قبيل أيام من انطلاق أولمبياد بكين 2022، المزمع انطلاقها يوم الرابع من فبراير/شباط الحالي، ترتفع الهواجس حول حقوق الإنسان والحريات الصحافية في البلاد التي تواجه التغطية المنتقدة لإجراءاتها بقمع ممنهج. وزاد من حدّة المخاوف صدور تقارير جديدة تشرح الانتهاكات التي يواجهها الصحافيون في البلاد، بالإضافة إلى المخاوف حول التجسس الإلكتروني، ضمن ما يفرضه أيضاً فيروس كورونا من إجراءات وقائيّة، وعلى وقع انتقاداتٍ لانتهاكات الصين لحقوق الإنسان.
وبينما تساءلت "لجنة حماية الصحافيين" CPJ عن إمكانية أن تخلق الصين ولجنة الألعاب الأولمبية "فقاعة" من الحرية الصحافية داخل بحر القمع الصيني، أشارت إلى أنّ هذا الهاجس يلاحق آلاف الصحافيين الذين يصلون إلى بكين من أجل تغطية الألعاب الأولمبية، ناشرةً دليل أمانٍ لهم يشدّد على إجراءات كورونا، كما على الأمن الإلكتروني. ويقول الصحافيون الذين يغطون دورة الألعاب الأولمبية الشتوية إنهم سيؤدون عملهم في بكين باستخدام هواتف محمولة وأجهزة كمبيوتر محمولة جديدة تمامًا. عندما تنتهي الألعاب، سوف يتركونها وراءهم أو يرمونها بعيدًا.
وتنقل "واشنطن بوست" عن المراسلين الذاهبين للتغطية شعورهم بالقلق من أن أي أجهزة يستخدمونها هناك يمكن أن تصاب ببرنامج تتبع، مما يمكّن السلطات الصينية من التجسس على محتوياتها. يسلط الإجراء الضوء على الحذر بين بعض الآلاف من الصحافيين الذين يتوقعون ظروف عمل باردة في العاصمة الصينية، وليس فقط بسبب درجات الحرارة المنخفضة على منحدرات التزلج. فقد فرض المنظمون المحليون، بالتنسيق مع اللجنة الأولمبية الدولية، أشد القيود الخاصة بفيروس كورونا على المراسلين على الإطلاق في ما يتعلق بدورة الألعاب الأولمبية، والتي تبدأ في 4 فبراير. وينظر صحافيون إلى الإجراءات على أنها ذريعة لما سعت الحكومة لفعله منذ فترة طويلة: السيطرة على صورة الصين من خلال قمع التقارير المستقلة.
مخاوف لدى الصحافيين من تجسس إلكتروني قد تمارسه بكين عليهم خلال تغطيتهم الأولمبياد، ما دفع بعضهم لشراء هواتف وحواسيب لتغطية الحدث ثم رميها
تُضاف إلى ذلك الشكوك حول احتمال وجود تجسس إلكتروني، تغذيها حقيقة أن الصين لديها نظام متطور لمراقبة وحجب الإنترنت. وتتهم شركة "سيتيزن لاب" الكندية المتخصصة في الأمن السيبراني تطبيق "أم واي 2022" الذي يستخدمه المشاركون في الألعاب، بوجود "ثغرات" تسمح بقرصنة البيانات من قبل بكين، بحسب ما نقلت "فرانس برس". وبمواجهة هذه الاتهامات، نددت اللجنة المنظمة للألعاب الشتوية بما جاء على لسان الشركة الكندية، معتبرةً أن ما حصل هو أشبه بمحاكمة نيات لا تستند إلى "أي دليل" وأكدت أن العيوب "قد تم تصحيحها بالفعل". ولحماية أنفسها، نصحت العديد من اللجان الأولمبية الغربية رياضييها باستخدام الهواتف الذكية أو أجهزة الكمبيوتر أو البريد الإلكتروني كبديل عن تطبيق "أم واي 2022" خلال الألعاب.
في الوقت نفسه، يدقّ الصحافيون الأجانب في الصين ناقوس الخطر، بعدما أصدر "نادي المراسلين الأجانب في الصين"، تقريراً يعتمد على دراسة أجراها، يُشير إلى كمّ الانتهاكات و"العقبات غير المسبوقة" في البلد الآسيوي، تتمثّل في إجراءات قانونية بحقهم وحملات مناهضة على الإنترنت، بالإضافة إلى طردهم أو ترهيبهم حتى المغادرة، بسبب تقاريرهم الإعلاميّة.
