يستضيف غاليري آكسس في القاهرة، حتى الـ28 من فبراير/شباط الحالي، معرضاً للصور الفوتوغرافية للمصور الصحافي الراحل فاروق إبراهيم (1939 - 2011). يضم المعرض أكثر من ألفي صورة فوتوغرافية، التقطها الفنان على مدى ستين عاماً من عمله في الصحافة. تجمع الصور التي يضمها المعرض بين رموز الفن والأدب والسياسة في مصر، خلال فترات مختلفة.
يقام المعرض تحت عنوان "الأسطورة"، وهو أحد فعاليات مهرجان أسبوع الصورة الذي تتوزع عروضه على أكثر من موقع في وسط القاهرة، وتنظمه مدرسة فوتوبيا المستقلة للتصوير الفوتوغرافي.
الدخول إلى قاعة العرض الكائنة في أحد الشوارع الجانبية وسط القاهرة يشبه التنقل عبر آلة الزمن بين فترات تاريخية مختلفة، لكل منها سماتها وأجواؤها الخاصة. يمكنك بسهولة التمييز بين رصانة الخمسينيات والستينيات، وتقاليع وصيحات الموضة في السبعينيات، والتحول بسهولة بين مساحات العرض المتعددة التي يضمها الغاليري بين صور التسعينيات والألفية الجديدة.
في هذه الصور، تتحرك كاميرا فاروق إبراهيم في مساحة متسعة من الخيارات التي ربما لم تُتح لمصور آخر غيره. تنتقل عدسة إبراهيم بسلاسة تامة بين وجوه السياسيين المعروفين، ونجوم الفن ومظاهر الحياة اليومية في الشارع المصري. ورغم حدة هذه الانتقالات وتنوعها، إلا أن شيئاً واحداً يربط بينها، وهو القدرة على اقتناص اللحظات المناسبة، وهي لحظات لا تخلو في الغالب من حس مرح وجريء ينعكس على من يقفون أمام الكاميرا. في الصور، يقترب المصور فاروق إبراهيم من هذه الشخصيات في حميمية لافتة متتبعاً، سكناتهم وحركاتهم، ومقتفياً أثرهم حتى في لحظات انعزالهم عن محيطهم، هو يتعامل مع الساسة الكبار بالكيفية نفسها التي يتعامل بها مع نجوم الفن والمارة في شوارع القاهرة.
بين الصور التي يضمها المعرض، مجموعة كبيرة من الصور الخاصة بنجوم الفن والغناء البارزين، بينهم عبد الحليم حافظ مسترخياً في حجرة نومه، وصورة تجمع بين أم كلثوم والكاتب محمد حسنين هيكل. هناك صور أخرى لشادية وعمر الشريف والثنائي شويكار وفؤاد المهندس وسعاد حسني وسمير غانم وتحية كاريوكا. وصورة تظهر فيها الممثلة شيرين رضا وهي طفلة.
أما الصور الأبرز، هنا، فهي للرئيس المصري الراحل أنور السادات الذي خصه إبراهيم بمجموعة متنوعة من اللقطات يضم المعرض نماذج منها، وهي صور مخالفة للهيئة الرسمية المُعتادة لما يظهر عليه الرؤساء في مصر في الفوتوغرافيا. يظهر السادات في هذه الصور وهو يمارس عاداته اليومية، فنراه في إحداها وهو يحلق شعر ذقنه، وفي أخرى يظهر ممدداً على الأرض في حالة استرخاء.
يضم المعرض أعمالاً فوتوغرافية تغطي ما يقارب الستين عاماً من عمل إبراهيم في مجال التصوير الصحافي، وهو تحد ليس هيناً بلا شك، فاختزال هذا الأرشيف الضخم الذي يضم عشرات الآلاف من الصور الفوتوغرافية في ألفي صورة فقط يمثل جهداً لا يستهان به.
كان لا بد إذاً من معيار يمكن الاستعانة به في هذه الاختيارات، لذا تم الاتفاق، كما تقول منسقة المعرض، نادية منير، على انتقاء هذه الصور التي تمثل ذاكرة للشعب المصري خلال تلك الأعوام. لا يتعلق الأمر بأهمية الحدث، كما تقول منير، ولكن بقوة أثره وانفراده في التسلسل الزمني لتاريخ مصر السياسي والاجتماعي والفني.
تعكس هذه الصور تطلع جيل المصورين الصحافيين في مصر، خلال تلك الفترة، إلى الخروج من عباءة الأنماط القديمة للتصوير الصحافي أو التصوير الفوتوغرافي على نحو عام. إن نماذج الصور التي يضمها هذا المعرض تتلمس كل ما هو إنساني في عيون أبطالها، كما تستند انتقاءات المصور إلى قدر من الجرأة والتجريب. تبرز هذه اللقطات، كذلك، رغبة المصور في الاشتباك الذاتي مع المشهد متمثلاً في حضوره المُحايد في بعض هذه الصور، كانعكاس في المرآة. هذا الانحياز الظاهر للمشاعر الإنسانية كان في مقدمة المعايير التي وضعها منظمو المعرض عند انتقائهم لهذه الصور. من اللافت أيضاً عند مطالعة الصور التي يضمها المعرض على اختلافها وتنوعها، ذلك الشعور المسيطر بأن كاميرا فاروق إبراهيم كانت حاضرة في الوقت والمكان المناسبين.
عند التمعّن في لقطات فاروق إبراهيم للفنانين والأدباء والشخصيات الشهيرة، نجد أنه استطاع الاقتراب منها بلحظات نادرة لها. على سبيل المثال، نادراً ما كانت أم كلثوم تخلع نظاراتها السوداء، وتُظهر عينيها. لفاروق إبراهيم صورة لها قريبة تُظهر عينيها بوضوح، وهي في حالة شرود. كان يُعرف عن أم كلثوم أنها تُبقي المصورين الصحافيين بعيدين عنها. قليلون فقط استطاعوا الاقتراب منها، وكان فاروق إبراهيم أحدهم. ويروي نجله، هشام، قصة لقائه بـ"كوكب الشرق". إذ يعود هذا اللقاء إلى صورة التقطها لها. حين رأتها في الصحيفة، أعجبتها وطلبت لقاءه. وقالت له: "للمرة الأولى أرى صورتي تتكلّم".
لقطات كثيرة ومميزة للفنانين والكتّاب استطاع اقتناصها وتخليدها، مثل صورة نجيب محفوظ وهو يدخن الشيشة، أو أم كلثوم وهي تقف أمام المرآة وتوضّب ثوبها، وتحية كاريوكا أمام المرآة كذلك، تضع العطّر. محمد عبد الوهاب في حديقة بيته يطالع كتاباً... إلخ.
تكمن قوة هذا الأرشيف الفوتوغرافي لفاروق إبراهيم في كونه يمثل مرجعية تأريخية للممارسة الفوتوغرافية في مصر والمنطقة العربية، وهي مرجعية تتقاطع بقوة مع تاريخ التصوير الفوتوغرافي حول العالم. إن الحضور اللافت للصورة الفوتوغرافية والتجريب في هذا المجال، هو أمر ليس مستحدثاً أو دخيلاً على الممارسة الفنية في المنطقة العربية، وهو ما يجب الاستناد إليه عند تعامل الأجيال الحالية من المصورين مع هذا الوسيط المعاصر الذي بات لا غنى عنه في عالمنا الحالي. يفتح هذا المعرض المجال لاستكشاف العشرات من أرشيفات المصورين الصحافيين في مصر، وضرورة التعامل مع الصورة الفوتوغرافية كوسيلة مهمة وحيوية للتأريخ البصري المعاصر.