قالت موظفة في "غوغل"، أمس الثلاثاء، إنها ستستقيل لأنّ الشركة حاولت الانتقام منها، بعدما تحوّلت إلى أبرز المعارضين لعقد وقّعته الشركة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، بحسب ما نقلته صحيفة نيويورك تايمز.
وكتبت مديرة تسويق في قسم المنتجات التعليمية التابعة لـ"غوغل" تدعى أرييل كورين، التي عملت في الشركة لمدة سبع سنوات، مذكرةً إلى زملائها تعلن فيها عزمها على ترك عملها في نهاية الأسبوع.
إلى ساو باولو
وأمضت كورين أكثر من عام في التنظيم والدعوة ضدّ مشروع "نيمبس"، وهو اتفاق بقيمة مليار و200 مليون دولار أميركي عقده الاحتلال الإسرائيلي مع "غوغل" و"أمازون" لتزويد سلطة وجيش الاحتلال بأدوات الذكاء الاصطناعي وخدمات الحوسبة الأخرى.
وساعدت كورين (28 عاماً)، في نشر العرائض الرافضة للاتفاق، وفي التواصل مع مسؤولين تنفيذيين في جماعات الضغط المختلفة، كما تحدّثت إلى مؤسسات إخبارية. كلّ ذلك في محاولة لإعادة النظر في الصفقة وثني "غوغل" عن المضي بالمشروع.
لكن هذا النشاط لم يلقَ ترحيباً من الشركة، إذ تلقت كورين في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 إنذاراً مفاجئاً من "غوغل": "إمّا الموافقة على الانتقال إلى ساو باولو في البرازيل خلال 17 يوماً، وإمّا ستخسرين وظيفتك".
كانت كورين آنذاك تقوم بتسويق المنتجات التعليمية في أميركا اللاتينية، وكان مقرّها في مكسيكو سيتي، قبل أن تنتقل إلى سان فرانسيسكو خلال جائحة كوفيد-19. وبحسب الموظفة، لم يكن هناك أيّ مبرر واضح لإجبارها على الانتقال إلى ساو باولو، خاصةً أنّ أحد المشرفين على الموظفين في البرازيل أخبرها بأنّ العاملين يؤدّون مهامهم من المنزل بسبب الوباء.
وبحسب "نيويورك تايمز"، حققت "غوغل" والمجلس الوطني لعلاقات العمل في الشكوى التي قدّمتها كورين، لكنّهما لم يتوصلا لوجود أيّ مخالفة.
ونشر 15 موظفاً آخرون في "غوغل"، يوم أمس الثلاثاء، شهادات صوتية على "يوتيوب" طالبوا فيها الشركة بعدم العمل مع إسرائيل، وانتقدوا معاملتها للفلسطينيين وفرضها الرقابة على الموظفين الداعمين لهم.
وكتبت كورين في رسالتها: "تُسكِت غوغل بشكل منهجي الأصوات الفلسطينية واليهودية والعربية والمسلمة التي تشعر بالقلق إزاء تواطؤ غوغل في انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني، إلى حدّ الانتقام رسمياً من العمال وخلق بيئة من الخوف".
وردّت المتحدثة باسم الشركة شانون نيوبيري في بيان قالت فيه: "نحن نحظر الانتقام في مكان العمل ونشارك بشكلٍ علني سياستنا الواضحة للغاية"، وأضافت: "لقد حقّقنا بدقة في ادعاءات هذه الموظفة، كما نفعل عندما تثار أيّ مخاوف".
تاريخٌ من الاتهامات بالكيدية
وتعدّ قضية كورين الأحدث في سلسلة من القضايا التي اتّهم فيها موظّفو "غوغل" الشركة بالانتقام بسبب عملهم كناشطين.
في عام 2019، استقالت كلير ستابلتون وميريديث ويتاكر، وقالتا إنّهما واجهتا عقوبة بعد تنظيم إضراب في 2018 للاحتجاج على سياسات الشركة حيال سوء السلوك الجنسي.