تتهم شركة "سيتيزن لاب" الكندية المتخصصة في الأمن السيبراني تطبيق "أم واي 2022" الذي يستخدمه المشاركون في الألعاب، بوجود "ثغرات" تسمح بقرصنة البيانات من قبل بكين
وأشار نادي المراسلين الأجانب، في تقرير أمس الإثنين، إلى أنّ الحكومة الصينيّة تبحث عن طرق جديدة لترهيب الصحافيين الأجانب وزملائهم الصينيين، كما مصادرهم، فيما وصلت المضايقات إلى مستوى عالٍ، لدرجة أنّ ستّة منهم على الأقل غادروا البلاد. وبحسب التقرير، تشمل الأساليب: التصيّد عبر الإنترنت، والاعتداءات الجسدية، والقرصنة، ورفض التأشيرات، بالإضافة إلى ما يبدو أنه تشجيع رسمي للدعاوى القضائية أو التهديد باتخاذ إجراءات قانونية ضد الصحافيين، "يتم رفعها عادةً من قبل المصادر أنفسهم، بعد فترة طويلة من موافقتهم صراحة على إجراء مقابلات معهم". وأشار إلى أن ذلك يمثّل تبدلاً "مقلقاً" في الوسائل السابقة للسيطرة على وسائل الإعلام، والتي كانت تتمثّل في حرمانها من تلقي دعوات لتغطية أحداث مثلاً أو مواجهة مشاكل في إصدار البطاقات الصحافية أو التأشيرات. وسلّط التقرير الذي أعده نادي المراسلين الأجانب في الصين (FCCC) الضوء على هذا التطور بقلق، مشيراً إلى أنّه يمكن منع الأجانب المتورطين في الدعاوى القضائية المدنية أو الجنائية وإجراءات المحاكم في الصين من مغادرة البلاد، بناءً على سوابق مشابهة.
وفي ظل حكم الرئيس شي جين بينغ، أصبحت الصين سلطوية بشكل متزايد، مع تفاقم حملات القمع ضد حرية الصحافة ومضايقة وسائل الإعلام الأجنبية وموظفيها. لا تزال الصحافية الأسترالية شينغ لي، التي كانت تعمل لصالح شبكة تلفزيون الصين العالمية الحكومية، وهايز فان، الصحافي الصيني في "بلومبيرغ"، في السجن، بعد أكثر من عام على حبسهما. وأفادت السلطات الصينية بأن توقيفهما جاء للاشتباه بأنهما عرّضتا الأمن القومي للخطر.
الحكومة الصينيّة تبحث عن طرق جديدة لترهيب الصحافيين الأجانب وزملائهم الصينيين، كما مصادرهم
وأضاف النادي أن خطوات من هذا النوع تفاقم الشعور بأن وسائل الإعلام الأجنبية تمثّل العدو، مشيرًا إلى أن "تغطية أخبار الصين تعاني". واستطلع نادي المراسلين الأجانب آراء 127 من أعضائه الـ192، ووجد أنّ هناك معدلات عالية من حوادث المضايقة والترهيب المبلغ عنها، قائلاً إنّ المخاطر المتزايدة دفعت العديد من الصحافيين ووسائل الإعلان الأجنبية إلى تطوير خطط خروج طارئة. إذ أُجبر مراسل "بي بي سي" السابق جون سودوورث على مغادرة الصين مع زوجته، إيفون موراي، وهي مراسلة أجنبية لـ RTÉ وأطفالهما، بعد مضايقات كبيرة وترهيب وتهديدات باتخاذ إجراءات قانونية بسبب تقارير سودوورث الاستقصائية. قال سودوورث: "أثناء خروجنا على عجل، لحق بنا وبأطفالنا الصغار رجال الشرطة في ثياب مدنية إلى المطار دليلاً أخيرًا على الأخطار التي واجهناها وعلى عدم تسامح الصين العميق مع الصحافة المستقلة".
وقال النادي إنّ ما لا يقلّ عن 8 مراسلين أجانب آخرين قد تعرّضوا للتهديد باتّخاذ إجراءات قانونيّة أو مقاضاتهم من قبل كيانات أو مصادر حكوميّة "ينتقص من وقتهم في التقارير ويضعهم في خطر شخصي كبير". ووجد النادي أنّ 62 بالمائة ممن شملهم الاستطلاع أفادوا بأنهم تعرضوا لعرقلة مرة واحدة على الأقل من قبل الشرطة أو مسؤولين آخرين، و47 بالمائة من قبل أفراد مجهولين. وقال إن 12 بالمائة "تم التعامل معهم بخشونة أو تعرضوا لأشكال أخرى من القوة البدنية" أثناء التغطية. خلال الفيضانات في مقاطعة هنان، الصيف الماضي، واجه العديد من الصحافيين الغربيين اعتداءات جسديّة من قبل أشخاص غاضبين من محاولاتهم تغطية الكارثة والتحقيق في التستر الرسمي الذي أكدته الحكومة المركزية في الصين لاحقًا.
