التحدّيات التي تواجهها صناعة السينما في لبنان غير مرتبطة بسببٍ واحدٍ. غياب سياسات إنتاجية متكاملة وثابتة سببٌ. انفضاض لبنانيين ولبنانيات كثيرين عن أفلامٍ لبنانية، تخرج من التجاري ـ الاستهلاكيّ إلى الأهمّ والأعمق في ذاتٍ وروحٍ واجتماع وعلاقات وانفعالات، سببٌ آخر. اشتداد الأزمة الاقتصادية الأخيرة عائقٌ. كورونا لعنةٌ، توقف إكمال تحقيق مشاريع، أو تؤجّله، أو تنتظر لحظةً ما لإطلاق عروض الأفلام تجارياً، وفي المهرجانات.
ميشال كمّون (1969) مُخرجٌ يُثابر على إيجاد مفردات سينمائية تجديدية، في مقاربة أحوال بلدٍ وأناسٍ. أفلامه القصيرة تنويعٌ على مفارقات ذاتية وأحوالٍ منفتحة على بيئة واجتماع: "كاتوديك" (1993) و"ظلال" (1995) و"الدوش" (1999) مثلاً، تتعمّق في مسائل كهذه، وتكشف شيئاً من هواجس سينمائية، ترتبط بلغة الصورة وآلية مقاربتها، الفنية والتقنية والدرامية والجمالية، ما يعيشه الفرد، ويُعاني تداعياته اليومية. أول روائيّ طويل له، "فلافل" (2006) يؤكّد، مجدّداً، أنّ السينما هاجسه، وأنّ بيروت مكانه، وأنّ ارتباكاتٍ ومشاغل وانفعالات تُثير فيه حماسة تنقيبٍ وكشفٍ وتفكيك.
جديده، Beirut Hold’em، المُنجز عام 2019، أي عشية انفجار الأزمة الاقتصادية اللبنانية، وتفشي كورونا، يُكمِل شيئاً من تلك الهواجس السينمائية: زيكو محتالُ سابق، يبلغ 40 عاماً. يُطلق سراحه مؤخّراً من السجن، فيشعر برغبة في استئناف حياته، خاصّة أنّه يُصرّ على استعادة كارول، "حُبّ حياته". يفتح محلاً للعب القمار، يُسمّيه "مركز تسلية". يجتمع مع أصدقاء له منذ الطفولة، يشاركونه شغفه بالمقامرة، بينهم صديقٌ لشقيقه الراحل. بعد وقتٍ، يُدرك زيكو أنّ وفاة شقيقه حاصلةٌ في سباقٍ غير قانوني للدرّاجات النارية، فيُقرّر إنقاذ صديق شقيقه هذا من المصير المميت نفسه. مدفوعاً بإرادةٍ قوية وصادقة وحادّة للنجاح في مهمّته هذه، يبدأ زيكو رحلةً في أعماق المجتمع اللبناني المعاصر بعد الحرب الأهلية (1975 ـ 1990)، أي في مكانٍ مصنوعٍ من مزيج غريب بين عنفٍ وحنانٍ وخفّة وجود وكثرة توتّر.
بهذا، يخطو ميشال كمّون خطوة إضافية في سيرة الاشتغال السينمائي اللبناني، الخاص به أولاً، والمرتبط بالسينما اللبنانية، المهمومة بالفرد وهواجسه، من دون ابتعادٍ كثيرٍ عن مآزق الجماعة.