وفي حادثة أخرى، فصلت عملاقة التكنولوجيا في نوفمبر 2019 أربعة موظفين شاركوا في مجموعة متنوعة من الجهود التنظيمية داخل الشركة. كما تمّ فصل عامل خامس بعد فترة وجيزة لأنّه أنشأ رسالة على شبكة الشركة الداخلية لإعلام العمال بحقّهم المحمي قانوناً بأن يتنظّموا. وقال المجلس الوطني لعلاقات العمل إن "غوغل" فصلت بشكل غير قانوني اثنين من العمال، وراقبت الآخرين وانتقمت منهم بشكل غير قانوني.
كما طردت الشركة باحثتين في مجال الذكاء الاصطناعي، هما تيمنيت جبرو ومارغريت ميتشل، وذلك بعد انتقادهما لتكنولوجيا "غوغل" في ورقةٍ بحثية. وقالت جبرو بشكل منفصل إنّ "جهود الشركة لجعلها أكثر تنوعاً غير كافية".
عند سؤالها عن عمليات الطرد، كرّرت "غوغل" تصريحاتها السابقة حول عدم انتقامها من العمال، وقالت إنّه في بعض الحالات انتهك الموظفون المفصولون سياسات أمن البيانات.
وتصدّرت "غوغل" نشرات الأخبار مجدّداً في يوليو/ تمّوز الماضي، بعدما طرد مهندسٌ يدعى بلايك ليموين بسبب زعمه أنّ روبوت الدردشة الآلي للذكاء الاصطناعي الخاص بالشركة، والمسمى "لامدا"، يمتلك مشاعر، إضافةً إلى تسريبه وثائق خاصة بالشركة.
وأدّى ذلك إلى تغيّر سمعة "غوغل" من شركة عُرفت بتشجيعها ثقافة المصارحة في مكان العمل، إلى شركة تعاقب الموظفين الذي ينتقدون الشركة بشكل علني، على الرغم من أنّ "غوغل" لطالما رحبت بالحوار في الرسائل الداخلية عبر الإنترنت، كما شجّعت الموظفين على مناقشة قرارات المديرين التنفيذيين في الاجتماعات على مستوى الشركة والمنتديات الأخرى.
وقالت الموظفة السابقة ستابلتون في مقابلة أجريت معها أخيراً: "لقد رسمت غوغل خطاً في الرمال، إمّا أن تكون معنا وعلى ظهر المركب، وإمّا أن تخرج منه".
لماذا تعارض كورين مشروع "نيمبس"؟
وكانت صحيفة لوس أنجليس تايمز قد تطرّقت في السابق إلى قضية أرييل كورين.
وعارضت كورين، وهي يهودية، مشروع "نيمبس" بعد الإعلان عنه في إبريل/ نيسان 2021، لأنّها كانت قلقة من أنّ تكنولوجيا "غوغل" يمكن أن تساعد جيش الاحتلال في مراقبة الفلسطينيين وإلحاق الأذى بهم. ودخل العقد حيز التنفيذ في شهر يوليو من عام 2021، ويستمر لمدّة سبع سنوات.
والتزمت الشركة والاحتلال الصمت حول القدرات التي سيحصل عليها الجيش وكيف سيتم استخدامها. لكنّ العرض الذي قدّمته "غوغل" لتدريب مستخدمي "نيمبس" تضمّن، بحسب "ذا إنترسبت"، برنامجاً تدعي الشركة أنّه قادرٌ عبر لقطات الفيديو على التعرف إلى الأشخاص، وقياس الحالة العاطفية من تعابير الوجوه، إضافةً إلى تتبع حركة الأشياء. من جهتها، قالت متحدثة باسم الشركة إنّها لم تبع تقنية التعرف إلى الوجه "للأغراض العامة".
