعمال إلى واقع الحرب والفساد السياسي والأمني والدمار الاقتصادي والاجتماعي. وفي نوع من التجديد بشكل الدراما، وإتاحة المجال أمام الأنماط الجديدة، طرحت منصة 1+1 مسلسلاً يحمل اسم "مغتربون"، كان قد حاز ترقب الجمهور، إذ عاد به كاتب السيناريو نجيب نصير بالشراكة مع رامي عمران إلى الدراما بعد انقطاع طويل، ويشرف على تنفيذ العمل الليث حجو، وهو من إخراج عمار العاني الذي يحاول الاستثمار في قدرات الممثلين وقوة السيناريو.
يمثّل العمل وبنيته الدرامية والإخراجية وأسلوب عرضه نوعاً جديداً على الدراما السورية، فـ"مغتربون" مكون من 30 حلقة تبث تباعاً على منصة 1+1، ويراوح طول الحلقة بين الثماني إلى العشر دقائق فقط، إذ تكثف الحلقات المحتوى الدرامي لتقدم شكلاً مختزلاً من الأفكار التي يحاول المسلسل المرور عليها. يعتمد الجانب الإنتاجي في "مغتربون" على الاقتصاد من دون البهرجة التي طاولت قطاع الدراما وبذخ شركات الإنتاج، ليقتصر المسلسل على موقعي تصوير داخليين، وعدد محدد من الممثلين، معتمداً على قوة السيناريو الحوار، ومركّزاً عناصر الدراما على قدرات الممثلين أكثر من الإبهار المتعلق بالصورة.
يتناول مسلسل "مغتربون" قضية إشكالية من أعقد القضايا المعاصرة اليوم، وهي قضية اللجوء السوري، فلعبت الشارة دوراً للتمهيد لطرح العمل الأساسي، فكانت أشبه بنشرة أخبار حول واقع اللجوء السوري، نشرة تحوي إحصائيات هي: 12 سنة من الحرب، 7.2 ملايين نازح، 1300 خيمة، مليونا نازح في المخيمات، 6.5 ملايين لاجئ.
ينطلق "مغتربون" من لحظة حساسة في واقع كلّ "لاجئ"، و"نازح"، و"مهجر" سوري في الشتات، وهي لحظة البروتوكولات الرسمية والبيروقراطية الغريبة المتمثلة بمقابلة اللجوء التي يقف فيها الإنسان ليقول كل ما لا يرغب في قوله. هذه اللحظة التي يتعرّض فيه لسؤال: "لماذا تريد أن تقدم لجوءاً؟"، أو "لماذا أتيت إلى بلدنا؟". مقابلة اللجوء حتى اليوم عقبة في وجه كل من خاضها، ومرحلة على كلّ من يحاول النجاة من جحيم سورية وعيشها. ولكن هذا ليس معناه أنه خرج إلى النعيم، ولكنه فقط نجا. هذه هي اللحظة التي يصطف فيها كل إنسان في خانة "الضحية" ليصبح ملفّاً تناقش بنوده المتمثّلة بحياته الخاصة وكأنّها مهنة وعمل... هكذا، تصبح حياته ومعاناته وأحلامه وطموحاته مجرد بنود في مقابلة رسمية عليه اجتيازها.
هذه اللحظة هي لحظة قطيعة مع الماضي أو بتر بشكل من الأشكال، تستقي من هذا الماضي ما يؤهلنا لنكمل حياتنا الجديدة كمواطن جديد، خلال مقابلة واحدة علينا انتقاء ما نبقيه وما نلغيه. نعرّج في هذه المقابلة على كل أرشيف حياتنا، ونحاول توظيف ما يتيح لنا أفضل خيارات في المستقبل وفلترة الباقي. هي عملية نسف للماضي والمحافظة على تعريف بسيط لهويتنا البسيطة. تعريف قد يكتب بسطر: "أنا سوري هجرت بسبب قصف بيتي"، أو "أنا فتاة هربت من العنف في سورية". نكتفي بالقليل ليساعدنا على بناء جذور في هذا العالم الجديد. فكيف نكون ضحايا؟ أو لماذا نحن ضحايا؟
هذا ما يحاول العمل مقاربته. ومن هنا، استطاع "مغتربون" فتح باب نقاش العديد من القضايا عبر ثلاث شخصيات رئيسية تحاول تقديم ملفات لجوئها. يقدّم "مغتربون" ثلاثة نماذج من المجتمع السوري من فئة الشباب، وهي الفئة التي شهدت أكبر نسبة هجرة ولجوء قياساً بالفئات العمرية الأخرى. يستعرض المسلسل الشخصيات الثلاث من طريق ملفات لجوئها وأرقامها. الشخصيات هي داليا (ريام كفارنة)، وزوجها فؤاد (أيمن عبد السلام) وأخو داليا هيثم (لجين إسماعيل).
يحاول العمل عبر هذه التشكيلة العائلية البحث في إشكاليات المجتمع؛ فالعائلة هي النموذج المصغّر، وينعكس عليها كل التغيرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وهذا عامل إيجابي، إذ استطاع المسلسل في أربع حلقات أن يطرح عدداً من القضايا المختلفة بكثافة، منها إشكاليات اجتماعية تمسّ موضوع حرية المرأة وحقوقها والمجتمع الذكوري عبر كل من شخصية الأخ المثقف والمتعلم، ولكن في الوقت نفسه ينتمي إلى مجتمع ذكوري لا يمكنه الخروج عن فكره إلا عندما يرغب بالنجاة الفردية، فنراه يحلل لنفسه ما يحرّمه على أخوته. شخصية الأخ متعلقة بالمثاليات القديمة، لكنّه مستعد لتقديم تنازلات كبيرة لكي يحقق نجاته الفردية، فنراه يبحث عن عروس أجنبية لتنقذه وتخرجه من سورية، بينما يصبّ جام غضبه على أخته التي تعيش مع شاب أحبته في الخارج، ولكنه ينتمي إلى دين مختلف. لا يحاول الأخ ولا حتى زوج الأخت أن يساعدوا شابة تتعرض للضرب المبرح بالشارع، بحجة أن عائلتها تضربها، فلا يجب على أحد التدخل.
تركيبة الثلاثي ساعدت العمل في تحريك قضايا المجتمع الأكثر معاصرة ويومية والتركيز على ثلاث شخصيات أمكن الكاتب من الغوص في الأعماق النفسية للشخصيات وتبيان تناقضها، فنرى إشكالية المرأة السورية تتوضح أكثر مع تقدم المسلسل، فهي لم تهاجر بفعل الحرب فقط، ولكنها تملك حروبها الخاصة الأقسى. ينحصر "مغتربون" بشريحة الطبقة الوسطى التي غابت لفترة طويلة عن شاشات الدراما السورية، ويحاول عبرها المسلسل أن يقدم عدداً من الأنماط المجتمعية التي يمكن إسقاط معاناتها وإشكالياتها على واقع سورية، ليكون على تماس مباشر مع هموم وإشكاليات الإنسان السوري اليوم.