تروّج مقاطع فيديو شوهدت آلاف المرات عبر "فيسبوك" مزايا منتجات للتنحيف أو مُعالِجة لمرض السكري، من خلال استغلال صورة نجوم برامج تلفزيونية من القنوات الأميركية كـ"سي بي إس" و"سي أن أن".
وأُنشئت مقاطع الفيديو هذه بواسطة برامج الذكاء الاصطناعي، وتشكل ما يُعرف بـ"التزييف العميق"، وهي تلاعبات رقمية تتزايد نسبتها وقربها من الواقع، مما يشكل ضرراً على سمعة وسائل الإعلام التقليدية.
وعلّق بعض المذيعين والصحافيين الذين انتُحلت شخصياتهم، فور نشر مقاطع الفيديو هذه عبر المنصات الاجتماعية.
وقالت مذيعة "سي بي إس"، غايل كينغ، في منشور عبر "إنستغرام"، في أكتوبر/ تشرين الأول: "لم أسمع قط عن هذا المنتج ولم أستخدمه مطلقاً! لا تنخدعوا بهذه المقاطع المُركّبة بتقنية الذكاء الاصطناعي".
وتُستخدم في مقاطع فيديو أخرى أقوال محرّفة للملياردير إيلون ماسك، لأغراض تجارية.
وتقنية "التزييف العميق" التي تمجّد أنواعاً عدة من المنتجات وخططاً استثمارية مشبوهة غالباً ما تحيل المستخدم على منصات للتجارة الإلكترونية ومواقع مؤقتة تختفي بعد أيام قليلة من نشر مقاطع الفيديو عبر الإنترنت.
وتحظر شركة ميتا، مالكة "فيسبوك" و"إنستغرام"، منذ 2020 نشر هذا النوع من مقاطع الفيديو في منصاتها، باستثناء الشرائط التي تنطوي على محتوى ساخر. إلا أنّ مقاطع فيديو "التزييف العميق" التي أجرت وكالة فرانس برس عملية تحقق من عدد كبير منها لا تزال تنتشر من دون ضوابط عبر الإنترنت.
استنساخ صوتي
يقول الأستاذ المتخصص في التكنولوجيا الرقمية لدى جامعة بيركلي في كاليفورنيا هاني فريد: "نشهد انتشاراً متزايداً لهذا النوع من مقاطع الفيديو التي تُستخدم فيها عينة صوتية مدتها دقيقتان فقط ويُعاد من خلالها إنتاج صوت شخص ما في تسلسل تخيّلي جديد، مع تحريك الفم بالتزامن مع صدور الصوت".
وتُعد الأسماء البارزة في المجال السمعي البصري أهدافاً سهلة لتدريب برامج الذكاء الاصطناعي على مقاطع الفيديو هذه، بسبب ظهورها الدائم عبر الشاشة.
وتقول عميدة كلية الصحافة في جامعة ميسيسيبي، أندريا هيكرسون، إنّ مقاطع الفيديو الشائعة تمثّل اتجاهاً مقلقاً، لأنّ الجمهور أنشأ علاقة من الألفة مع هذه الشخصيات العامة التي انتُحلت هويتها.
وتضيف لوكالة فرانس برس أن "الأمر خطر جداً، لأنّ الناس لا يتوقعون أنّ تكون المعلومات المضللة حاضرة في مقاطع الفيديو هذه".
"أزمة ثقة"
يحتل المحتوى المُنشأ بواسطة الذكاء الاصطناعي مكانة متزايدة في عمليات الاحتيال المالي التي كلفت الأميركيين نحو 3,8 مليارات دولار في 2022، وفق عمليات حسابية أجرتها هيئة المنافسة الأميركية.
واستهدفت عمليات الاحتيال هذه أشخاصاً في بلدان عدة بينها كندا وأستراليا، وكلفت بعض الأفراد عشرات بل مئات الآلاف من الدولارات.
وقال المحامي تشيس كارلسون، في منشور عبر مدونة خلال مطلع هذه السنة، إنّ "عمليات الاحتيال تصبح معقدة بصورة متزايدة، إذ يجمع المجرمون بين أساليب الاحتيال التقليدية وعمليات احتيال تستند إلى العملات المشفرة وبرامج الذكاء الاصطناعي".
ويزداد قلق الأميركيين من استخدام الذكاء الاصطناعي، وتحديداً في المواضيع السياسية. ويتوقع أكثر من 50 في المائة منهم أن المحتوى المضلل الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي سيؤثر سلباً على الانتخابات الرئاسية للعام 2024.
وسبق أن تحققت وكالة فرانس برس من مقاطع فيديو جرى التلاعب بها، يظهر فيها الرئيس الأميركي جو بايدن وهو يعلن عن تعبئة عامة، أو أخرى لوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون وهي تعلن تأييدها لحاكم فلوريدا الجمهوري رون دي سانتيس، في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وتوصّل استطلاع أجرته شركة غالوب، في أكتوبر، إلى أنّ ثلث الأميركيين فقط يثقون "بصورة كبيرة" أو "إلى حد ما" بوسائل الإعلام الإخبارية، في نتيجة مُشابهة لأدنى رقم سُجّل سنة 2016.
وينطوي انتشار هذا المحتوى الذي يمكن أحياناً رصده بسهولة لرداءة نوعيته، على خطر تأجيج "أزمة ثقة" الجمهور في وسائل الإعلام والمؤسسات، على حدّ قول مديرة معهد البيانات والديمقراطية والسياسة في جامعة جورج واشنطن، ريبيكا ترومبل.
وتؤكد الخبيرة التي تشدّد على ضرورة توخي الحذر قبل إعادة نشر أي نوع من المحتوى عبر الإنترنت أن "المعلومات ذات النوعية العالية تنتشر بصورة دائمة، ويمكننا مع نسبة كبيرة من الشك، تحديد الحقيقي من المضلل".
(فرانس برس)