وقالت المتحدثة باسم "غوغل" نيوبيري: "نحن فخورون بأنّ الحكومة الإسرائيلية اختارت غوغل كلاود لتقديم الخدمات السحابية العامة للمساعدة في التحوّل الرقمي للبلاد"، وأضافت: "يتضمّن المشروع إتاحة منصة غوغل كلاود للوكالات الحكومية للتعامل مع المهمات اليومية، مثل التمويل والرعاية الصحية والنقل والتعليم، ولكنّه لن يكون موجّهاً إلى الأعمال المصنّفة سريّة أو حساسة".
وقالت كورين وموظفٌ يهوديٌ آخر معارضٌ لـ"نيمبس" يدعى غابرييل شوبينر، إنّهما شاركا مخاوفهما حول المشروع على قائمة بريدية لمجموعة الموظفين اليهود في الشركة، والتي تضمّ 3 آلاف موظّف، وإنهما واجها ردوداً عدائيةً من البعض. لذلك، قاما بإنشاء مجموعة فرعية أخرى في عام 2020، وسمّياها "الشتات اليهودي في عالم التكنولوجيا"، وتحوّلت اليوم إلى مركز التنظيم المناهض لـ"نيمبس"، بعد أن صارت تضمّ 500 عضو، ولكنّ من دون اعترافٍ رسميٍ من "غوغل" بوجودها.
وأشارت كورين إلى أّنّها أخذت إجازةً في يوليو 2021 بسبب الاكتئاب والقلق والإرهاق. وخلال إجازتها، كثّفت المجموعة الرافضة لـ"نيمبس" عملها، فقدّمت عريضةً عامةً للجمهور، وأخرى لموظفي "غوغل"، كمّا نظمت حملة بدعمٍ من مجموعتين غير ربحيتين من خارج الشركة.
وقبل أسبوعين من الموعد المقرّر لانتهاء إجازتها، أجرت كورين مقابلة مع تلفزيون "إم إس إن بي سي" للحديث عن الاحتجاجات ضد "نيمبس".
نزاعٌ طويل الأمد
وعندما عادت كورين إلى العمل في نوفمبر 2021، أبلغت بأنّ أمامها 3 أسابيع للاختيار بين الانتقال إلى البرازيل أو خسارة وظيفتها.
إثر ذلك، عيّنت كورين محامياً وقدّمت شكوى إلى قسم الموارد البشرية في "غوغل" بدعوى تعرضها لمعاملة كيدية. وقالت الشركة إنّها ستحقق في الأمر.
كما قدّمت شكوى انتقامية إلى المجلس الوطني لعلاقات العمل، الذي رفض القضية لعدم كفاية الأدلة. وقالت كورين إن "غوغل" لم تسمح للمجلس بالتحدث مع مديرها، بينما قالت الشركة إنّ نقل كورين كان مجرد قرار أخذ لأسباب عملية.
وفي فبراير/ شباط الماضي، أخذت الموظفة إجازة مرضيةً أخرى ولم تعد إلى العمل. في هذه الفترة، وقع أكثر من 700 من زملائها على عريضة تفيد بأنّ "غوغل" انتقمت ظلماً من كورين. أيضاً، وقع ما يقرب من 25000 شخص على نسخة موجّهةٍ للجمهور من العريضة نفسها.
في مارس/ آذار الماضي، أعلنت كورين أنّها تلقّت بريداً إلكترونياً من قسم الموارد البشرية في "غوغل"، يقول إنّه على علم بأنّها نقلت مخاوفها إلى منتدى عام، وأنّ عليها بدلاً من ذلك الاجتماع بقسم الموارد البشرية. وذكرت "غوغل" لصحيفة لوس أنجليس تايمز أنّها بعثت الرسالة إلى كورين بعدما "لم تجد أيّ دليل على الكيدية".
وفي إبريل/ نيسان الماضي، عقدت كورين محادثة عبر الفيديو مع ممثل عن قسم الموارد البشرية، أبلغها خلاله بأنّ قرار نقلها إلى البرازيل نُفّذ بشكلٍ غير لائق وتسبّب بضرر، لكنّه لم يحدّد كيفية وقوع هذا الضرر أو مقداره، وأكّد لها أنّ ما جرى لا يرقى رغم ذلك ليصنف كفعل انتقامي.
