مليون دولار للوحة رسمها الذكاء الاصطناعي: عايدة فوق الواقع

13 نوفمبر 2024
من يمتلك لوحة أنجزها الذكاء الاصطناعي؟ (يوهانس سايمون/Getty)
+ الخط -

تمكنت AI-Da، ولنسمها عايدة، الروبوت فائق الواقعية والمعروف بلوحاته الفنية، من بيع أول لوحة له في مزاد سوذبي في نيويورك بمبلغ 1.08 مليون دولار. اللوحة التي تمثل بورتريه لآلان تورينغ، العبقري، الذي يقال إنه أحد آباء الحوسبة والذكاء الاصطناعي.
تقول عايدة إن اللوحة: "تدعو المشاهدين إلى التفكير في المقاربة الإلهية للذكاء الاصطناعي والحوسبة، مع الأخذ بعين الاعتبار المعاني الأخلاقية والاجتماعيّة لهذا التطور".
كثير من التناقضات وعلامات الاستفهام تطرحها الفقرات السابقة. فقرة التقديم للموضوع: هناك روبوت، وذكاء اصطناعي، ومليون دولار، ونصيحة من الذكاء الاصطناعي نفسه، والأهم؛ فنّ، ومزاد في نيويورك. يظهر البشر في الخبر السابق بوصفهم فقط من دفعوا النقود وأنصتوا إلى نصائح عايدة.
سبق أن "رسمت" عايدة كثيراً من اللوحات، بل إنها رسمت بورتريه للملكة إليزابيث. تُعرّف عايدة عن نفسها في موقعها الإلكتروني بـ"أول روبوت فنان فائق الواقعية". وما يميزها أنها "تبصر"، أي تحلل ما تراه عبر "عينيها" التي تحوي كاميرات، وسبق أن أقامت معرضاً في جامعة أوكسفورد.
كل اللعب العلمي والاكتشافات والمغامرات التصميمية والبرمجية، تختلف حين ندخل عالم الفن، ولا نقصد هنا النظرية الفنية والمعنى الفنيّ وراء غياب الإنسان وحضور الآلة، بل نقصد سوق الفن، ذاك المليء بغسل الأموال، والتهرب الضريبي، والآثار المسروقة، والمحتالين والمزوّرين، وغيرها من الأمور المريبة، التي تمنع هبوط ثمن أي عمل فنّي معاصر، على الرغم من ابتذاله أحياناً.
لا يمكن إنكار أن قيمة اللوحة التي أنتجتها عايدة سببها الحكاية المحيطة بها، خصوصاً أننا أمام مهارة غير بشرية في ما يخص الدقة. فمثلاً، يد عايدة لا ترتجف، كما أنها لا تنسى؛ فاقتناء اللوحة، هو اقتناء للقيمة التاريخيّة المحيطة بها، لكن ماذا بعد أن تتحول لوحات الذكاء الاصطناعي من تحدّ للمؤسسة الفنية (كما حصل حين نال المصور الألماني بوريس جائزة أفضل عمل فوتوغرافي عن صورة أنتجها عبر الذكاء الاصطناعي) إلى جزء عضوي منها، فهل الوفرة المفترضة لهذا النوع من "اللوحات" ستهدد أسعار السوق؟ أم ستستمر بالارتفاع؟
هناك أيضاً سؤال خاص بالملكية الفكرية. من يمتلك مثلاً لوحة أنجزها الذكاء الاصطناعي من دون فنان/روبوت/مبرمج معروف؟ نظرياً، علينا معرفة أن اللوحات من المفترض أن تمتلك شيفرة ما للخوارزمية، أو البرنامج الذي "رسَمَها"، ما يعني فتح الباب على دعاوى الملكيّة الفكرية التي بدأت شركات الذكاء الاصطناعي تواجهها. لكن السؤال: في حال فاز الفنانون بالدعاوى، هل سيحصل كل واحد منهم على مبلغ ضئيل مقابل كل صورة يولدها الذكاء الاصطناعي؟ ومقابل كل عملية بيع؟
قدرة الروبوت والذكاء الاصطناعي الفائقة على قدرة البشري، تثير كثيراً من التساؤلات؛ فبإمكان الروبوت الواحد إنتاج عدد لانهائي من اللوحات المتطابقة كلياً، من دون أن يرف له جفن أو يد، كونه لا يخطئ، خصوصاً أننا أمام آلات ذات براغٍ مشدودة، وليست أيادي ذات مفاصل كما في الحالة البشرية. في هذه الحالة، ماذا عن سؤال الأصالة؟
المقصود أن العمل الفني وليد لحظة وسياق لا يمكن تكراره، سياق يظهر في اللوحة ذاتها عبر الأخطاء، وغياب الأخطاء، يحرّر أو ربما يطرد العمل الفني من "التاريخ"، ويهمل السياق كلياً ذاك الذي لن يتضح في حال التطابق.

كثير من الأسئلة التي يمكن توجيهها لعايدة ولمصمميها ولسوق الفن. لكن، يبقى السؤال الأهم حول فقاعة الفن التي ما زالت تكبر وتكبر بقيادة دور المزادات وصالات العرض، إلى حد يمكن فيه الاستغناء عن الفنان نفسه: هل سيتحول سوق الفن إلى مساحة للتهرب الضريبي وغسل الأموال بصورة بحتة، لا تعود حتى على الفنان نفسه بالفائدة؟

المساهمون