منذ انطلاق طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على غزة، تعيش وسائل التواصل الاجتماعي حرباً شرسة تستهدف المستخدمين، الذين يتعرّضون لغسيل الدماغ والتلاعب بهم، لتشكيل رأي موجّه حول الأحداث. فكيف حدث ذلك ومن يقف وراءه؟
تورد صحيفة واشنطن بوست أن الأخبار الكاذبة لا تنتشر في المنطقة عن طريق تدخل أجنبي خارجي، بالرغم من أدلة على حسابات مؤيدة لإسرائيل مصدرها اليمين الهندي. كما أن عمليات تسريح الموظفين جعلت شركات الإنترنت الكبرى والرئيسية غير قادرة على اللحاق بحجم التضليل المنتشر في منصاتها.
من يقف وراء التضليل؟
التضليل الأجنبي سمة رئيسية للحرب التي طال أمدها في أوكرانيا. لكن خلال العدوان على غزة لم يجد الباحثون بعد سوى عدد قليل من الأدلة على وجود معلومات مضللة مصدرها الخارج، كما تنقل صحيفة واشنطن بوست عن كبير المحللين في شركة مانديانت للأمن السيبراني جون هولتكويست.
ومع ذلك يبدو أن بعض الحسابات النشطة للغاية على "إكس"، التي تشارك محتوى مؤيدا لإسرائيل ومنشورات معادية للمسلمين، مقرها في الهند وتعرب عن دعمها لرئيس وزراء البلاد ناريندرا مودي، بحسب ما رصدته "بي بي سي".
وبعض الأكاذيب جاءت من أعلى المستويات في إسرائيل. أشهرها الادعاء بأن حماس قطعت رؤوس الأطفال، وهو خبر كاذب مصدره تقرير إخباري إسرائيلي واحد. هذا الخبر الكاذب تبنّاه مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ثم انتشر على نطاق واسع عبر الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.
وبعد أقل من يوم، تراجعت الحكومة الإسرائيلية عن هذه الكذبة، وقالت لـ"سي أن أن" إنه "لا يمكننا تأكيد ما إذا كان الضحايا رجالاً أو نساء، جنوداً أو مدنيين، بالغين أو أطفالاً".
وبحسب "بي بي سي"، حسابات عدة على "إكس" تتمتع بسجل حافل في نشر نظريات المؤامرة حول الأزمات، وقد عمدت إلى تضخيم المنشورات المضللة في ما يبدو أنه محاولة إما للتقليل من شأن ما يحدث على الأرض أو المبالغة فيه. ويشمل ذلك مشاركة مقاطع فيديوهات قديمة من حروب مختلفة، ولقطات من ألعاب الفيديو، تدعي الحسابات أنها من الوضع الحالي في فلسطين.
ويبدو واضحاً، بحسب تحليل الصحيفة الأميركية، أن بعض الحسابات التي تروّج للأخبار المضللة تنتمي لـ"بوتس" أو تتبع لأشخاص وهميين وغير حقيقيين. ولاحظت "بي بي سي" أن حسابات عدة أُنشئت حديثاً أو أصبحت نشطة أخيراً فقط.
ووفقاً لشركة سيابرا الإسرائيلية لتحليل وسائل التواصل، فإن واحداً من كل خمسة حسابات تشارك في محادثات حول العداون هي حسابات مزيفة. والحسابات المزيفةربما تكون روبوتات مبرمجة للنشر بشكل تلقائي، أو لأشخاص حقيقيين يتظاهرون بهويات مزيفة.
وتقول الشركة إنها عثرت على ما يقرب من 40 ألف حساب مزيف، بما في ذلك على "إكس" و"تيك توك".
ومع ذلك تحديد ما إذا كان البروفايل مزيفاً بالفعل ومن يقف وراءه بالضبط هو مهمة صعبة للغاية، فهذا يتطلّب معلومات من شركات وسائل التواصل الاجتماعي التي لا يستطيع الصحافيون الوصول إليها في كثير من الأحيان.
تراجع قدرات مواقع التواصل على رصد التضليل
خلال العام الماضي، تراجعت قدرة شركات التكنولوجيا على إدارة الشكاوى بسبب موجات من عمليات تسريح الموظفين في الوحدات المسؤولة عن مراقبة المحتوى الإشكالي.
وسرّحت "ميتا"، التي تملك "فيسبوك" و"إنستغرام" و"واتساب"، أعضاءً كثرين من فريق العمليات العالمي الذي يراقب المنصة، بما في ذلك المتحدثين باللغة العربية. وطرد إيلون ماسك أعضاء الفرق المشرفة على المحتوى، وقد كان دور هؤلاء بالغ الأهمية في محاربة المحتوى الكاذب. وأعلن الاتحاد الأوروبي عن إجراء تحقيق مع "إكس" بسبب فشلها في تخفيف المعلومات المضللة.
