بمشاركة 32 فيلماً من نحو عشر دول، انطلقت الدورة الثالثة من مهرجان القدس للسينما العربية على المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي)، الثلاثاء الماضي، بحضور عدد من صنّاع وعشاق الفن السابع. ويشمل برنامج المهرجان، الممتد حتى مساء اليوم، جلسات حوار ولقاءات مفتوحة مع مخرجين، وورش تدريب لكتابة السيناريو والمونتاج وصناعة الأفلام الوثائقية.
ورسالة المهرجان، حسب القائمين عليه، تقوم على مقاومة الاحتلال ومحاولة تغييبه القدس ثقافياً، عبر بوابة السينما التي تعكس إصرار الفلسطيني عامة، والمقدسي خاصة، على التعبير عن إنسانيّته، وحقه في الحياة، وفي ممارسة كافة أشكال التعبير من سينما، ومسرح، وموسيقى، ورقص، وغيرها، في ظل النكبة المستمرة التي يعيشها منذ خمسة وسبعين عاماً.
وعرض المهرجان في الافتتاح الفيلم المصري "19 ب" للمخرج أحمد عبد الله السيد ومن بطولة سيد رجب وناهد السباعي وأحمد خالد صالح، فيما شمل باقي البرنامج أفلاماً من لبنان وتونس والمغرب ومصر والجزائر والسعودية والعراق والسودان والأردن وفلسطين.
ومن أبرز الأفلام الروائية المدرجة في البرنامج "جزيرة الغفران" للمخرج التونسي رضا الباهي، و"حمى البحر المتوسط" للمخرجة الفلسطينية مها الحاج، و"بركة العروس" للمخرج اللبناني باسم بريش. كما يشمل البرنامج أفلاماً وثائقية، من بينها "خذني إلى السينما" للمخرج العراقي الباقر جعفر، و"أجساد بطولية" للمخرجة السودانية سارة سليمان، و"فلسطين الصغرى" للمخرج الفلسطيني عبد الله الخطيب.
في الافتتاح، قالت مديرة المهرجان نيفين شاهين: "برنامج هذه السنة حافل بالأفلام التي تتناول مختلف القضايا، على مدار ستة أيام نعرض 32 فيلماً تلامس آلام وآمال، وأحلام وطموحات، وذاكرة وتاريخ، الشعوب العربية الشقيقة". وفي حديث شاهين لـ"لعربي الجديد"، أفادت بأن جائزة الفيلم الوثائقي الطويل تحمل اسم الشهيدة شيرين أبو عاقلة. قتل الاحتلال الإسرائيلي الصحافية شيرين أبو عاقلة في مايو/ أيار 2022.
ولفتت شاهين إلى أن من بين جديد المهرجان هذا العام استضافته سينمائيين من الخارج، مثل الإسباني أليكس ساردا الذي عرض فيلمه "حفريات" وأدار نقاشاً حوله في اليوم الأول من المهرجان، كما نظم له "ماستر كلاس" مع مجموعات شبابية من القدس من المهتمين في السينما، ضمن فعاليات المهرجان الذي يشتمل أيضاً على لقاءات عبر تقنية "زووم"، كما حصل مع مخرج وبطل فيلم "شرف" المصري، الممثل الفلسطيني أحمد المنيراوي من قطاع غزة، ومع المخرجة الفلسطينية مي المصري، علاوة على استحداث عروض للفيلم الوثائقي القصير للمرّة الأولى، إذ تمّ اختيار 13 فيلماً من أصل أكثر من خمسين تقدّم بها أصحابها للمشاركة في المهرجان، فيما كانت غالبية الأفلام تعرض للمرّة الأولى في هذه الفعالية المقدسية.
