احتل موازولو ديابانزا، الناشط الكونغولي، عناوين الصحف العام الماضي، بسبب أفعاله في متاحف أوروبية عديدة. إذ يسعى الشاب الأربعيني إلى انتزاع القطع والكنوز الأفريقية من متاحف أوروبا، وإعادتها إلى موطنها الأصلي، مع تسليط الضوء، على نهب جماعي للقارة الأفريقية، حصل على يد المستعمرين الأوروبيين. لا تقتصر أهداف ديابانزا على المتاحف الكبيرة فقط، بل يخطط وأنصاره أيضًا إلى إدراج المعارض الصغيرة والمجموعات الخاصة ودور المزادات في حملتهم. بيد أنّ جائحة كورونا أبطأت نشاطاته مع إغلاق معظم متاحف العالم. وفي حديثه إلى موقع "آرت نت" قال ديابانزا: "لم يعد يخفى على أحد أننا نريد أن نجمع كل العشائر والشعوب المحرومة من آثارها وتراثها الثقافي بهدف الحصول على قرار أممي يجبر الدول والممالك الغربية على إعادة كل ما أخذوه منا بالقوة ومن دون أي شروط". وتتلخص مهمة ديابانزا، بصفته زعيم حركة أفريقية تسمى Yanka Nku (الوحدة والكرامة والشجاعة)، باستعادة جميع الأعمال الفنية والثقافية، المأخوذة من أفريقيا إلى أوروبا. ويطلق على طريقته في الحصول عليها اسم: "الدبلوماسية النشطة". يبدو ديابانزا مصمّما على المضي قدماً، مع التخطيط لمزيد من الإجراءات هذا الشهر في بروكسل، إلا أن الإغلاق بسبب كوفيد 19 أحبطها جميعها. ومع تأكيده على وجود المزيد، يقول: "سننظر في إسبانيا وألمانيا والبرتغال والفاتيكان ونعم المملكة المتحدة. وسنزور المتحف البريطاني بمجرد إعادة افتتاحه. إذْ يحتوي على تحف فنية تعتبر رمزية للغاية".
تواصلت "العربي الجديد" مع المتحف البريطاني، للتعليق على هذه المسألة فقال المتحدّث باسمه: "إن سلامة المجموعة والحفاظ عليها هي أولويتنا القصوى، وتتمثل مهمة المتحف في عرض المجموعة وإتاحتها لأكبر عدد ممكن من الجمهور. نحن نتفّهم أنّه لدى الناس آراء قوية حول هذه القضية المهمة. المتحف يبحث باستمرار عن مصدر المجموعة. ويشارك المتحف البريطاني أيضًا في حوار نشط ومباشر مع المجتمعات المحلية والشركاء الدوليين في جميع أنحاء العالم. كما نعمل في شراكة لتطوير ومشاركة فهمنا للتراث الثقافي، والتعاون في تعميم مجموعات المتاحف، ومتابعة تبادل المعرفة، والبحوث المشتركة والبرامج التعليمية".
انتزع ديابانزا مجسم جنازة من متحف "كواي برانلي" الفرنسي
تجدر الإشارة إلى أنّه في يونيو/حزيران الماضي، مع افتتاح متاحف فرنسا بين فترات الإغلاق، دخل ديابانزا والعديد من أعضاء حركته إلى متحف "كواي برانلي" Quai Branly في باريس، الذي يضم حوالي 70 ألف قطعة من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وانتزعوا مجسّم جنازة أفريقياً يعود إلى القرن التاسع عشر، الذي كان ملكًا لشعب باري في تشاد، وهم يهتفون "نحن نعيدها إلى الوطن!". بيد أنّ الشرطة تمكنت من استعادته، واحتجزت ديابانزا لمدة ثلاثة أيام، وحكم عليه بغرامة قدرها ألف يورو بتهمة "محاولة السرقة". بينما واجه النشطاء الخمسة الذين شاركوا هذه العملية، عقوبة سجن لمدة تصل إلى عشر سنوات وغرامة قدرها 150 ألف يورو لكل منهم، وفي النهاية حُكم على أربعة منهم بغرامة تتراوح بين 250 يورو و1000 يورو مع تفادي السجن.
لم يثن ديابانزا اعتقاله في باريس، عن العودة إلى محاولة أخذ رمح عاجي من "متحف الفن الأفريقي، الأوقيانوسي، الأميركي الأصلي"، بعد شهر في مرسيليا. لكن أخلي سبيله في المحكمة، على الرغم من أنّ المدعي الفرنسي نيكولا روبي، جادل في المحكمة بأنه يجب معاقبة النشطاء بالسجن لمدة أربعة إلى ثمانية أشهر على الأقل من أجل منع مثل هذه الأعمال في المستقبل. ولفت إلى أنّهم إن لم يفعلوا ذلك، سيرون الإيطاليين يأتون إلى متحف اللوفر لأخذ وليمة زفاف (فيرونيز) في قانا، أو المصريين يغادرون مع المومياوات.
وبعد ذلك في الخريف، كرّر ديابانزا فعلته مجدداً في هولندا وحاول إزالة تمثال كونغولي من متحف "أفريكا في بيرغ إن دال". وحُكم عليه بالسجن شهرين مع وقف التنفيذ وغرامة قدرها 250 يورو، بما في ذلك عامان تحت المراقبة. وذلك عقب نجاح محامي الدفاع في تقديم دعوى ناجحة للدعوى، باعتبارها عمل من أعمال حرية التعبير وليس سرقة. واستندوا إلى وعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عام 2017، حين تعهّد بإعادة الأعمال الفنية والتحف الأفريقية الموجودة في المتاحف الفرنسية في غضون خمس سنوات. ويأمل ديابانزا وزملاؤه النشطاء في تسريع نقاشات استعادة القطع الأثرية في دول مثل فرنسا وبلجيكا، حيث تم إحراز بعض التقدم في إعادة التراث الأفريقي إلى دول القارة. وفي أكتوبر/ تشرين الأوّل 2020، نشرت لجنة في هولندا تقريرًا قالت فيه إنه يجب إعادة الأشياء التي نُهبت.
اليوم، وسّع ديابانزا نطاق حملته من خلال إنشاء FMAS، أو ما يعرف باسم "الجبهة متعددة الثقافات لمكافحة السلب". وتهدف هذه الجبهة إلى لم شمل الناس في جميع أنحاء العالم وتشمل القطع الأثرية التي تنتمي إلى قبائل الأميركيين الأصليين والسكان الأصليين والشعوب الأصلية في الفيليبين وإندونيسيا وبيرو وأماكن أخرى. وديابانزا، المولود في كينشاسا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، فرّ إلى فرنسا كلاجئ سياسي. واعتبارًا من عام 2020، يمضي وقته بين فرنسا وتوغو. ويقول إن عائلته لجهة والدته تتحدر من أصول ملكية كونغولية، وإن جده، حاكم مقاطعة مبانغو، كان يحمل مسؤولية البلاد خلال فترة غياب الملك. وإنّه في فترة ولاية جده، وصل الأوروبيون وسرقوا القطع الأثرية، بما في ذلك: قبعة مصنوعة من جلود حيوانات متعددة، وعصا معقدة، وسوار نحاسي، وجلد نمر كانوا يرتدونه في طقوس خاصة.