وقال ما يقرب من ربع المستجيبين إنهم استُهدفوا بسبب تقاريرهم في حملات التشهير عبر الإنترنت، حيث استهدف التصيد بشكل غير متناسب الصحافيات من أصل شرق آسيوي، والموظفين الصينيين في وسائل الإعلام الأجنبية، بما في ذلك التلميحات الجنسية و"التهديدات المقلقة بالعنف الجسدي". وقالت مراسلة الإذاعة الوطنية العامة إميلي فانغ: "بعد أن نشرت مدونة مرتبطة بالدولة العديد من التقارير التي تنتقد تغطيتي منذ نصف عام وتصفه بأنه "غير قانوني"، بدأت المئات من حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الصينية في نشر صورتي جنبًا إلى جنب مع تعليقات مثل "ضربها حتى الموت"، ووصف أفعال جنسية".
تشمل أساليب التضييق على الصحافيين: التصيّد عبر الإنترنت، والاعتداءات الجسدية، والقرصنة، ورفض التأشيرات، بالإضافة إلى تشجيع رسمي للدعاوى القضائية أو التهديد باتخاذ إجراءات قانونية ضد الصحافيين، خصوصاً من قبل مصادرهم
وبحسب النادي، فإنّ الهجمات كانت في بعض الأحيان بتشجيع أو تحريض مباشر من قبل الدولة أو الكيانات المدعومة منها، بينما كان المسؤولون الحكوميون والسفراء يكتبون بانتظام خطابات ضد المراسلين الغربيين. وبينما قال إنّ الهجمات تظهر "قوة الحكومة الصينية الراغبة في بذل جهود كبيرة لتشويه سمعة الصحافيين الأجانب وعملهم" أشار إلى أن "أياً من هذا لم يمنع الصحافيين الأجانب من القيام بعملهم، ولا الوسائل الإخبارية العالمية الكبرى من متابعة الأخبار المهمة".
وقال ستيفن لي مايرز، رئيس مكتب الصين في "نيويورك تايمز" الذي تمّ طرده من بكين، ويعمل اليوم من سيول، إن العديد من المنافذ الإعلامية اضطرت إلى إيجاد طرق للتغطية من خارج الصين، مع استمرار حظر عشرات الصحافيين بعد طردهم في عامي 2020 و2021، والتي كانت "أكبر ضربة للتقارير الدولية في الصين". وأفاد مدير مكتب صحيفة "إيكونوميست" في بكين ديفيد ريني في التقرير بأن "مشهد المخاطر يتغيّر حالياً بطرق غير معهودة. على وجه التحديد، تواجه المنظمات الإخبارية تحذيرات من أن طريقة تغطيتها للأخبار قد تعرّضها لعقوبات قانونية أو دعاوى قضائية مدنية أو تحقيقات مرتبطة بالأمن القومي، وهو الأخطر".
وذكر التقرير أنه بينما غادر الصحافيون نتيجة الترهيب المتزايد أو طردهم من قبل الدولة، باتت تغطية الصين "تدريباً على الصحافة عن بعد بشكل متزايد". فالمراسلون الصينيون موجودون الآن في تايبيه وسنغافورة وسيدني ولندن، ويغطون البلاد عن بعد أو ينتظرون الموافقات على التأشيرة. في أواخر العام الماضي، اتفقت الصين والولايات المتحدة على تخفيف قيود التأشيرات على الصحافيين من البلدين، لكن القليل منها تمت معالجته. وأشار النادي إلى أنّ 46 بالمائة من المستجيبين قالوا إن مكاتبهم في الصين تعاني من نقص في الموظفين لأنهم لم يتمكنوا من جلب عدد كافٍ من الصحافيين. ولفت التقرير إلى أن السلطات الصينية طردت 18 صحافياً يعملون لدى وسائل إعلام أميركية عام 2020.
استمرار حظر عشرات الصحافيين بعد طردهم في عامي 2020 و2021، ما شكّل "أكبر ضربة للتقارير الدولية في الصين"
ووجد الاستطلاع أيضًا أن السلطات والمسؤولين الصينيين لا يزالون يستخدمون تدابير كوفيد-19 والقيود الحدودية لتأخير الموافقات على التأشيرات، وخنق التغطية، ومنع الوصول إلى بعض المواقع، ورفض طلبات المقابلات. إذ قال أكثر من نصف المجيبين إنهم طُلب منهم مغادرة مكان ما أو مُنعوا من الوصول لأسباب تتعلق بالصحة والسلامة رغم أنهم لم يمثلوا أي خطر. كما أضافت قواعد الحدود الصارمة في هونغ كونغ إلى الضغط على الصحافيين الأجانب الذين أبلغوا بالفعل عن زيادة الصعوبات بموجب قانون الأمن القومي وقمع الصحافة.