وحول توجه المهرجان نحو الفيلم العربي تحديداً، لفتت شاهين إلى أنه جاء من باب التخصص أولاً، و"لكون أنه لا مهرجان فلسطينياً في القدس ينحو نحو تقديم الأفلام العربية، وبما يمدّ جسوراً مع المبدعين العرب، الذي لولا حماستهم لما كان المهرجان، حيث قدّم جميعهم جهودهم كما أفلامهم أو كليها مجاناً لدعم المهرجان"، لافتة إلى أنّ "الحديث عن مهرجان القدس الدولي يحيل فوراً إلى المهرجان الإسرائيلي الذي يحمل هذا الاسم، وأن التخصص في تقديم الأفلام العربية أعطى المهرجان زخماً يتصاعد مع الوقت".
وقال الناقد السينمائي اللبناني، الزميل نديم جرجوره، إنه سعيد باختياره رئيساً للجنة تحكيم مسابقة الفيلم القصير في المهرجان: "لا لأنني أرأس هذه اللجنة، فقد شاركتُ عضواً ضمن لجان تحكيم في عدد من المهرجانات سابقاً، بل لجمال التجربة نفسها، لأنّ هذه الصفة تمنحني هامشاً أكبر من الأعضاء الآخرين". وأضاف جرجوره: "وما يهمّني فعلياً هو، أولاً، أن المهرجان يقام في القدس، وثانياً أن اللجنة التي أنا ضمنها هي الخاصة بمسابقة الأفلام القصيرة. كثيرون من العاملين في المجال السينمائي يعتبرون الفيلم القصير خطوة أولى باتجاه تحقيق فيلم روائي، في الوقت الذي يعتبر آخرون، في العالم العربي والغرب، الفيلم القصير عملاً سينمائياً بحد ذاته، لا خطوة أولى، بل صناعة سينمائية قائمة لها مهرجاناتها المتخصصة، مثل مهرجان كليرمون فيران الفرنسي الذي ينظر إليه على أنه مهرجان كانّ للأفلام القصيرة".
ولفت إلى أن الأفلام القصيرة في المهرجان تعكس "تجارب جميلة (...) من الجميل أن شباباً وشابات لا يزالون يحاولون التعبير عن أنفسهم وقضاياهم (الهوية، الهجرة، الاحتلال، العنف...) من خلال الأفلام القصيرة".
واشتملت فعاليات الافتتاح على رسائل مصوّرة بالفيديو من أعضاء لجان التحكيم، كانت أولها للمخرجة والمنتجة اللبنانية إليان الراهب، رئيسة لجنة تحكيم جائزة الفيلم الوثائقي (جائزة شيرين أبو عاقلة)، وقالت فيها: "فخورة بالمشاركة في مهرجان القدس للسينما العربية، وكنت أحبّ أن أكون بينكم، لكن الظروف تحول دون ذلك، ونأمل أن يتحقق تحرير القدس ونحن على قيد الحياة، ونزورها محرّرة. فخورة باختياري رئيسة لجنة لتحكيم جائزة الفيلم الوثائقي. اللجنة شاهدت الأفلام، ونتمنى أن يشاهدها أكبر قدر من الجمهور، رغم القتل اليومي، والحصار، وكل هذه العنصرية، لكن إنتاج الأفلام وتنظيم المهرجانات هما طريقتنا في المقاومة، خاصة أن السينما قادرة على إيصال صوتنا إلى العالم".
أما الممثلة المصرية سلوى محمد علي، فعبّرت عن سعادتها باختيارها عضواً في لجنة تحكيم جائزة المهرجان للفيلم القصير قائلة: "للقدس قيمة كبيرة داخلي، وداخل كافة أبناء جيلي، وغيرهم. شرف كبير أن أكون جزءاً من مهرجان للسينما العربية في القدس التي هي مدينتنا التي نحب، مركز الحضارة والإبداع، وهو ما نلمس محاولات أهلها للحفاظ عليه رغم الصعوبات اليومية التي تواجههم".
بدوره، أشار المخرج السينمائي السوداني أمجد أبو العلاء، وهو عضو في لجنة تحكيم مسابقة الفيلم الروائي الطويل، إلى أن مهرجان القدس للسينما العربية آخذ بالتطور، وباستقطاب أسماء وأفلام عربية مهمة، معرباً عن سعادته بالعمل مع فريق اللجنة من مصر وفلسطين والسعودية.