قررت منصة نتفليكس أن تبدأ العام الجديد بشكل جديد وغير تقليدي، بعرضها في مطلع هذا الشهر، مسلسل Kaleidoscope، وهو من إخراج إريك غارسيا. يروي العمل قصة اقتحام مجموعة من اللصوص لـ "القبو الأكثر تحصيناً في العالم"، داخل مبنى 505 وول ستريت في مانهاتن، لسرقة سندات مالية قيمتها سبعة مليارات دولار. العمل موسم واحد من ثماني حلقات، تبدأ فيها الأحداث منذ 24 عاماً قبل السرقة، وتمتد إلى ستة أشهر بعدها. ميزة هذا العمل أنه يعرض حلقاته بتسلسل غير خطي. بمعنى أن للمشاهد حرية اختيار أي حلقة والبدء بها، فبغض النظر عن ترتيب مشاهدة الحلقات، ستبقى القصة بأكملها منطقية، كيف ذلك؟
لم يتم تعيين رقم لكل حلقة، وإنما لون ومكان داخل التسلسل الزمني للقصة: "الأسود"، بطاقة عرض لكيفية مشاهدة المسلسل. "الأحمر" يحدث في صباح اليوم التالي للسرقة، و"البنفسجي" قبل 24 عاماً من السرقة، وفي "الأبيض" تحدث السرقة، بينما أحداث "الأصفر" قبل ستة أسابيع من السرقة، و"الأخضر" قبل سبع سنوات من السرقة، و"الأزرق" قبل خمسة أيام من السرقة، و"الوردي" بعد ستة أشهر من السرقة، و"البرتقالي" قبل ثلاثة أسابيع من السرقة.
عرضت "نتفليكس" الحلقات بترتيب معين غير زمني، بحيث أجّلت اللون الأبيض إلى آخر المسلسل. لكن المشاهد غير ملزم بهذا الترتيب، فبإمكانه ترتيبها زمنياً كما يشاء، أي أن يبدأ باللون البنفسجي، قبل 24 عاماً من السرقة، وينتهي بالوردي، بعد ستة أشهر من السرقة، أو بالعكس، من زمن ما بعد السرقة ثم العودة إلى البداية، فهناك مئات الاحتمالات للطريقة التي يمكن فيها مشاهدة هذا المسلسل.
لكن بغض النظر عن أي ترتيب عشوائي للمشاهدة، عند مشاهدة المسلسل، وفقاً لتسلسل الأحداث زمنياً، ستتكون لدينا حكاية انتقام فردية نجحت، وحكاية سطو جماعية فشلت. فدافع الانتقام هو الذي يؤسس لحادثة السطو. إذ قبل 24 عاماً، تعرض بطل العمل ليو (Giancarlo Esposito)، لخيانة من صديقه رودجر (Rufus Sewell)، فقد جرّاءها ليو، زوجته، وضاعت ابنته، وأُدخِل السجن. في ما بعد، تمكن ليو من الهرب من السجن، وبدأ العمل للسطو على خزنة السندات ذات السبعة مليارات، الموجودة في قبو تحميه شركة أمن يديرها صديقه روجر، الذي تحوّل من لص، إلى ملياردير وخبير أمني من الدرجة الأولى.
من أجل ذلك، كان لا بد من تشكيل ما، ليقوم بتنفيذ خطة الاقتحام المؤلفة من سبع مهام، أولها سرقة الأكواد، وآخرها نقل سندات الأموال التي تزن 350 كيلوغراما من القبو إلى الشاحنة، فأخذ ليو يشكّل فريق عمل بمهارات متعددة. ومن هنا، كل لون من ألوان هذا "التشكيل"، له دلالة زمنية، فمثلاً الأبيض هو دلالة على زمن السرقة، ودلالة خاصة تشير إلى الأجواء التي طبعت شخصيات هذا التشكيل، والعلاقات التي تدور بينها قبل وأثناء وبعد السرقة، مثل الرومانسية، والطموح، والكراهية، والأنانية، والخيانة، والغضب، والانتقام، والقتل، والولاء، والغدر.
تسير أحداث العمل بوتيرة مشحونة بالتوتر والتربّص بين الشخصيات، لكن ليو بطباعه الهادئة، يحاول السيطرة وضبط الأمور. ورغم أنها تخرج عن السيطرة في بعض الأحيان، إلا أن ذلك لم يعق إتمام العملية. بيد أن إتمامها لا يعني نجاحها بالكامل. ما حصل أنه في أعقاب تنفيذ الفريق للمهام السبع، بكثير من الصعوبات والحلول التكنولوجية والعلمية المبتكرة أثناء الاقتحام، وإبان شحن صناديق السندات ونقلها إلى مكان آمن، تبيّن أن السندات قد بُدلت بأوراق ملونة، ولا يحصل أحد على شيء.
إذاً، لقد فشلت عملية السطو بالنسبة للفريق، ولكنها انتصرت بالنسبة لـ ليو، لسببين؛ الأول أنه كان يعلم أن الصناديق قد بدلتها ابنته خلال عملية النقل من القبو إلى الشاحنة، فاعتبر ذلك تعويضا لها عن كل السنوات التي غاب فيها عنها، عندما كان في السجن. والسبب الثاني، أن جوهر عملية السطو هو انتقام ليو من روجر، وقد تحقق هذا الانتقام، إذ فقدَ روجر شركته، وسُجِنَ بعدها بتهمة سرقة دبّرها له ليو أيضاً.
القصة كلها إذاً، سرقة بدافع انتقام جرى التخطيط لها لمدة 24 عاماً، نفذها فريق مكون من ستة أشخاص. وأمام هذه الفرضية، هناك خيارات غير محدودة لمشاهدة هذا العمل، ذهب البعض إلى أن هناك أكثر من خمسة آلاف احتمال لمشاهدة هذه الفرضية، بأن تبدأ من أي لون تختاره، وبأي تسلسل زمني ترغب بمشاهدته. لكن، مهما تعددت وضعيات المشاهدة وزمنها، تبقى حلقة اللون الأبيض التي تحدث فيها السرقة، هي الأساس، ويتكشف فيها عدد من الأحداث، لذلك، الأنسب لها أن تبقى الحلقة الأخيرة لأي مشاهدة. كما أن الاختيار العشوائي للحلقات، يضعف الروابط العاطفية بين الشخصيات، والروابط المنطقية بين تسلسل الأحداث، فاختيار البدء قبل 24 عاماً من السرقة فالانتقال مثلاً إلى حلقة تدور أحداثها بعد ستة أشهر من السرقة، من ثم إكمال بقية العمل، لا يعطي انطباعاً جيداً بفهم الأحداث وتسلسلها.