وقال المدير التنفيذي لمنظمة "حملة" نديم ناشف إنه لم يتمكن من الإبلاغ عن المحتوى إلى "إكس" لأن الأشخاص المكلفين الذين كانت المنظمة تتواصل معهم قد طردهم ماسك.
أيضاً قال مدير منظمة فيك ريبورتر لمكافحة المعلومات المضللة وخطاب الكراهية عبر الإنترنت أتشيا شاتز إنه خلال العام الماضي "لم يكن هناك من يمكن التحدث إليه" بسبب عمليات الفصل.
غياب الصوت الفلسطيني يزيد التضليل
لعبت وسائل التواصل الاجتماعي منذ فترة طويلة دوراً حاسماً في المعارك الدائرة في المنطقة، وحشدت الدعم للقضية الفلسطينية. ويقول الباحثون إن زيادة الوصول إلى الإنترنت وانتشار الهواتف الذكية أتاحا لحظة فاصلة، وكشفت كيف يمكن لمنصات التكنولوجيا أن تظهر الرعب والخسائر البشرية لمثل هذه الأحداث.
ولكن الآن، تراجعت منصات التكنولوجيا، التي تضاءل دورها في مكافحة الأخبار المضللة بسبب موجات تسريح الموظفين، وباتت غير قادرة على مواكبة الأكاذيب والمعلومات المضللة وخطاب الكراهية عبر الإنترنت.
فقبل عامين، عندما اندلعت الحرب بين إسرائيل وحماس، استخدم السكان المحليون هواتفهم المحمولة لبث المظاهرات والقصف اللاحق للعالم. لكن على عكس عام 2021، يفقد الفلسطينيون في غزة في العدوان الحالي إمكانية الوصول إلى الإنترنت، وهو ما يهدّد قدرتهم على رواية قصتهم للعالم.
ويهدد انقطاع الكهرباء والضربات على البنية التحتية للاتصالات في غزة اتصال الفلسطينيين بالإنترنت، وفقاً لمنظمات حقوق الإنسان.
ونقلت "واشنطن بوست" عن المحللة في مؤسسة "الشبكة" الفكرية الفلسطينية مروة فطافطة أنه "ليس لدى الناس ما يكفي من الكهرباء لشحن أجهزتهم. هناك أشخاص لا يستطيعون إرسال رسائل نصية قصيرة، وقد تضرّر بعض من البنية التحتية للاتصالات. لقد أصبح الأمر بمثابة تعتيم على المعلومات".
يُملأ هذا الفراغ بمعلومات مضللة يبثها الإسرائيليون، وهي معلومات يحذر الباحثون من أنها قد تؤدي إلى المزيد من العنف ضد الفلسطينيين في مختلف أماكن وجودهم.
والمحاولات الناجحة لتشويه وإرباك النقاش عبر الإنترنت تجعل من الصعب جداً الوصول إلى حقيقة ما يحصل على أرض الواقع إذا كان المستخدم يعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار.
محاربة المحتوى الفلسطيني
من جهته، أكد مركز صدى سوشال، الأحد، أن هنالك تطورات خطيرة في محاربة المحتوى الرقمي الفلسطيني، حيث تظهر جهود واضحة من منصات التواصل الاجتماعي والحكومات لمحاربة وطمس فلسطين من الذاكرة الرقمية للشعوب.
وقال "صدى سوشال" إن إجراءات محاربة الرواية الفلسطينية مأخوذة بقرار سياسي واضح من الحكومات، وتنفّذه منصات التواصل الاجتماعي انسياقاً مع الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على الشعب الفلسطيني.
وتابع المركز أن منصات شركة ميتا و"تيك توك" وضعت مصطلح "من البحر إلى النهر" وfrom sea to river كجملة واحدة في بند الحظر، تحت معيار "معاداة السامية"، كما حجبت منصات "ميتا" روابط القنوات الإعلامية على "تليغرام" والتابعة للمؤسسات الإعلامية، وبأثر رجعي لحظر صفحات المؤسسات الإعلامية.
ووفق بيان للمركز، فإن منصة ميتا أعلنت، الخميس الماضي، حذف 795 ألف منشور على منصاتها المختلفة في الأيام الثلاثة الأولى من الحرب، وحظر وسوم عدة على "إنستغرام"، ومراجعة حسابات منذ عام 2021، وحذفها، وإزالة المنشورات التي تعتقد أنها مرتبطة بحركة حماس.
في هذه الأثناء، أكد "صدى سوشال" أنه رصد أكثر من 4800 إجراء تقييدي وانتهاكات بحق المحتوى الفلسطيني مارستها منصات التواصل الاجتماعي، وأن هناك أكثر من 8 آلاف منشور تحريضي عبري وبلغات أجنبية ضد الفلسطينيين.