قالت كورين في مقابلة: "على الرغم من أن غوغل كشفت عن نمطٍ واضحٍ من السعي الحثيث للحصول على العقود العسكرية والانتقام من الموظفين الذين يتحدثون علانية".
فرض الصمت على الفلسطينيين وداعميهم
واستمر ما يصفه بعض العاملين بـ"قمع الموظفين الناشطين" في إثارة المتاعب داخل الشركة، بحسب ما تدلّ عليه تصريحات الموظّفين الـ15 الذين فصلوا، بالإضافة إلى مقابلات مع سبعة عاملين في "غوغل".
يؤكّد هؤلاء أنّ الشركة تطبق بشكل غير عادل قواعدها الخاصة بالاعتدال في المحتوى، وهو ما يخلق معايير مزدوجة: "يُسمح بالخطاب الداعم للحكومة الإسرائيلية، بينما يتم الإبلاغ عن الخطاب الداعم للفلسطينيين، وأحياناً قد يكون أصحابه عرضةً للعقاب".
وقال ستّة فلسطينيين، قدّموا ملاحظات مجهولة المصدر قرأها زملاؤهم بصوت عال، إنّهم لم يشعروا بالأمان حيال التعبير عن آرائهم داخل الشركة. فيما قال أحد العاملين: "مشروع نيمبس يجعلني أحسّ بأنّني أكسب رزقي من اضطهاد عائلتي".
وأشار بعض الموظفين إلى أنّهم تعرضوا للعقاب أو التوبيخ بسبب اعتبار زملاءٍ آخرين لهم أنّ رفع شعار "ادعموا فلسطين" معاد للسامية. فيما قال أحدهم إنّ زميلاً اتهمهم بمعاداة السامية لأنّهم يعرّفون عن أنفسهم بصفتهم "فلسطينيين أميركيين".
وقال موظف آخر، طلب عدم ذكر اسمه في مقابلة، إنّه أُجبر على مقابلة الموارد البشرية بعدما قام بعض زملائه بالتبليغ عنه بشكلٍ متكرّر بصفته "معادياً للسامية"، وكان قد كتب على حسابه الخاص في الشركة: "من النهر إلى البحر، ستكون فلسطين حرة"، واضطر إلى إزالة العبارة بعدما طُلب منه ذلك.
وأشار الموظّف إلى أنّه ناقش في المنتديات الداخلية للشركة التقارير التي نشرتها الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية حول السياسات الإسرائيلية والحياة في قطاع غزة المحاصر، كما عبّر عن إيمانه بأنّ "إسرائيل دولة فصل عنصري"، وكلّفه ذلك الحصول على تحذيرٍ رسمي، كما حصل على تقييم أداء منخفض، وصنّف في فئة لم ينزل إليها من قبل، وهي الفئة المصنّفة تحت اسم "بحاجة للتحسن".
وأدّى ذلك إلى خسارته مكافأة تزيد عن 10 آلاف دولار، ووضعه تحت خطر الطرد. بعدها، تمّ إبلاغه بألّا ينشر أيّ شيء قد يسيء إلى زملائه في العمل، ما دفعه للتوقف عن مناقشة المواضيع السياسية بشكلٍ تام.
يشير الموظفون الذين نشروا شهاداتهم على "يوتيوب"، وكذلك الذين تحدّثوا مع "نيويورك تايمز"، إلى تجربة أرييل كورين كدليل على أنّهم لا يستطيعون مناقشة وجهات نظرهم علانية خوفاً من خسارة وظائفهم.
لم تتطرّق "غوغل" بشكلٍ مباشر إلى هذه الشهادات في بيانها، لكنّ كورين تشعر بالتشجيع لحصولها على هذا الدعم من زملائها، وقالت: "عندما تقوم غوغل ومثيلاتها بالانتقام من العمّال، فإنّها تهدف إلى خلق ثقافة من الخوف، لكن في هذه الحالة حصل العكس، لقد اتّخذ المزيد من العمّال موقفاً ممّا يجري".